صلاح بدرالدين
كنت قد نشرت قبل نحو أسبوعين مقالة وتحت نفس العنوان بهدف تنظيم وتفعيل الحوار على أسس واضحة شفافة حددت فيها عشرة مفاهيم خلافية مازالت قيد النقاش والاخذ والرد بين النخب الثقافية الكردية والعربية على صفحات التواصل الاجتماعي وفي الندوات الحية ومن بينها : المفاهيم الأحادية ، والذرائعية ، والحل ” المواطني ” للقضية القومية ، والشرطية ، وفوبيا الانفصال الكردي ، والشكلية للمساواة ، والاعتباطية في قراءة التاريخ ، والآيدولوجية للجيوسياسيا ، واللاموضوعية اللاعلمية لتفسير موضوعات الشعب والقوم والأمة ،والتعريفية الخاطئة للكرد عطفا على الأحزاب واليوم نعود الى موضوعات الهوية والانتماء والوطنية ، والخلط بين القومية من جهة والدين والمذهب من الجهة الأخرى والفصل التعسفي بين مبدأ حق تقرير المصير والفكر السياسي .
في الانتماء والهوية الوطنية
هناك من النخب العربية في القومية السائدة من يشترط على ( الكردي والتركماني والاقوام الأخرى ) وبشكل يكاد يكون مباشرا التخلي عن جذورهم وأصولهم القومية حتى يكسبوا صفة الوطني بمعنى آخر يسعى هؤلاء بوعي أو من دونه الإبقاء على نتائج تحكم نظام الاستبداد طيلة اكثر من نصف قرن وما أفرزه من سياسات ووقائع تجاه الآخر غير العربي وخاصة الكرد السورييون الذين تعرضوا لتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقهم والتهجير والتعريب والحرمان من حق المواطنة والحقوق المدنية نعم يسعى هؤلاء الى الحفاظ على كل مالحق بالكرد وغيرهم واعتبار ذلك أمرا واقعا غير قابل للتبديل والمعالجة وبنظر هؤلاء ان الكردي السوري الجيد يجب أن لايفصح عن كرديته وينفي أي تكامل وتشابك وتمازج بين الانتماء القومي والانتماء الوطني فقط بالنسبة لغير العرب وقد واجه شبابنا في بدايات الثورة خلال تظاهراتهم السلمية ورفع الشعارات باللغة الكردية أو رفع الاعلام التي ترمز للانتماء القومي مزيدا من الاحتجاج والرفض من الأحزاب التقليدية العربية خصوصا أحزاب الإسلام السياسي وحينها أتذكر انني كتبت مقالة أوضحت فيها أن الثورة وطنية تخص جميع أطياف الشعب السوري ومن حق الكردي المنتفض ضد النظام أن يعبر عن معارضته بلغته وبشعاراته وفي خضم تلك السجالات أجمعت تنسيقيات الشباب في كل المناطق على تسمية احدى أيام الجمع بجمعة – آزادي – أي الحرية وكان ذلك بمثابة صفعة للأحزاب التقليدية والتي مالبثت أن خانت الثورة والمعارضة بعد حين .
يغيب عن أذهان هؤلاء المراحل التاريخية التي ترافق عادة نمو الفكر القومي لدى شعوب العالم أجمع وكيف أن القومية العربية التي يحكم أتباعها سوريا منذ الاستقلال قد مرت خلال عقود بل قرون في التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي الى أن نال حق تقرير المصير وتصدر الدولة السورية باسم العرب والعروبة وذلك على قاعدة نفي وجود الاخر القومي غير العربي بل طمس وجوده في الدستور والقوانين وقمعه ان طالب بالحقوق وعندما عجزت الشوفينية الحاكمة من صهر الكرد في البوتقة القومية العربية بعد استخدام كافة الأساليب والسبل غير الشرعية والمنافية لمبادئ حقوق الانسان وشرعة الأمم المتحدة نجد بعض النخب وبعد اندلاع الثورة السورية والصحوة الثورية ضد الاستبداد يطالب الكرد بالرضوخ لشروط عجزت أنظمة الاستبداد المتعاقبة عن تطبيقها .
