محمد مندلاوي
إن الأمة الكوردية كسائر أمم الأرض لها كل مقومات الدولة الحديثة التي تعتمد على وجود شعب وتاريخ وأرض. إلا أن استصراخها للحق، هو الذي جعل الذين كانت لهم اليد الطولى وكلمة الفصل بعد الحرب العالمية الأولى باستثنائها عند تأسيس الكيانات السياسية من هذا الحق الطبيعي والشرعي والقانوني، وذلك كما قلت قبل قليل، بسبب دفاعها المستميت عبر التاريخ القديم والحديث عن الشعوب التي تجاورها ، ولم تقف عند هذا الحد الملائكي، بل وصل بها مستوى انغماسها الكلي في العقيدة الإسلامية بحيث أنها في مراحل تاريخية متفاوتة حكمت بلدان عديدة في آن واحد في شرق الأوسط، لكنها لم تحاول أن تؤسس دولة قومية لنفسها على كامل تراب وطنه كوردستان، للأسف الشديد، تبين فيما بعد، أن الجميع استخدموهم باسم الإسلام كجنود أوفياء لهم.
وحين انتصرت الغرب (الكافر) في الحرب العالمية الأولى أسست لهؤلاء الذي استصرخهم الكورد دولاً حديثة، وبعد أن قويت شوكة هذه الكيانات التي استحدثها الغرب كبريطانيا وفرنسا الخ سرعان نسوا وقوف الكورد معهم في أحلك الظروف التي مروا بها و كشروا أنيابهم للكورد وبدؤوا بمساعدة الغرب باحتلال وطنهم كوردستان واضطهاد شعبه، ومن ثم بدؤوا بالسياسة الممنهجة لتعريب، وتفريس، وتتريك، مدنه وقراه واحدة تلو الأخرى.
وخلال هذه السنين العجاف، التي تمر بها الأمة الكوردية، لم نشاهد قط تياراً بين تلك الشعوب التي استصرخها الكورد أن تآزره في محنته التي طالت على أيدي أنظمتهم القروسطية إلا نفر قليل من هنا وهناك؟؟!!. وهذا النفر القليل حاله مثل حال ذاك الإيراني الذي قيل له بعد مصالحة إيران مع العراق عام 1988 لا يجوز أن تسب وتلعن صدام حسين علنا، قال لهم طيب وهتف عاليا : درود بە سەدام یەزید کافر= يعيش الرئيس صدام يزيد كافر. لقد تتطبع منظومته الفكرية على هذا النمط من الكلام. وهكذا بعض الأخوات والإخوة من غير الكورد من المتعاطفات والمتعاطفين مع الشعب الكوردي الجريح، تجدهم يستعملون كلمات ومصطلحات إن لم نقل ضد الكورد، لكنها لا تخدم الكورد ولا قضيتهم. إحدى الصحفيات اللبنانيات كتبت مقالاً تدافع فيه عن مظلومية الشعب الكوردي في كل من شرق وشمال كوردستان، لكنها عنونة مقالها كالتالي: الأكراد في تركيا وإيران؟!. أولاً: لا نشك أبداً بتعاطف هذه السيدة الصحفية على تعاطفها الكبير مع ما تعانيه شعبنا الكوردي المسالم على أيدي البلدان الشر التي تحتل وطنه كوردستان. لكن، الشيء الذي يجب أن تعرفها السيدة المحترمة أن مثل هذا العنوان الذي يلغي وطن الكورد يجرح مشاعرهم، لسبب معروف لدى الكثير، لأنهم ليسوا بإيرانيين ولا أتراكا، أنهم كورد وكوردستانيون لا غير. فمن تريد أو يريد أن تناصر أو يناصر الشعب الكوردي وعدالة قضيته ضد الأنظمة الهمجية التي تحتل وطنه كوردستان أن تذكر أو يذكر اسم الشعب الكوردي واسم وطنه كما يُذكر اسم أي شعب ووطن آخر على وجه المعمورة؟؟. ثم، أن وطن الشعب الكوردي ليس اسمه شرق وجنوب شرق تركيا؟؟ كما أسلفت، اسمه شمال كوردستان لا غير. وهكذا في شرق كوردستان، ليس اسمه غرب وشمال غرب إيران؟؟. وفي غرب كوردستان، لا يقبل الشعب الكوردي قط أن يسمى أي جزء من وطنه وفق الاتجاه الجغرافي للبلد المحتل له كشمال السوري أو شرق سوريا. ومثله شمال شرق العراق، أو شمال العراق، أو الشمال الحبيب، بل هو جنوب كوردستان لا غير، وشعب هذه الوطن المجزأ لا يقبل أن يسمى بكورد العراق، ولا كورد إيران، ولا كورد سوريا، ولا كورد تركيا، أن جميع هؤلاء الكورد هم كورد كوردستان لا غير. الشيء الآخر، لا يقبل أن يطلق عليه في أجزاء كوردستان التي ذكرناها أعلاه بالأقلية الكوردية؟؟ الكورد في عموم كوردستان شعب وأمة ليس بأقلية لا قيمية ولا عددية؟؟. وحركته التحررية ثورة ضد الاحتلال العربي، الفارسي، التركي البغيض، ليست تمرداً أو عصيانا كما يصفها البعض خطأ؟؟. وفيما يتعلق الأمر بالقوميات في داخل إيران، ليس أحد من قوميات إيران بما فيها الفرس تشكل نسبة 51%؟؟ الجميع دون الـ51%. الشيء الآخر الذي يزعج الكورد كثيراً، حين يصف البعض المدن الكوردية يزعمون: مدن ذات أغلبية كوردية. هذه سُبة للكورد، لا توجد مدن ذات أغلبية كوردية؟؟ أما مدن كوردية أو غير كوردية، لا يقبل الشعب الكوردي العريق أن يعد المستوطن الوبش في مدنه كابن لتك المدينة؟؟!!. مثلاً، في كركوك السليبة لا يعد المستوطن العربي من أهل كركوك، لأنه مستوطن ومغتصب ليست لديه ذرة شعور وكرامة، لقد جاءت به السلطة العروبية المحتلة لجنوب كوردستان من أجل تغيير ديموغرافيته الكوردية. للأسف، أن السلطة الشيعية العقدية الحاكمة في بغداد، التي جاءت بعد 2003 على ظهر دبابة أمريكية هي الأخرى تسير على نفس النهج العنصري كالذي سبقها في الحكم في تعاملها مع الكورد ولا زال نصف مساحة جنوب كوردستان يرزح تحت نير احتلال هؤلاء الأشياع…؟. أضف، أنها -الشيعة- تنكرت حتى لأمريكا التي جاءت برجالاتها من الشوارع والأزقة في بلاد المهجر وسلمتهم السلطة في بغداد على طبق من ذهب. وفي توصيف البعض خطأً للحزب العمال الكوردستاني كجماعة مسلحة، أنه ليس كما يوصف، بل هو حزب سياسي عريق يقود حركة تحررية كوردية في شمال كوردستان ضد الاحتلال التركي الطوراني البغيض.
خلاصة القول، نقول لكل من يناصر الشعب الكوردي الجريح في عموم كوردستان نأمل منه أن يناصره ويصفها كأية مناصرة نابعة من قلب سليم لأي شعب ووطن واقع تحت نير الاحتلال الأجنبي الغاشم، وإلا تعد مناصرتها أو مناصرته بهذه الصيغ المشوهة تلحق الأذى بالشعب الكوردي وبوطنه كوردستان؟؟.
“نسيان الحق خيانة، والاشتغال عنه دناءة”
27 07 2020