محمد مندلاوي
إن من صفات الكاتب التي تميزه عن الآخرين، هي مؤهلاته ومهاراته وقدراته العقلية، التي يرى من خلالها الأحداث الخطيرة ونتائجها الكارثية قبل وقوعها. فلذا، غالباً ما تكون طروحاته الفكرية ورؤاه النقدية موضع جدل واعتراض البعض، أو أن الكلام الذي يجيش في داخله ويسطره على الورق، لم يرق لبعض الطارئين على عالم الكتابة من أصحاب الأقلام الصفراء، الذين بدافع غير وطني يشوهون الثوابت القومية والوطنية لدى المتلقي الكوردي، وذلك من خلال حشو رأسه بكلام مداهن، أو ببعض الأفكار البالية التي أكل عليها الدهر وشرب، ولم تعد تصلح للقرن الـ21، ولا لتطلعات المشروعة للأمة الكوردية الجريحة، التي عانت وتعاني الأمرين على يد الاحتلال العربي، التركي، الفارسي… .
إن الخيط الذي يوصل الكاتب بقرائه ومتابعيه هي اللغة وليس أي شيء آخر سواها، فلذا، يجب أن تكون مفردات هذه اللغة صحيحة وسليمة في صياغتها المعنوية، ومعبرة ومؤثرة تأثيراً إيجابياً في فكر المتلقي حتى يكون مواطناً صالحاً لا يرتمي في أحضان العدو، ولا يخون شعبه ووطنه، ويعتز بانتمائه القومي الكوردي وبهويته الوطنية الكوردستانية التي هي هوية جامعة لأمة الكورد من البحر إلى البحر؟. لكن للأسف الشديد،خلال حقبة الاحتلال، قد يكون الشعب الواقع تحت نير الاحتلال الغاشم، أو جزءاً منه بحكم ظروف الاحتلال يصبح ثنائي اللغة، أي: بالإضافة إلى لغته الأم يستعمل لغة المحتل أيضاً، لأنها أداة من أدوات الاحتلال المفروضة عليه وفق سياسة منهجية خبيثة تريد صهره في بوتقة تلك القومية… التي تحتل وطنه، تماماً كما هو حال الكورد في كل من بدرة، جصان، زرباطية، مندلي، خانقين، شهربان، جلولاء، خسروآباد، ورازرو الخ. لقد منع المحتل العربي أبان حكم حزب البعث العروبي التحدث في هذه المدن باللغة الكوردية!!. عزيزي القارئ، إن هذه السياسة العنصرية كانت سائدة في بلدان كثيرة في العالم، حيث استطاع الاحتلال مسخ اللغة الأصلية للشعب الذي يرزح تحت نير احتلاله، وفرض عليه لغته، كما يشاهد في “لاتين أمريكان- أمريكا الجنوبية” حيث أن اللغة السائدة اليوم هي الإسبانية والبرتغالية، وهكذا في بعض بلدان القارة السمراء حيث تجد اللغة السائدة هي الفرنسية. بلا شك، أن الاحتلال استطاع أن يمسخ لغة أو لغات تلك الشعوب، إلا أنه لم يستطع مسخ شخصيتهم القومية وانتمائهم الوطني؟؟ فعليه في لحظة مناسبة ثاروا على الاحتلال الأجنبي وأخرجوه من أوطانهم وتحرروا إلى الأبد من براثنه. لكن للأسف، استطاع الاحتلال الأجنبي أن يترك بصمته… على ألسنتهم ومضى، وذلك من خلال لغته التي فرضها عليهم في تلك السنين العجاف. وهذا ما يعاني منه بعض الكورد في أجزاء كوردستان التي لا زالت ترزح تحت نير احتلال مربع… المتمثل بإيران، عراق، سوريا، تركيا، حيث أن سياسة التتريك، والتفريس، والتعريب العنصرية سائدة فيها على قدم وساق حتى لحظة كتابة هذا المقال.
