حسين جلبي
تشبه ثورة حزب الاتحاد الديمقراطي الحالية على حزب العمال الكُردستاني، والمتمثلة بالأخبار المتداولة عن إبعاد الحزب الأول، لا بل طرده قيادات من الحزب الثاني مما تبقى له من مناطق نفوذ في سوريا، تشبه ثورة روجآفا التي أشعلها الحزبان معاً على نظام الأسد قبل سنوات، والتي كانت نتيجتها استلامهما وهما في الواقع حزبٌ واحدـ المناطق الكُردية السورية من النظام، وإدارتها لمصلحته بأفضل مما خطط له وتمنى، بحيث يمكن اختصار تلك الثورة العجيبة بجملة واحدة، ألا وهي: “اختفِ من الواجهة أيها النظام، وسأفعل بدلاً منك كل ما تريده”، وهي المقولة التي تسري على العلاقة بين حزب العمال الكُردستاني وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، والنتائج التي قد تتحقق، في حال وصل ما يشاع عن محاولة للفصل بينهما إلى نهاياته.
فقد بدأت أخبارٌ تتوارد عن خطوة رمزية، تمثلت بإبعاد القيادي في حزب العمال الكُردستاني صبري أوك من المنطقة، وهو المندوب المفوض من قيادة الحزب في جبال قنديل، بالإشراف على مصالحه وإدارتها بشكل مباشر من مدينة القامشلي، التي اتخذ من شقة فيها مقراً لنشاطه، واقعة على حافة المربع الأمني إن لم تكن داخله، وذلك منذ إعلان الحزب عن “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في المنطقة قبل سنوات، وتأتي هذه الأخبار في ظل تصاعد الحديث مؤخراً، عن العمل على تنفيذ عملية جراحية لتحويل حزب العمال الكُردستاني مع استطالته السورية إلى حزبين، فعلاً لا اسماً كما هو عليه الحال الآن، بحيث يتم إبعاد كوادر الحزب غير السوريين عن المنطقة وتركها للسوريين منهم، الذين أسس لهم الحزب الأم فرعاً في سوريا قبل عقدين من الزمن، بعد إبعاد زعيمه من البلاد والتضييق على نشاطاته، كل ذلك في ظل جولات مفاوضات يخوضها الحزب مع المجلس الوطني الكُردي برعاية أميركية، تهدف كما هو معلن إلى وحدة الصف الكُردي السوري.
ولكي تكتمل ثورة الفرع السوري للعمال الكُردستاني على المنظمة الأم وتنجح، فلا بد من رمزٍ لها، ولا يخفى على المتابعين العمل الذي يجري على تهيئة قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، الكادر في حزب العمال الكُردستاني والمنتدب منه أصلاً في المنطقة، لجعله زعيماً على الكُرد السوريين، خاصةً من خلال ترك هامش له، لتناول ملفات حساسة ذات طبيعة عاطفية مسكوت عنها إعلامياً، مثلما يجري مؤخراً بشأن مجزرة عامودا، والتي لا تكلف معالجتها الحزب شيئاً، بل تغسل يديه من كثير من الانتهاكات التي اقترفها بحق المنطقة وأهلها، هذا مع تغييب التحقيق والمحاسبة على خلفية الخسائر الكبرى التي حصلت ولا زالت تحصل، خلال قيادته لأكبر قوة عسكرية ذات طبيعة كُردية، مع ما نجم عنها من كوارث يصعب جبرها.
والواقع هو أن الأدوات والوسائل الكُردية السورية التي استخدمت في خلق رمزية أوجلان وتلميعه، هي نفسها التي تستخدم اليوم في رفع شأن تلميذه عبدي وتسويقه خلفاً له، ويجري ذلك رغم يقين الجميع باستحالة الفصل بين الحزبين، بحيث لن يكف حزب الاتحاد الديمقراطي، وكذلك الآخرين عن اعتباره جزءاً من حزب العمال الكُردستاني، وعن اعتبار مظلوم عبدي كادراً ملتزماً في الحزب وطوع بنانه، وعدم ضمان أحد عدم عودة الفرع إلى الأصل في أية لحظة، وإلى ذلك الحين، بقاء وضع حزب الاتحاد الديمقراطي بالنسبة لحزب العمال الكُردستاني شبيهاً بوضع الحزبين معاً تجاه نظام الأسد، في التجربة التي لا تزال ماثلة للعيان، حيث لم تمنع ثورتهما العتيدة على النظام من حماية ثروات المنطقة الاستراتيجية له، مثلما لا تمنع إجراءات حزب الاتحاد الديمقراطي الحالية بحق حزب العمال الكُردستاني، نشاطات شبيبته الثورية “جوانن شورشكر”، وهي المنظمة التي تنفذ أقذر العمليات العسكرية والأمنية بحق الكُرد، والمشكلة من أعضاء من الحزب الأول وتتلقى أوامرها من قيادة الحزب الثاني في جبال قنديل، وتقوم حالياً بخطف الأطفال لمصلحته بشكل عشوائي لم يسبق له مثيل، وكأن لسان حزب الاتحاد الديمقراطي يقول: “اختفِ من الواجهة أيها العمال الكُردستاني، وسأفعل لك كل ما تريده، ولن أُبقي طفلاً كُردياً إلا وأُجنده لك”.
* عن موقع تلفزيون سوريا