البرلمـان السـوري: من مجلـس عـشبٍ إلى نـادٍ للشبيـحة

عبدالحميد حسين
معلوم أن الدكتاتور السوري وعبر تاريخه الذي سبق الأزمة والممتد لأربعة عقود كان يختار أعضاء هذا المجلس بما يتناسب وحجم الخدمات المقدمة والمعروضة من قبل كل مرشح، وقد ذكر الصحفي السوري نزار نيوف الذي درس وتفحص النظام السوري وآليات عمله عن كثب في مقالات ومنشورات له: أن ترشيح أعضاء مجلس العشب هذا وفلترتهم ومن ثم تعيينهم يتم بشكل فعلي من قبل الأجهزة الأمنية السورية المرتبطة مباشرة به، فإن كانت سوية العمالة والتعاون مع سلطات القمع مرتفعة يستطيع المرشح الظفر بواحدة من هذه المقاعد المائتين والخمسين، حيث يتم تعيين الأكثر رذالة وعمالة من بين عشرات آلاف المرشحين الراغبين، والعجيب فيها أن يقوم النظام بعد كل ما ذُكر بتزوير نتائج الانتخابات أيضاً، ربما لئلا تبقى فاحشة وتعتب عليه.
 طبعاً، موضوع الاختيار هذا لا يحتاج للتوسُّع والدراسة، ولا أريد الخوض كذلك في أسماء وسيِّر هؤلاء الأعضاء الذين فازوا يوماً ما بمقاعد في هذا المجلس،  فكل سوري يعرف جيداً من كان يمثله في هذا المجلس خلال أربعين عاماً من حكم عائلة الأسد التي سبقت الأزمة من أبناء مدينته ومحافظته والذين كانوا يُكافئون ببعض العشب من قبل الطاغية إذا ما تم تعينهم في عقود السلم تلك.
بإنصاف شديد يمكن القول أنه لم ولا يوجد أي أثر ولو بسيط للديمقراطية والانتخابات في سوريا في عهد الأسدين، وما نشهده  من وقت لآخر تحت مسمى “انتخابات مجلس الشعب أو غيرها من انتخابات مجالس المدن والمحافظات” يمكن اعتبار كل منها عملية استخباراتية خاصة محبوكة بدقة ومعروفة النتائج تتكون كل منها من عدة مراحل تبدأ بتجنيد العملاء ولا تنتهي بالتصفيق وإلقاء المدائح المجانية والأشعار السخيفة في تملق الطاغية وتضخيمه وذلك في مشاهد كوميدية خرقاء تتكرر في كل جلسة وتُشعر كل مواطن سوري حتى ضمن الوسط الموالي لبشار نفسه بالخجل والإحباط.
العملية المخابراتية الخاصة هذه من وجهة نظري تسعى إلى  تحقيق هدفين أساسيين، طبعا ليس من ضمنهما تمثيل الشعب في  مجلس شعب مصغر مهامه مراقبة الأداء الحكومي وسنّ التشريعات والقوانين التي تسهل حياة المواطن كما هي الحال في معظم الدول وهما- وأقصد طبعاً الهدفان الفعليان لهذه العملية:
أولاً: دعم وتكريس النظام الدكتاتوري في سوريا وتلميع صورة الطاغية وشرعنة منظومة القمع والفساد التي يقودها بشار اليوم ومن قبله المقبور أبوه.
ثانياً: إيصال رسائل دورية للمجتمع الدولي مفادها بأن الثقافة والتقاليد السياسية السائدة للدولة والمجتمع السوريين لا تختلفان عن تلك المعمولة بها في الدول الديمقراطية وقد رينا بشار الأسد يكرر مراراً للصحفيين بأنه سيبقى رئيساً لسوريا طالما ينتخبه الشعب السوري.
مع دخول سوريا الأزمة ارتفعت سوية “الكفاءة المطلوبة” لدخول هذا المجلس، فما لم يكن المرشح شبيحاً وعميلاً متمرساً يُشكل ميليشيات طائفية وعشائرية تعتقل وتفتك بأبناء مدينته وقبيلته وطائفته في المظاهرات السلمية وما تلاهها من حروب وعمليات عسكرية من أجل الحفاظ على مقام الطاغية تبقى حظوظه محدودة في النجاح وإن كان عميلاً سابقاً ومتعاوناً جيداً مع المخابرات، ومن هنا يمكن الخروج بالنتيجة الأولى من هذه المقالة وهي: أن مجلس العشب السابق قد تحول اليوم إلى نادٍ للشبيحة، وهذه واحدة من أهم إنجازات بشار في التطوير والتحديث ومحاربة المؤامرات الكونية، ومن دون ذكر أسماء كذلك يمكنك كذلك إلقاء نظرة على التكوين الحالي للمجلس المشكل مؤخراً والذي يعج بقادة الميليشيات الطائفية والقبلية والذين تم تعينهم مكافئة لهم على جرائمهم بحق السوريين خلال العقد الفائت لتتعرف على الفارق المهم الذي طرأ على المجلس الذي يُفترض به تمثيل السوريين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم. 
أي وفي زمن بشار يجب أن يكون المرشّح أرذل من بشار نفسه ليفوز بمقعد، أرذل من بشار الذي تمّ طردُه من الجامعة العربية من قبل  القادة العرب والذين لم يتحملوا إجرامه وإرهابه المفرط بحق شعبه، فطردوه من الجامعة لفرط وحشيته ومن يومها لم يصافحه قائد عربي أو غير عربي فأصبح مجرماً منبوذاً ومعزولاً عربياً ودولياً .
 وأما بالنسبة للمرشحين الكورد والذين حاولوا وفشلوا ولأنهم وبالإضافة إلى كونهم لا يحققون الشرط التقليدي الأول والذي تحدثنا عنه في بداية المقالة وهي أن مستوى عمالتهم لم ترتقِ بعد للسويّة المطلوبة، فهم لم يقتلوا أو يعتقلوا أحداً  دفاعاً عن كرسي الطاغية لتقبلهم سلطات القمع أعضاء في المجلس، وهم كذلك لا يزالون يتمتعون ببعض الحس الإنساني وببعض الشعور القومي الكردي ليفضي بنا ذلك إلى ملاحظة أهم  وهي: أن الكوردي مهما حاول أن يكون سورياً ومهما قدم من تنازلات، يتسابق مسرعاً إلى حضن النظام وتشرشر منه الوطنية السورية دبساً وعسلاً، ومهما علا صوته في مغازلة بشار متبختراً في ملعب ديمقراطيته الوارثة الظلال والمتجاوزة “للطوائف والأقليات” فلن يسعد بفرصة كهذه في الاعتراف والمساواة مع العرب في السباق لدخول نادي الشبيحة هذا، ناهيك طبعاً عن الحوار الديمقراطي مع النظام وأزلامه في هذا المجلس، وكونه كرديَ المنبع ستبقى مصيبة كبرى وناقصة لن ينجح في ترمميها مهما مدح وتملّق، وهذه هي النتيجة الثانية للمقالة، فكما قيل: لو أنجنب الكورد ألف صلاح الدين وحرروا القدس ألف مرة للعنهم العرب والمسلمون ألف مرة ومرة.
——– 
جريدة كوردستان – العدد / 638    

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…