غرب كوردستان.. والبحث عن شريك مثالي

ريزان شيخموس
الشعب الكردي في سوريا شعب عريق، ويعيش على أرضه التاريخية، وهو مكوّن رئيسي من مكونات الشعب السوري، وساهم في بناء الدولة السورية الحديثة، وله بصمات مهمة في هذه الدولة ومؤسساتها وفي أعلى المستويات قبل الانقلاب البعثي واعتلائه السلطة في بداية الستينيات من القرن الماضي، حيث أُقصيَ بعدها من كافة المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية، ومورس بحقه كافة أشكال الاضطهاد القومي والسياسي، وحتى الإنساني ومن الشراكة في بناء الدولة والعيش المشترك مع المكونات السورية الأخرى، وطبّق عليه العديد من المشاريع العنصرية كالحزام العربي والإحصاء المقيتين، وهذا ما دفعه ومن خلال تنظيماته السياسية ليكون معارضاً لكل الأنظمة والحكومات المتعاقبة على سوريا لنيل حقوقه القومية والوطنية والديمقراطية، هذا الشعب الذي عانى الكثير من الظلم والقهر والاضطهاد عبر العشرات من السنوات الماضية.
إن الشعب الكردي انتفض ضد هذا النظام في ٢٠٠٤ وشارك بقوة في الثورة السورية آملاً بالعودة إلى اللوحة السورية الجديدة كشريك حقيقي لكل المكونات السورية في بناء الدولة السورية الجديدة تكون دولة الجميع في الحق والواجب ودولة ديمقراطية تعددية تشاركية اتحادية يعيش الجميع فيها على قدم المساواة الحقيقية.
النظام البعثي منذ سيطرة الاسد عليه استطاع أن يمارس بمهارة عالية سياسة «فرق تسد» ليس فقط ضد الشعب الكردي بل ضد كافة المكونات السورية، وتمكن من دق الإسفين بينها ليتحكم بكافة مقدّرات هذا البلد بالحديد والنار وبعقلية أمنية محكمة، ومازالت النتائج سارية حتى هذه اللحظة وبنجاح كبير، بل كان للنظام قدرة هائلة في بداية الثورة أن يتحول فقط في الظاهر الاعلامي وأمام الكاميرات إلى حامي الأقليات والمدافع عنها، ونجح إلى حد ما في زعزعة الثورة السورية وحرفها عن مسارها الداعي إلى بناء سورية لكل السوريين وتحييد العديد من هذه المكونات عن هذه الثورة واستمرار المشاركة فيها، في الوقت الذي فشلت المعارضة في استقطاب المكونات السورية واتخاذ برنامج سياسي شامل يمثلها ويحقق طموحاتها فيه. بل ساهمت بعض أطر هذه المعارضة وخاصة المشاركين في عسكرة الثورة وسيطرتها على العديد من المناطق بتشويه الثورة السورية والإساءة الكبيرة لها وحرفها عن مسارها الحقيقي، هذه الثورة التي قدمت خيرة أبنائها قرباناً على مذبحة الحرية، ولكن للأسف الشديد لازال العديد من قيادات المعارضة وخاصة الذين استثمروها لأجندات الدول ومصالحها تحاول أن تسيء لهذه الثورة، وتسعى جاهداً إلى تشتيت الشعب السوري ومكوناته وتحرضها على الانكماش والانكفاء بدلاً من العمل الجدي على اجراء تقييم شامل لسياسة المعارضة وبرامجها والعمل على استقطاب كل المكونات وبناء جسور الثقة بينها وتدعيمها بالمزيد من التماسك والإصرار على وحدة هذه المكونات في إطار سورية الجديدة لتكون فوق الجميع.
إن نماذج المعارضة العسكرية في عفرين وسري كانييه وغيرها هي نماذج بعيدة كل البعد عن الأهداف الحقيقية للثورة السورية العظيمة والتي ساهمت بسياساتها العنصرية في التغيير الديموغرافي وممارساتها وأعمالها الوحشية بحق الشعب الكردي إلى المزيد من التآكل والتشتت والتمزق وفقدان الثقة والتخندق، ولم تكتف هذه النماذج من المعارضة بهذه السياسات بل تسعى ومنذ أكثر من شهر إلى إصدار العديد من البيانات والموقعة من المئات من الشخصيات المعارضة المعروفة لمجرد التسريبات الواصلة كما هو وارد في بياناتهم حول التقارب بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي رغم انه مازالت هذه العملية في بداياتها، ولم تنجز منه سوى الرؤية السياسية كما ورد في بيان المؤتمر الصحفي المشترك. في الوقت الذي كان يتطلب من هذه الشخصيات المعارضة الموقعة على هذه البيانات التواصل مع المجلس الوطني الكردي والذي هو جزء أساسي من ائتلاف قوى المعارضة والثورة السورية وهيئة التفاوض والبحث معه عن تفاصيل هذا التقارب والاستفسار عن جدوى هذه الحوارات وتشجيعها وخاصة ان راعي هذا التقارب والمشرف عليه هو الأمريكان مع العديد من الدول الأوربية الداعمة للمعارضة نفسها، ناهيك عن الرؤية السياسية المنجزة بين الطرفين تجسّد روح الثورة السورية الداعية إلى وحدة المعارضة السورية الديمقراطية، وأن تكون سوريا المستقبل دولة اتحادية ديمقراطية تعددية وحل الأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، الاعتراف الدستوري بالقضية الكُردية كقضية وطنية وعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم، والعمل مع كافة مكونات المنطقة في العمل المشترك، وتبين موقفها الواضح من النظام واستبداده وقمعه ومستقبل سوريا والدول الجارة لسوريا وخاصة تركيا الدولة الداعمة للمعارضة.
إن هذا التقارب الكردي والتفاهمات الجارية لا يشكّل أبداً أي خطر على أحد بل سيكون ان تم هو مركز انطلاق حقيقي لسوريا الجديدة وبداية حقيقية لوحدة المعارضة وفعاليتها في المستقبل.
إن المعارضة العربية في سوريا مدعوة بشكل جدّي إلى تقييم شامل لمجمل سياسياتها وآلياتها التنظيمية ومؤسساتها، وخاصة في مجال استقطاب كافة المكونات وخاصة المكون الكردي الذي عانى الويلات في العهود السابقة واحترام ارادته وحقوقه والعمل معه في إطار الشراكة الحقيقية في النضال من أجل مستقبل سوريا، ولابد الأخذ بالاعتبار ان هذه الشعب يسعى إلى الحرية والتعايش السلمي مع الجميع على قاعدة الشراكة الحقيقية في البناء والتحرر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…