صلاح بدرالدين
كان ومازال المنتظر كحق وواجب من الوطنيين السوريين المؤمنين بأهداف الثورة السورية المغدورة في إزالة الاستبداد واجراء التغيير الديموقراطي وتحقيق سوريا التعددية الديموقراطية التشاركية الجديدة البحث عن سبل لاعادة البناء بعد نكسة الثورة وانحراف كيانات المعارضة ، بالطرق والوسائل المناسبة آخذين بعين الاعتبار تجارب ودروس نحو عشرة أعوام وأسباب الإخفاقات والهزائم الذاتية منها ( وهي الأساسية ) والموضوعية من داخلية وإقليمية ودولية .
والطريق الصحيح الى تحقيق ذلك يمر بتحقيق جملة من المهام بعضها مبدئية أولية آنية إجرائية في اطار أسس ضمن خارطة طريق عملية والبعض الآخر فكرية – ثقافية – سياسية – تنظيمية ضمن سياق مشروع برنامج وطني شامل واضح وشفاف بالمدى المتوسط وصولا الى التوافق الوطني حول عقد سياسي اجتماعي بين المكونات القومية كأحجار زاوية صلبة تبنى عليها سوريا الجديدة المتنوعة دينيا ومذهبيا بأطيافها الجميلة الخلاقة بالمدى الابعد وعلى الأداة المنفذة لهذه المهام ( جبهة – تحالف – حراك – تجمع …) وحتى يحالفها النجاح استيعاب دروس الماضي الالتزام بالمبادئ التالية قولا وعملا :
أولا – استعادة الشرعية التنظيمية والوطنية الشاملة فكلنا يعلم وبسبب تسلط الاستبداد وانعدام الحياة الديموقراطية الحرة طيلة أكثر من نصف قرن لم تنشأ تقاليد ديموقراطية متطورة في الحياة السياسية للشعب السوري ولم تظهر الأفكار الحرة الخلاقة بل خنقت بالمهد ولم تنشأ أحزاب سياسية بشكل طبيعي بل كانت دائما وابدا اما تقمع وتزال أو تروض وتسار حسب أوامر أجهزة النظام .
وبعد اندلاع الثورة انتقلت جملة من بقايا الأحزاب والتيارات التقليدية الاسلاموية منها والقومية واليسارية العربية والكردية والمسيحية وخصوصا التي كانت منضوية في اعلان دمشق ( وغالبيتها كانت مروضة ) أو منهكة وفاقدة للشرعية التنظيمية انتقلت مع كل أمراضها وعيوبها الى صفوف المعارضة وتحاصصت في مسؤوليات المجلس الوطني السوري أولا ثم الائتلاف وهيئة التفاوض واللجان المتفرعة وهي بتلك التركيبة أوصلت الثورة الى طريق مسدود وتسببت في تفتيت وتشرذم الجيش الحر وانقسام المعارضة الى معارضات لذلك فان الخطوة المفتاح لأي عمل انقاذي يجب وبالضرورة أن تبدأ بإعادة بناء – الأداة – الحركة الوطنية السورية واستعادة شرعيتها المفقودة عبر مؤتمر وطني جامع وصياغة مشروعها الوطني الديموقراطي وانتخاب مجلسها القيادي لمواجهة كل التحديات .
ثانيا – تثبيت مبدأ استقلالية القرار الوطني وذلك باتخاذ الخطوات التمهيدية للتخلص من عبئ الاعتماد على الخارج حتى لو تطلب ذلك إعادة النظر في الجانب العسكري الذي يتطلب عادة التنازل لمن يقدم السلاح والعتاد وطرق المرور والامداد خصوصا وان الكثيرين يعتقدون الان بعدم جدوى العمل العسكري بعد تحوله الى بنادق لايجار المانحين بل أداة لقتل واذلال السوريين في العديد من المناطق مثل عفرين وغيره أو وسيلة للارتزاق خارج الأراضي السورية وكذلك تغيير المنهجية الإدارية – المالية حيث تحول الثوار والمعارضون الى موظفين وبيروقراطيين لدى الدول المانحة وهم سينفذون توجاهاتها ويلتزمون بأوامرها وهذا يتنافى مع اخلاقيات الثوار والمناضلين من أجل قضايا شعوبهم وهنا قد يجوز اكتشاف وسائل جديدة للنضال لن تكون على حساب المبادئ والمصالح الوطنية جوهرها سلمي – دفاعي ومهما أخذ ذلك من الوقت الزمني فانه من المؤكد لن يكون أطول زمنيا من تجربة تسعة أعوام المريرة المكلفة .
ثالثا – تخطي الدروب المناطقية والفئوية الضيقة نحو الآفاق الوطنية الاوسع فكل ما نشهده الآن من مؤتمرات واجتماعات وتشكيلات وسلطات أمر واقع وتصرفات انفرادية تحدث هنا وهناك من شمال شرق سوريا مرورا بريف حلب وعفرين ومناطق ادلب والقلمون ودمشق وريفها وانتهاء بدرعا والسويداء والجبهة الجنوبية تخطط لها وتدار بحماية وأموال المحتلين الأجانب وتخدم مصالحهم أساسا وذلك عبر أذرع عسكرية محلية وسماسرة معروفين يقيمون أساسا بدول الخليج وعواصم الأنظمة الإقليمية المعنية بالملف السوري وكل مايجري ماهو الا عبارة عن إطالة الأزمة وادارتها وليس حلها وامعانا في المزيد من الشروخ بين سوريي المعارضة وقطعا للطريق على الجهود النزيهة المبذولة من أجل الإنقاذ .
