ماذا بعد سوريا الأسد؟

جان كورد
في العمل السياسي، يصعب أحياناً على المرء الإجابة عن أسئلة بسيطة ربما تخطر على البال في لحظةٍ من لحظات التشرّد الذهني أو التأمل، ولربما في الحلم، حيث يفيق الإنسان وفي رأسه سؤالٌ لا يعلم كيف تم طرحه عليه، أهو من كثرة همومه في النهار أم من جراء تصادم الأفكار والتصورات التي تخلق له متاعب جمة أثناء النوم. ومن تلك الأسئلة: “بالنسبة للكورد في سوريا، ماذا بعد سوريا الأسد؟” فهل من مجيب؟ أو لنطرح السؤال ذاته على الحركة الوطنية الكوردية، فهل سنتلقى منها جواباً واحداً أم لأنها شجرةٌ فارهة الظلال وعظيمة الأغصان بآيديولوجياتٍ عديدةٍ متناقضة فتأتينا منها أجوبة مختلفة الألوان والأشكال والمعاني؟ 
بالتأكيد، هذا سؤالٌ بسيط ولكنه مهم للغاية، إذ يتطلّب أن تحضّر حركتنا نفسها لتلك المرحلة القادمة، وخاصةً فإنّ آثار “قانون قيصر” بدأت في الظهور على الفور وستضيّق الخناق على النظام الحاكم شاء الاعتراف بذلك أم لم يشأ، وكل الأنظمة التي تعرّضت للأخطار الاقتصادية- المالية، والضغوط الدولية أو نتيجة الحروب زالت سياسياً ومنها ما تدمّرت تماماً نتيجة ضعفها وانجرارها إلى معارك خسرت فيها الكثير بحيث لم تعد قادرة على الثبات في وجه التحديات والإرهاق والقلاقل والاضطرابات.  وإذا ما أردت تدمير نظام فابدأ بالقضاء على اقتصاده، وهذا ما تفعله الدول القوية بالدول الضعيفة منذ نشوء الممالك في التاريخ البشري. 
ما برنامج العمل والخطة المتكاملة للأحزاب الكوردية في حال اندحار النظام أو سقوطه المباغت؟ فها هو الانهيار المالي في الدولة الجارة لبنان يكاد يعصف بكيانها ويحولها إلى ساحةٍ للتمزّق والاقتتال الداخلي، ومن قبل رأينا ماذا جرى في الصومال، وما آل إليه العراق بعد زوال نظام صدام حسين، أو ما يجري اليوم في ليبيا، رغم أن اقتصاد العراق وليبيا كان أفضل وأقوى من اقتصاد سوريا بسبب امتلاكهما للبترول والغاز  من زمنٍ بعيد… ونحن نعلم أن أسوأ السياسة هو القول بأننا “سنرى ماذا سنفعل عندما يحين الأوان!” أي أن ننظر إلى المستقبل القريب والبعيد دون خطةٍ أو برنامج للعمل… وأنا لا أعني حزباً معيناً بحد ذاته بقدر ما أتساءل: هل تستطيع قيادة حزبٍ كوردي ما الإجابة عن هذا السؤال البسيط فعلاً: ماذا بعد نظام الأسد في سوريا؟
أودّ أن أذكر هنا حادثةً للعبرة:
كان تاجر سيارات بجنسية ليبية يزور مدينتي قبل سنواتٍ عديدة فيسألني أن أترجم له فنشأت بيننا صداقة متينة وثقة كبيرة، وفي كل صباح كان يسألني:  “-هل وضعت خطة ليومنا هذا؟” فكنت أجيبه: “نعم، سنذهب إلى هنا وهناك، ثم نتصل بهذا وذاك ونعود بعد الظهر لنلتقي بهذا المحل وبجاره…” وكنا ننطلق لننفّذ خطتنا اليومية بدقة تامة.  وفي أحد الأيام كان عندي ضيوف في المساء فأهملت وضع خطةٍ لليوم التالي. وفي الصباح سألني صديقى لدى رؤيته لي وأنا أدخل إلى الفندق الذي يقطنه: “شو البرنامج اليوم؟” فقلت له: “أنا لم أحضّر شيئاً اليوم.” فابتسم وقال: “أهكذا تريدون تأسيس دولة كوردية يا أستاذ؟ حسناً، اليوم سنذهب ل”فانتازيا لاند” ونتسلّى ببعض الألعاب طالما ليس لدينا خطة.”  هذا الدرس لن أنساه مدى الحياة، فكيف لن ينجح أمثال هذا الصديق في حياتهم وهو لا يخرج من فندقه للعمل دون برنامج؟ وكيف ستنجح أحزاب ديدنها القول: “سنفعل ما يلزم حين يحين الأوان!” 
برأيي، أن تتشكّل مجموعة أو لجنة من الخبراء في السياسة والاقتصاد والمال، من بين مختلف الأحزاب، فتعقد اجتماعات متتالية لتقدّم في نهاية الأمر تقريراً في منتهى الجدية والموضوعية تحث فيه الأحزاب الكوردية الوطنية على اتخاذ موقف ما وتبني خطةٍ مدروسة لتحديد مسارٍ قومي – وطني واضح لمرحلة ما بعد نظام الأسد الذي لابد وأن يتهاوى في حال تعزيز الولايات المتحدة الأمريكية قبضتها على سوريا بهدف إرغام نظامها السياسي على الخضوع لإرادة المجتمع الدولي. وأعتقد أن الروس أو الصينيين أو حتى تركيا وإيران لن تضحي بمصالحها الاقتصادية والمالية من أجل الإبقاء على نظامٍ آيلٍ للسقوط، وها هو ذا نصر الله اللبناني الذي كان مستعداً للقتال من أجل دمشق يقول بأنه لا يريد إهمال العلاقة مع دول الغرب أو رفض التعاون معها، أفليس هذا بدليلٍ واضح على أن كل نظامٍ وكل قوةٍ وكل حزبٍ يسعى للحفاظ على مصالحه؟  فإذا استمر قانون قيصر في التنفيذ فماذا ستكون النتيجة؟ وماذا ستكون سياستنا الكوردية السورية بعد ذلك؟  
   08.07.2020  
facebook: alakurdi2019       kurdaxi@live.com    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…