إبراهيم محمود
كردٌ بوجوههم، بألسنتهم، بلغتهم أباً عن جد، يخاطبونك بالكردية التي تريد ليسلبوك كل ما تريد، ليبلغوا بك ما تسعى إليه، ليدحرجوك من عليهم بعدها، وأنت كلّي الوعي أنهم سيحملونك على الأكف، جرّاء ارتمائك في أحضانهم كردياً، كما لو أن ليس من كردية قائمة فيهم، وهم يأتونك مع أول صحوة الصباح، ليقلبوا نهارك كوابيس ليفقدوك وجهتك ووجهك ووجاهتك المشروعة.
كردٌ لا يكفّون عن مخاطبتك بأكثر الكلمات حميمية، لتكون على يقين كرديتك، أنك تسمع صوت روحك الكردية ذات العراقة التاريخية، لتمد إليهم روحك الكردية ذات الجغرافية المعلومة، وأنت كلّي التفاني، ليردّوها إليك أرضاً مواتاً، خرائب تعفها خلائق النمل بكافة أنسابها.
كردٌ يحاصرونك ليل نهار بتواددهم الكردي، بتراحمهم الكردي، ببلاغة أرومتهم الكردية، بفرادة صعودهم الكردية، لتخرج إليهم، فارشاً لهم ورد كرديتك، ناثراً عليهم قلبك الكردي، لتلقى ما ليس في الحسبان ما كنت عليه، مبلبَلاً في روحك، وقلبك، ولغتك، وأنت تتساءل: ما هذه الكردية التي ابتليتُ بها ؟ متسائلاً عن هذا التصريف الموقّع عليه بالكردية الصاعقة.
كردٌ يعظّمونك بما تشتهي، ويجلّونك بما تشتهي، ويعزّزون فيك غروراً لم يخطر لك على بال من قبل، ويشدّونك إليهم، كما تشتهي، على وقْع كردية لم تألفها من قبل، ليردّوك، وقد خرجت إليهم، حيث لا تعود تعرف داخلك من خارجك، ما كنت عليه قبلُ، وما ستعود إليه بعدُ، كردياً مسائلاً نفسه، عن هذه الكردية الطاعنة في كرديتها .
كردٌ، يطرقونك على باب سريرتك الكردية، يستعطفونك مقدّرين فيك انفتاحاً على جهاتك، مستدرجينك إلى حيث يقفون وينظرون ويحسبون، ليقلِبوك ظهر المجن، بلا رأس، بلا رجْلين، متطايراً في هباب التاريخ ككُرة العوسج اليابسة التي تتطايرها الرياح العابثة، مضلّلاً وجهتك وطريقك الذي سلكته قبل قبل ظهورهم المباغت أمامك وفي وجهك.
كرد، يمنحنوك أعظم الألقاب، يمدّون لك موائد أطايب الكلام، أطايب الوجوه المحتفية بحضورك، بوجودك بينهم، يجعلونك في الصدارة، ويغرِقونك في لجة مشاعرهم المعدَّة جيداً جداً، لتقبل على تناول كلماتهم بشهية غير مسبوقة، وتسلّمهم شنف آذانك، بشهية غير مسبوقة، وتسمعهم ما كنت فيه وعليه من نبْل الأخوة التوأمية، لتخرج وأنت في داخل يتسع متاهة، وطي وجوه لا تسعفك الذاكرة في معرفة كيفية انبثاقها هكذا سعياً إلى محو ما كنت فيه وعليه قبل لحظات.
كرد، كما لو لم يكن كرد من قبل، كرد كما لن يكون هناك كرد من بعد، يعبّدون أمامك طرقاً، لك، ولمن تحب، وما تحب قوله، وما قلته من قبل من كلام ومن كتابة ومن فعل نابت، لينشطوا فيك نخوة الانطلاق إليهم، بسرعة غير مألوفة، كما هي الطرق الممدودة على لاتناهيها المرئي والمرسوم والموصوف لك، وعند أول سانحة، عند أول يقظة عما أصبحت عليه، عما انسقتَ إليه، تنقلب الطرق هذه عليك، وتلتف عليك أناكوندياً، لتكتشف كيف يغرَّر بك وأنت في هذا المقام الأرضي الفسيح، وأنت في هذا الامتداد الجغرافي العليم كردياً فكردياً فكردياً، وأنت بهذا الحضور الكردي الحسابي بمقياس معهود خارجاً، وقد أظهِر فيك ما يعاديك ويعديك، وأنت في صراخك المكتوم مستجمعاً قواك المتبقية لتتبصر هذه الكردية الطارئة التي تحاول إعادة تركيبتك، فلا تكون أنت أنت، وهم يستعجلون نهاية ذرّيتك التي ألفتَها بين الآخرين .
كردٌ ينافسونك في ألقاب من الكردية، وفي الكردية، وبالكردية، حتى يبلغ بك التعب، الإعياء، أشدَّه، لتقول بلسان الغريب المستغرب، عن مآل هذه الكردية ذات الألقاب التي استنزفت الكردية، وقد أُفقِدت رشدها الكردي، وموطىء قدمها الكردي، وبصيرة دمها الكردي
كردٌ، لا يخجلون من أنفسهم إذا تعرّوا أمام أمم الأرض، لا يخجلون من أنفسهم إذا عُرّوا في وضح النهار، وهم يمضون من عري إلى آخر، ومن تعرية إلى أخرى، لا يخجلون من خجل معهود عالمياً، تاريخياً، وكما يعلَم بأمره أجداد الكرد وأسلافهم، لا يخجلون مما قالوه بالأمس القريب جداً، وما تفوهوا به لاحقاً، كما لو أنهم لم يكونوا هم، قاذفين بأجندة من كل حدب وصوب، رامين خجلهم المشين على من ينطقون بعين لسانهم، لتكون لغتهم حيث تستطيعه أيديهم الكثيرة، لتكون أيدهم حيث تستطيعه أرجلهم الثقيلة الكثيرة الهائلة المرعبة الضربات، حيث تكون أرجلهم الكردية التي تستصرخ المتبقي من كرديتها، أن ليس لها وشيج قربى بهذه الكردية التي ضيعت على الكردية فرصة تثبيتها جنساً بشرياً في لائحة أرومات البشر في التاريخ .