رابعا – مناقشة ووضع مقترحات توافقية شفافة بشأن طبيعة وقاعدة بنود العقد الاجتماعي – السياسي الجديد بين مكونات سوريا القومية منها بشكل خاص والدينية والمذهبية عموما وطرحها للمناقشة بمشاركة الاختصاصيين الحقوقيين والمناضلين السياسيين ذلك العقد الذي سيكون حدا فاصلا بين مرحلتي الاستبداد والديموقراطية والقديم والجديد وسوريا المنقسمة المحتلة وسوريا القادمة الحرة الموحدة .
خامسا – العمل على جمع عصارة انتاج المفكرين والمناضلين الوطنيين ومتخصصي العلوم الدستورية والقانونية وبالاستفادة من تجارب الشعوب في جوارنا ( العراق ) والشرق الأوسط وآسيا ( الهند ) وافريقيا ( أثيوبيا – جنوب افريقيا ) وأوروبا ( سويسرا – بلجيكا ) والأمريكيتين ( كندا ) وانطلاقا أولا وأخيرا من خصوصيتنا السورية من أجل وضع مشروع دستور لسوريا الجديدة القادمة أخذا بعين الاعتبار تقصير الرواد والبناة الأوائل في وضع الدستور السوري الأول وماتلاه والذي تجاهل وجود وحقوق جميع المكونات السورية غير العربية مما افسح المجال لذوي النوايا الشريرة الذين تسلطوا على مقاليد الحكم خلال مايقارب القرن من استغلال ذلك ضد الآخر المختلف قوميا مثل الكرد والى حد معين مذهبيا وأوصلوا شعبنا السوري الى ماهو عليه الآن .
سادسا – تشخيص وتحديد وتعريف الهوية الوطنية الجامعة والهويات والانتماءات الفرعية وحقيقة تعدادها ونسبها لسكان سوريا ولو بصورة تقريبية الى حين اجراء الإحصاء الوطني المستقل العام فكلنا نعلم أن تناول هذا الموضوع كان ومازال من المحرمات في منطق نظام الاستبداد وسياسته المتبعة منذ عقود بل من الأمور التي تحسب على ( الأمن القومي وأمن الدولة ) والحقيقة تمس أمن النظام فالتعددية الديموقراطية ومبادئ العيش المشترك بين المكونات ستسحب أوراق الفتنة القومية والدينية والمذهبية من أيدي النظام وأجهزته وتحرمه من قاعدة ( فرق تسد ) ، ان الاعتراف بوجود وحقوق الآخر أمر حضاري وديموقراطي ومن أحد مبادئ ثورتنا ويوفر الطمأنينة للهويات كافة ولكل المكونات ويدفع الجميع للتصالح والتضامن من أجل وطن حر يضمن أمن وسلامة وحقوق ومستقبل الجميع .
سابعا – العمل منذ الآن وبعد الخطوات التي رسمناها أعلاه التفكير الجدي في تكليف لجنة تحضيرية مستقلة نزيهة مجربة ليس لأعضائها أية مشاركة في كيانات المعارضة الفاشلة تمثل قدر الإمكان الطيف السوري المكوناتي والاجتماعي والسياسي مشهود لهم بالنضال الوطني والتضحية من أجل مصالح الشعب والوطن لتعمل على توفير الشروط اللازمة الإدارية منها والتنظيمية لاختيار الزمان والمكان المناسبين لعقد المؤتمر الوطني الجامع بالطرق والوسائل المتوفرة الممكنة وليتسع ذلك المؤتمر لغالبية وطنية مستقلة ومشاركة ممثلي القوى والأحزاب والمجموعات والافراد الذين كانوا ومازالوا مع مبادئ وأهداف الثورة والتغيير الديموقراطي وسوريا التعددية التشاركية الموحدة .
مايجري الان من اعلان تحالفات حزبية ومناطقية وفئوية وما يعلن عن برامج ومشاريع وما تقام من غرف نقاش على مواقع التواصل الاجتماعي بين السوريين بمختلف اطيافهم وتوجهاتهم من المعارضة أو الرماديين مدنيين وعسكريين وافدين ومتسلقين ليس كلها سيئ بل فيها الإيجابي والصحي وقد تكون بين طياته ألغاما مزروعة ولكنها عموما مازالت في بداية الطريق وقابلة لكل الاحتمالات من تراجع واضمحلال بعد نفاد الحاجة أو تطوير نحو الأفضل اذا توفرت الأسباب .