الكرد وجميع المكونات السورية التي تعرضت للاضطهاد القومي يجدون في مبادئ الثورة ملاذا لقضاياهم ولمساحات الحرية متنفسا لهم للاستمرار في بلورة هوياتهم القومية والانتقال الى مراحل متقدمة في نيل حقوقهم المشروعة جنبا الى جنب إعادة بناء سوريا الديموقراطية التعددية الجديدة والتطوران يكملان بعضهما البعض بل لايمكن بناء سوريا الجديدة من دون استعادة حقوق مكوناتها وفي الحالة هذه من واجب النخب العربية الديموقراطية كقومية سائدة المساهمة في العملية هذه وتصدر خطوط الدفاع بل تبني حقوق الاخر غير العربي ان كانت وطنية عن حق .
الخلط المتعمد بين القوم والدين والمذهب
بعض النخب من القومية السائدة وعن سابق إصرار ومن أجل التعمية على مشروعية الحقوق الكردية يعمد الخلط المصطنع بين القومي والديني والمذهبي في الجوانب السياسية والحقوقية ولايأتي على ذكر الكرد والقضية الكردية الا بالترافق مع ذكر الديباجة المعروفة حتى يرسم بذهن القارئ مدى صعوبة الحل متجاهلا الفرق الواسع بين الجانبين فالقوم قد يجمع المسلم والمسيحي والأزيدي والسني والعلوي والدرزي والشيعي والإسماعيلي والقضية القومية لها جوانبها السياسية والثقافية والحقوقية والابعاد القانونية الدولية وحلها يحتاج الى الاعتراف والإجراءات العملية والدستورية والعقود الاجتماعية في ظل النظام الديموقراطي أما مسائل الأديان والمذاهب فتتعلق بحرية المعتقدات وشؤون الميراث والزواج .
الجذور السياسية للقضية القومية
مبدأ حق تقرير مصير الشعوب كان ومازال في صدارة الفكر السياسي وهو في جوهره يحتل مركز الصراع السياسي بين الدول المستعمرة وشعوب التحرر الوطني وتبناه المجتمع الدولي في وثائق عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة كقضية سياسية اجتماعية اقتصادية حقوقية واذا كانت قضايا المكونات القومية وبالمقدمة منها القضية الكردية السورية تندرج في خانة مبدأ تقرير المصير وتتخذ الطابع السياسي مثل سائر القضايا المشابهة بالعالم مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصيتها المستندة الى الحل ضمن اطار سوريا الموحدة بإحدى الصيغ المناسبة للحالة السورية اذا كان الامر كذلك لماذا إصرار البعض على اعتبار القضية الكردية السورية خارج الطبيعة السياسية والنظر اليها كدين ومذهب وذلك للتهرب من معالجتها بالشكل الصحيح وحسب المبادئ والمواثيق والشرائع أليس ذلك منافيا للعلم والمنطق والواقع ؟ .
الفسيفساء السوري
مازلنا وبعد الزلزال السوري المدوي وفي الوسط ( المعارض ) من يريد أن يحرم السوري من نعمة – الفسيفساء الوطني – الجميل ويعتبره نقمة بل يتهكم به متجاهلا أن أكثر الدول تقدما في العالم هي من لديها التنوع القومي مثل سويسرا وبلجيكا وفي آسيا الهند ، من حظ سوريا أن تكون متعددة الشعوب والقوميات والاثنيات انها غنى وثروة وموضع اعتزاز لكل وطني سوري مخلص طبعا لاالوم الكثيرين الذين تربوا في حضن البعث ونظامه الشوفيني لعقود والذين مازالوا اسرى لثقافة وخطاب النظام الشمولي خصوصا عندما يتمسكون بمبدأ الاحادية القومية حتى الان ناهيك عن تمسكهم بمبدأ الاحادية الحزبية والطائفية والعائلية والفردية عندما كانوا بحضن النظام ايها السادة يبدو انكم لم تدركوا بعد أن الثورة وضعت حدا لخطاب نظام الاستبداد وثقافة البعث الشوفينية العنصرية .
لذلك أقول أن السوري الجيد الوطني الصادق هو من يعارض النظام لطبيعته الاستبدادية وركوبه موجة الأحادية القومية والمذهبية والعائلية والفردية ومن يسعى الى إيجاد البديل الديموقراطي وتصحيح الخطأ التاريخي حيال المكونات غير العربية وإعادة بناء سوريا الديموقراطية التعددية التشاركية الجديدة والاعتراف بكل الخطايا التي اقترفها النظام ورؤية الواقع السوري التعددي كمنا هو والاعتراف بحقوق الاخر المختلف حينذاك يمكن توافق كل السوريين الصادقين من كل الاطياف لاعادة بناء وطننا جميعا .