فرحان كلش
المثقف قد يخلق حالة مفقودة أو مطمورة بحكم عوامل معينة ويحولها إلى ظاهرة، فالسنوات العشر من الخوذقة السورية المتشعبة الاتجاهات أفرزت هذا الصنف من المثقفين، المثقف النهّاز للحظة، والمثقف النكّاش، الحامل على كتفه مهمة إشعال الأماكن التي لم تحترق بعد،من خلال حشر قلمه تحت الرماد وتحريكه عشوائياً بل والنفخ المتواصل فيه، غايته من فعله الموبوء هذا إعادة تموضع أناني لشخصه وسط المنتظر من تحولات.
وكي لا يبقى كلامنا ذات فضاء متعب للإمعان والتمحيص، يمكننا أن نستدل على هذا القلمدار في الواقع السوري بكثافة كالفطر الذي ينمو في الظلمة والرطوبة.
فمن يستهدف شعباً من الشعوب (السورية) من خلال قلمه، ويحاول تقزيم تاريخه وآنيه لن يكون إلا مرسخ لحالة الإنكار المديدة بحق هذا الشعب، والمصيبة إن فعلها سياسي لقيل أنه عصبوي أو مذهبي وسيمضي كغيره، فله حيز زماني سيُدفن فيه كنكرة، وإن كان عسكرياً لقيل أنه مجرد ديكتاتور سيأخذ أعمار نصف المواليد منذ نصف قرن وسيمضي إلى مذبلة الماضي، ولكن الخطورة أن يكون ذاك الناحت في جسد شعب منهك مثقفاً فهنا تكمن الخطورة اللا متداركة، أن يكتب مثقف بضرورة إصهار ثقافة شعب في ثقافة شعبه، واتهامه بكفرية البحث عن ذاته الثقافية والتاريخية والجغرافية….لعمري لما أمكن نعته إلا بالمثقف القاتل.
هذا المثقف دون شك يتماهى فكرياً مع دعاة الوهابية سواء أدرك ذلك أم لم يدركه حيث الأحادية مرتكزهم الفكري، عنده شعب واحد وثقافة واحدة ودولة خاصة بميوله المريضة، ويلتصق عضوياً بمثقفي السلاطين وإن كانت دعوته أكثر خطراً لكونه يشعل النيران بين شعوب هدتها الحروب والديكتاتوريات.
وعطفاً على ذلك لا يكتف المدمر العابر سلباً للقيم العامة، بل يحاول الإلتصاق بأحد الأجساد السياسية لتأمين الحماية لذاته، ليس من رصاصة عابرة كما يزعم، بل من العزلة التي قد تُفرض عليه وهو المثقف اللامنتمي سياسياً، فيتحرش دون سابق تنويه بحقائق الآخرين ويحاول النيل منها، بل يحاول إيهام نفسه بأنه الوحيد الذي يمتلك الحقيقة طالما نعتته العامة غير المهتمة بالتفاصيل المكونة للمثقف بالمثقف وبال….. وكفى، وهذا الهم المضلل لدى بعض المثقفين يدفعهم إلى التخندق في الضد من ربما حتى حقيقة دوران الأرض حول الشمس، يقصف خبط عشواء، تسيطر عليه فكرة مثل (خصوصية الكردي) في كل كتاباته، فحينما يكتب الشعر يُظهر تضليلاً خيانة الخيالة الكرد لقومه وإن كتب مقالاً يحشه بما يضاد الوجود التاريخي للكرد، وحينما يكتب في التاريخ يجهد كي يسحب جبل جودي إلى داخل
جغرافيته، وحتى حينما يكتب في الفلسفة يتصوف لهيغليته المثالية كي لا يعرج إلى الواقع وقوانينه المختلفة، هذا هو المثقف المميع لذاته قبل أن يؤثر في الحالة الوجودية والواقعية للآخرين.
هذا النموذج منتشر بكثرة هذه الأيام، ينمو على الشاشات ويمكنكم معرفته بسهوله، إن تثقف لماض يعنيه كشخص ماقبل تثقفه، وإن بنى منظومته الكتابية على فكرة أحادية المشهد السوري القومي والوطني والتاريخي……. ، وإن سقطت من مصطلحاته الجديدة قطرات السياسة المتداولة بمعايير الأنانية والقوموية والأحادية وإن غُلفت بعناوين كحقوق الإنسان والمواطنة ووووو الخ.
وهذا كله مؤداه تكريس حالات الصراع المختلفة والإبقاء على القديم بحجج مدمرة، وإبراز شخصه كراع لقطيعه الذي اختاره ليكون الناطق الوهمي باسمه.