عزيزي المتابع،إن البيت القصيد في موضوعنا لهذا اليوم، هو الأخطاء القاتلة التي يقع فيها غالبية كتاب الكورد، الذين لا يستعملون المفردات الصحيحة والدقيقة للتعبير عن عدالة قضيتهم كقضية شعب قائم بذاته له وطن محتل بفوهات البنادق من قبل الأجنبي… الذي جاء من أقاصي الأرض. حقيقة لا أدري لماذا الإصرار على استعمال المصطلحات السلبية من قبل هؤلاء الكتاب الكورد…! هل هو الجهل؟ هل هي خيانة مدفوعة الثمن من أجل تشويه الحق الكوردي؟ هل هو عناد مع الذات؟ هل هي عبثية؟ هل هي مشاكسة مع الوطنيين الأحرار الذين يذودون عن كرامة الشعب وحياض الوطن بمداد أقلامهم؟ هل، هل، هل، الخ. عزيزي القارئ، هناك قول مأثور لأحد الفلاسفة: إذا كل الأشياء التي قيلت ولم يسمع أحد ما يجب قولها مجدداً. ونحن ها نجدد القول الصائب الذي قلناه مراراً كراراً عن توصيف الشعب الكوردي و وطنه كوردستان وصفاً صائباً كما توصف جميع الشعوب والأوطان على كوكبنا الأرضي إلا وهو، إن الكورد شعب قائم بذاته، وكوردستان كوحدة واحدة هي وطن لهذا الشعب العريق، هكذا هو اسمها دون أن نضع له لاحقة كبرى؟؟ ككوردستان الكبرى!!. وحين يتحدث أو يكتب الكوردي، أو ينقل بدون عقل وصفاً عن أي جزء من كوردستان يجب أن لا يضع لها لاحقة تدل على الاحتلال، ككوردستان العراق، أو كوردستان إيران، أو كوردستان تركيا، أو كوردستان سوريا، لأن كوردستان ليست جزءاً من هذه الكيانات المصطنعة التي ظهرت إلى الوجود بعد حرب العالمية الأولى بعصا ساحر البريطاني أو الفرنسي. عزيزي القارئ الكريم، هذه ليست إساءة بقدر ما هي توصيف لتعريف هؤلاء. وهكذا يجب أن لا يقال كورد العراق، أو كورد إيران الخ، لأن الكورد ينتمون إلى وطنهم كوردستان، فلذا الكورد هم كورد كوردستان لا غير؟. من الممكن أن يقول أحد ما: كورد لبنان، كورد إسرائيل، كورد مصر الخ لا ضير في هذه التوصيفات لأن لا وجود لأجزاء من لكودستان في هذه الدول، لكن لا يجوز بتاتاً أن يقول أحد ما وتحديداً الكاتب والمواطن الكوردي: كورد العراق، كورد تركيا، كورد إيران، كورد سوريا. إذا كان الكاتب الكوردي في رقعة جغرافية تحت حكم كيان محتل من الكيانات التي تحتل كوردستان فليضع نصب عينيه الواجب القومي والوطني الذي يفرض عليه أن يبتكر كلمات وصيغ حتى يعبر بها عن اسم شعبه الكوردي ووطنه كوردستان كي لا يستفزه أبناء جلدته ويجرح مشاعرهم؟. ثم، يستحسن بالكاتب الكوردي أو المواطن الكوردي أن لا يذكر في أحاديثه أو كتاباته اسم الوطن العربي، أو العالم العربي، لأنه بكل بساطة لا يوجد لا وطن عربي ولا عالم عربي بهذه الحدود التي يقصدها السياسي والكاتب العربي؟؟ لقد ابتكروا هذين المصطلحين… في أروقة أجهزة مخابرات الكيانات العربية المستحدثه. وحين يشير الكوردي إلى الحدود المصطنعة بين الكيانات الأربعة التي تحتل كوردستان يجب أن لا يذكر هذه الكيانات… كأن كوردستان جزءاً منها، بل أن الانتماء القومي والوطني يحتم عليه أن يقول: حدود جنوب كوردستان مع شرق كوردستان، حدود شمال كوردستان مع غرب كوردستان الخ. مِن المرجح أن الكاتب الكوردي يعرف جيداً أن هذا الوصف الدقيق للوطن الكوردي ينمي الوعي القومي السليم عند المواطن الكوردي الذي يحاول المحتل المعتدي بكل الوسائل المتاحة لديه أن يمسخ شخصيته القومية، وينسيه انتمائه الوطني لوطنه الأم كوردستان؟ أم لا يعرف هذا؟؟. وهناك بعض الكتاب من كورد الجنسية أصحاب العقل اللاواعي قومياً ألفوا كتباً قالوا فيها: القضية الكوردية في العراق؟؟!!. مع أن العراق والكيانات الأخرى التي ذكرناها محتلة لكوردستان، لا يجب أن توصف قضية الكورد كجزء داخلي لهذا الكيان أو ذاك، هل قال أحد العرب القضية الفلسطينية في إسرائيل؟؟. هل قال أحد ما منظمة التحرير الفلسطينية الإسرائيلية كما يزعم البعض: حزب العمال الكوردستاني التركي!!!. لكي أكون أميناً على الكلمة هذا الأخير لم يقله كوردي ما بل يردده بعض العرب. عزيزي المتابع اللبيب، بالأمس القريب شاكسني أحد ما من إياهم عن كتابة اسم الكورد بالوا أم الضمة، وأصر على أن كتابته بالصيغة العربية بالضمة هي السليمة. لكن، بعد أن قدمت له عدة دلائل وقرائن على صحة كتابته بالواو اختفى ولم يعد له وجوداً. لكي أكون دقيقاً، هو غير موجود أصلاً لا في النيت ولا في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فقط هذه المرة ظهر على النيت واختفى كما يختفي الظلام عند بزوغ ضوء الشمس. لقد ادعى أنه كاتب، لكني بحثت كثيراً في صفحات النيت لم أجد له نتاجاً مكتوبا؟!. عزيزي المتابع، كان هذا أحد الذين يؤثرون سلباً على الشارع الكوردي وعلى المنظومة المعرفية للمواطن الكوردي قولاً أو كتابة. أأمل أنه قد اتعظ وعظ بنان الندم على ما زعم. لقد صادفني مرات أخرى بعض الكورد، الذين لديهم قلم سيال وتشهد لهم الساحة الأدبية والثقافية كنت قد عقبت على بعض كتاباتهم إلا أن تعقيباتي والأصح تصحيحاتي لبعض هفواتهم لم تعجبهم فعليه قاموا بالابتعاد عني في الفيس. ومنهم من عرف أنه على خطأ، إلا أنه كابر ولم يرد على تعقيبي أو مقالي الذي بينت فيه أنه على خطأ. يجب على الكاتب الكوردي أن يعي جيداً أننا نقارع الاحتلال ثقافيا بمداد أقلامنا، ألا يدرك، أن العلاقة الشخصية شيء، والذود عن الشعب والوطن شيء آخر؟ ربما ليس لي علاقة معك، أو علاقتي مقطوعة بك، لكن هذا لا يكون مانعاً إذاً أخطأت في مقالك أن لا انتقدك لأن علاقتي مقطوعة بك! لا عزيزي، أن ما تتناوله ليس ملك لي ولك بل هي ملك للشعب الكوردي فعليه كل كوردي له الحق أن يدلوا بدلوه فيه ويقول كلمته؟. ليس هذا فقط، ربما كتبت شيئاً صحيحاً وجميلاً يخدم الكورد وكوردستان هل يجوز أن لا أثمنه لأن ليس علاقة معك أ يعقل هذا؟؟.أتمنى أن يتخلى الكاتب الكوردي عن الأنانية وحب الذات والتكبر، ويرى نفسه أصغر عنصر في العائلة الكوردية، لأنه أمام مسؤولية كبيرة ومهمة للغاية، ولا يدع محبرته تجف في مضمار الکوردایەتی. في نهاية هذه الكلمات، أرجو من الكاتب الكوردي أن يلقي نظرة فاحصة على مجتمعه جيداً، سيجد أن المصرفي مسؤول عن الأوراق النقدية فقط، والآثاري مسؤول عن الآثار لا غير، والمؤرخ مسؤول عن كتابة التاريخ، وينقح ما دون في بواطن كتب التاريخ من التزوير فقط، ورجل الأمن مسؤول عن بسط الأمن في البلد، والپێشمەرگە مسؤول بالدفاع عن حياض الوطن الخ الخ الخ، أتلاحظ، كل عنصر من هؤلاء مسؤول عن شيء واحد ومحدد فقط، إلا أن الكاتب، هو العنصر الوحيد الذي لا يختص بالدفاع عن مادة محددة فقط، بل يذود بمداد قلمه عن الشعب والوطن، وسماءه، ومياهه، وثرواته التي فوق وتحت ثراه؟ أضف لكل هذه النقاط، إن الكاتب، هو الذي مصدر نشر الوعي السياسي والثقافي والحضاري والنضوج القومي والوطني بين أبناء الشعب الكوردي.
“القلم بيد السفيه كالخنجر بيد الطفل”
08 08 2020