نوري بريمو
تبرز في الأفق السوري في هذه الأيام ثمة مؤشرات مبنية على معطيات حول مستجدات تجري في الميدان وتوحي إلى إمكانية أنْ نشهد مرحلة “بداية – نهاية” الأزمة السورية الناشبة بعنف على خلفية داخلية طائفية وأطماع إقليمية ومصالح دولية، حيث بات المتدخلون بالشأن السوري يكثِّفون بعجالة لقاءاتهم ومؤتمراتهم وقِمّمِهم بحثاً عن حلول تناسبهم ودون أخذ مصالح أهل البلد بعين الإعتبار، لأنّ مفاتيح أبواب الملف السوري قد باتت بأيدي الآخرين وليست بأيدي السورين سواءً أكانوا موالون للنظام أو المعارضون له.
فوقف إطلاق النار الذي تم فرضه في إدلب بالتوافق بين روسيا وتركيا، يعني مثلاً المضي في ترسيخ تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ مختلفة، ويعني بأنهم بصدد ترسيم الحدود بين الروس والأتراك لحماية وجود وسلامة العلويين الذين يحتَمونَ بالروس ويوافقون أن تصبح مناطقهم الساحلية تحت الإنتداب الروسي.
أما التحشدات العسكرية الروسية “الفيلق الخامس وبعض فصائل المعارضة” والحشودات الإيرانية “الفرقة الرابعة وبعض جماعاتها الطائفية” في أرياف حلب والساحل ودرعا والطريقين الدوليين ” M4 , M5″ وحصول نشوبات بين مسلحي هذين الطرفين في هذه المناطق بين الحين والآخر، فيعني الدخول في لعبة شد الحبل بين الروس والإيرانين في الميدان وبداية محاصرة روسيا للنظام وتضييق الخناق عليه ليُجبَر على فك إرتباطه مع حليفته إيران وليرتمي في الحض الروسي ولإلزامه على القبول بالعملية السياسية أو ليترك دمشق ويتمترس في الساحل العلوي، ولتنهار بعده مؤسسة الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة السورية.
وبالنسبة للقصف الإسرائيلي المتواصل بين الحين والآخر لمواقع إيرانية وللترسانة العسكرية السورية فهدفه الضغط على إيران لتترك سوريا ولبنان وشأنهما لروسيا وأمريكا وللجارتين تركيا وإسرائيل، وهو بحد ذاته مؤشر يوحي بأنه قد ينفذ صبر إسرائيل وقد تدخل على الخط بشكل مباشر وقد تعتمد سيناروهات عديدة لبسط نفوذها على الجنوب السوري وصولاً لضفاف نهر الفرات وذلك كأحد الخيارات الواردة في الحسبان.
وبخصوص التحصينات الإيرانية المسلحة في البادية السورية فالغاية منها هي محاولة “مقاومة” الوجود الأمريكي في (ديرالزور والرقة والحسكة والشريط الحدودي السوري العراقي)، وهي بغرض ضمان بقاء طريق طهران بيروت مفتوحاً أمامها، ولذلك نجد كيف أنّ الأمريكان والإيرانيين يتصارعون على إحتفاظ كل منها لنفسه بمسلحي حزب (pyd) وبمسلحي العشائر العربية لإستخدامهم في حروبهما التي يبدو أنها دخلت في طور كسر العظام ولن تنتهي في الأمد القريب.
وبالنسبة لـ “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” الذي يتم تطبيقه شيئاً فشيئاً، والذي حظي بموافقة الكونغرس والرئيس الأمريكي، فالإعتقاد السائد هو أنها ضغوطات بل عقوبات جديّة وستُربك النظام وستتسبّب في إنهيار الإقتصاد ومؤساسات الدولة وستستهدف روسيا وإيران، بغرض إخراج الأخيرة من سوريا لتحقيق المصالح الأمريكية ولضمان أمن ووجود وحدود ومصالح إسرائيل، ولعلّ الشاهد الأكثر دلالة على مدى التخلخلات والإنهيارات الحاصلة في سوريا ولبنان هي إنهيار عملتيها الوطنية أمام العملات الدولية كالدولار واليورو، ومظاهرات الجياع التي يشهدها لبنان والسويداء ودرعا والحبل على الجرار.
مما سبق نستنتج أو بالأحرى نعتقد بأنّ الأميركان والروس والإسرائيليين قد توافقوا فيما بينهم وراء الكواليس وباتوا يتحركون بجديّة وتوافقية وبمعية الأتراك لإيجاد حلول قد تكون عسكرية ولكنْ تحت غطاء قرارات مؤتمرات جنيف وبحجة فشل وعقم الجهود السياسية المبذولة حتى الآن وتحت شعار موجبات “التدخل العاجل لإنهاء معاناة السوريين ولمحاسبة مرتكبي الجرائم”، وذلك بهدف إخراج إيران وحشودها من سوريا ولبنان، وللإستفراد بالساحة ولتقسيم وتحاصص الكعكة فيما بينهم، وقد يتم تطبيق التجربة اليوغسلافية في سوريا التي باتت قاب قوسين أو أدنى من التململ الأهلي داخل حاضنة النظام والإنهيار الإقتصادي والتفكك السلطوي والفراغ الرئاسي والبرلماني والتقاسم الجغرافي على مركوب متطلبات المصالح الدولية والإقليمية.
(1-7-2020)