المشهد في الساحة الكردية السورية
١ – في 16 حزيران/يونيو 2020 ( اختتم وفدا المجلس الوطني الكُردي – حوالي عشرة أحزاب – وأحزاب الوحدة الوطنية الكُردية – ٢٥ حزب – في الحسكة سوريا المرحلة الأولية من مفاوضات وحدة الصف الكُردي، وتوصلا الى رؤية سياسية مشتركة ملزمة والوصول إلى تفاهمات أولية واعتبار إتفاقية دهوك 2014 . حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع أساسا لمواصلة الحوار والمفاوضات الجارية بين الوفدين بهدف الوصول إلى التوقيع على اتفاقية شاملة في المستقبل القريب .. وذلك لإنجاح مبادرة القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بهدف توحيد الموقف والصف الكردي في روج آفاي كردستان، ) .
٢ – وقبل ذلك ( عقدت الأحزاب الكردية في الإدارة الذاتية الديموقراطية بالإضافة لأحزاب أخرى من خارج الإدارة اجتماعاً في مدينة قامشلو بتاريخ 18 / 5 / 2020 وتوصلنا الى عقد قد فعاليات ونشاطات مشتركة تحت اسم “أحزاب الوحدة الوطنية الكردية” ..)
٣ – أعلنت جبهة “الحرية والسلام”، والوثيقة السياسية التي تم الاتفاق عليها بين أعضائها الأربعة “المجلس الوطني الكردي، المنظمة الآثورية، المجلس العربي في الجزيرة، تيار الغد”. وأشارت الوثيقة بأنها “تضم أطراف تقاطعت في رؤيتها السياسية وأهدافها، نتيجة لحوارات بينية معمقة بالإضافة لعلاقات الثقة المتبادلة التي تعمقّت عبر مسار طويل من التعاون والاهتمامات المشتركة ..) .
ان الشروط والمهام المحددة أعلاه والتي تنطبق على الوضع السوري العام تشمل الحالة الكردية أيضا مع رؤية خصوصياتها طبعا فماحصل يكاد يكود معزولا عن السياق الوطني العام وليس ذي صلة بما يطمح اليه السورييون وما يتمناه الساعون الى إعادة البناء في مجالات استقلالية القرار الوطني واستعادة الشرعية الوطنية والتأسيس للعقد الاجتماعي التوافقي ولاحقا الدستور وكل ذلك لن يتحقق بشكل منفرد ومن منطلقات فئوية مناطقية رسمت جغرافيتها حسب الدوافع العسكرية والاقتصادية للمحتلين الأجانب وكأنه تنفيذ واضح المعالم لتعليمات سياسية خارجية التي وبحسب نفوذها العسكري والمعنوي وقدراتها المالية بإمكانها فرض ما يتوافق مع مصالحها الخاصة بكل سهولة .
وليس انتقاصا من قيمة أحد فردا كان أو حزبا أو مجموعة ولكن يجب أن نكون في غاية الصراحة خصوصا اذا تعلق الامر بالقضايا الوطنية وبطبيعة بعض الجماعات وسياساتها وثقلها القومي والوطني والاجتماعي ومدى اتزانها في الأعوام الماضية ( فتيار الغد ) مثلا الذي هو شخص فرد كان شريكا في تجارة ممنوعة لرموز النظام وسجن بسبب ذلك ثم صار معارضا بل ولوه من أجل المال رئيسا للائتلاف وهو المتنقل بين أحضان مخابرات النظام العربي الرسمي تودد لجماعات ب ك ك فرفضته ثم يصبح الان طرفا هو وبعض اقربائه باسم العشائر العربية في ماسميت بجبهة ( الحرية والسلام ) وهو اسم مسروق على أية حال من حزب ظهر قبل أشهر أما اخوتنا في ( الحركة الآثورية الديموقراطية ) فمع كل الاحترام هم لايشكلون حتى ١٪ من سكان سوريا ومع الجميع من النظام الى جماعات ب ك ك .
وحتى في مجال المهام القومية فان تلك الخطوات المعلنة من جانب الأحزاب الكردية لم تستجب للحد الأدنى فيها ويؤخذ عليها من جانب نخب فكرية ثقافية المساس بالجيو – سياسيا الكردية السورية الراهنة والتضحية بمناطق عفرين وغيرها رضوخا لاملاءات الطرف الراعي وتناسبا مع جغرافية نفوذه وهو امر خطير لايجوز التلاعب به خاصة من جانب أحزاب غير مخولة قوميا ووطنيا وشرعيتها التنظيمية موضع شكوك حتى في اطار العمل الحزبي خاصة وانها اختارت بدون استثناء الطريق الملتوي في مسألة وحدة الحركة الكردية فبدلا من الاستجابة لطموحات ونداءات الأغلبية الساحقة من الوطنيين الكرد السوريين المستقلين حول قبول المؤتمر الوطني الكردي السوري حلا عادلا وواقعيا وسليما ومشروعا لازمة الحركة ووحدتها واستعادة شرعيتها اختارت الطريق الاسهل الذي قد يحقق مصلحة ذاتية آنية على حساب النهج القومي والوطني الصائب وبايجاز ماتم لايعدو عن كونه إجراءات خارج نطاق التاريخ بصفحتيه القومية والوطنية الذي لن يسطره الا الغالبية الوطنية المستقلة والمناضلون الصامدون .