مصطلح «صديق الشعب» المرتبة والاسترتاب

إبراهيم اليوسف
يدرج مصطلح “صديق الشعب” الفلاني-  أو سواه من الشعوب، ومن بينها الكرد، كثيراً، على ألسنتنا، ولطالما تساهل بعضنا- ولعلي منهم- في إطلاقها على آخرين، تحت وطأة العاطفة، ولقد بينت سنوات الحرب العشرعلى السوريين أن هذا المصطلح  ممكن التزوير، والتلفيق، وأنه- بعيداً- عما يحدث- دولياً- و أكذوبة قرار ما يقارب حوالي مئتي دولة مزعومة الصداقة مع السوريين- أنه لابد من إعادة النظر في مقومات إطلاق اللقب على جهة ما، أو شخص ما، وهو ما أتوقف عنده، هنا، لأنه بات يستسهل، و ينتهك، ويتهتك، من قبل كثيرين منا، إذ لا بد  من توافر جملة شروط فيمن ننعته بها، حتى يكون جديراً بحمل هذا اللقب، وهو ما يحتاج إلى التأني والروية ومعرفة طبيعة الشخص الذي يتم اختياره لحمل مسؤولية هذا اللقب العظيم!
أتذكر، أن هناك من كتب خلال حوالي سبعين سنة من حياته حوالي سبعين كلمة فحسب عن الكرد، وفي إطار عام، وبعيداً عن الكرد الذين يعيشون معه، في بلده إذ إنه مع حقوق الكرد لدى الجيران، وليس ضمن البيت الداخلي، وراح يتشدق شفهياً في مجالس ضيقة جداً بأنه مع: الإبداع الكردي- الثقافة الكردية- اللغة الكردية. مع رفع بعض شروط الاضطهاد عن الكرد، إلا إنه لايمكن أن يتقبل فكرة أن تكون للكردي أية خصوصية  خارج التبعية ضمن فضاء المكان الذي ينتمي إليه، بل إنه لا يتقبل فكرة  إقامة دولة كردستان، وثمة من راح يستثمر ظهور ” ب. ي. د*” و يدين ظهورالكردي بدعوى الاستعداء على هذه المنظومة، ليتم التأكد فيما بعد أنه ضد أي حضور كردي، أياً كان هذا الحضور، ما لم يكن تحت خيمة، واسم، الفضاء العام، وبلا ملامح، لدواع عنصرية صرفة، وبالرغم من تبجح هذا الأنموذج باتخاذ موقف نهائي من- الاستبداد- النظام، إلا إنه  يلتقي مع هذا المستبد في موقفه من الكردي، بل ثمة من يستطيع تجاوز ما ارتكبه النظام بحقه، لقاء ممارسة ساديته، وعنفه، ضده،  كما أنه ثمة من كان يخيل إلينا أنه صديق للكرد إلا إنه كان مع حق الكردي في- الهواء- في هذه الجغرافيا أو تلك، كعابر، أو كضيف، أو حتى كشريك اسمي، من دون تقبل فكرة الشراكة الحقيقية!
ولعل ظروفنا ككرد سوريين كانت تدعونا للنظر إلى بعض من يقول: من حق الكردي أن يتكلم بلغته في بيته، أو أن يتعلم أبناؤه لغتهم، من ضمن جملة شروط تتعلق باستحقاقات- المواطنة- ضمن إطار ثقافة- حقوق الإنسان- والتعامل الجزئي مع هذه الثقافة، عندما يتم الحديث عن مداها الأوسع: حق تقرير المصير، أو حتى مجرد حكم ذاتي، أو فيدرالية، بل ثمة من يطرح مفاهيم كهذه بعد  تعطيبها، وتعطيلها، وتكميمها، وتفريغها من أبعادها الحقيقية لنكون أمام فيدرالية منخعة، نظرية، غير قابلة للتطبيق، أو لاتعدو واقع” الإدارة المحلية” ذات الاختراع البعثي!
مراكب من قّش:
إن الاستبداد الذي مورس على الكرد في سوريا، عبرعقود من هيمنة العقل العنصري، بعد أن تمت محاولات صهره في البوتقة الكبرى، عبر وسائل كثيرة محاربة: الثقافة- اللغة- الحياة السياسية، وسدّ آفاق العمل وغيرذلك من سياسات مرحلة ما بعد اغتصاب السلطة، ونسف عقد الشراكة وتحويل تسمية الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية، بعيداً عن روح عقد التأسيس الأول، والشروع بتعريب الكائن والمكان، إلى الدرجة التي صرح فيها “بعض” من نعدهم نخبويين من كتاب وإعلاميين، من حوالي أربعين شخصاً، في لقاء. شبه ندوة تمت في قلب دمشق في العام2004، وبحضور عدد من الكتاب الكرد أنهم لم يعلموا بوجود الكرد في سوريا. هذا التعتيم من قبل النظام على وجود الكردي، كان له تأثير جدّ كبير على عوام الناس الذين سدت أمامهم آفاق الخلاص، وإن ظلوا مع حلم حريتهم، وحماية ثقافتهم، ووجودهم، وهو ما شوش الرؤى، وبات مجرد لفظ أحدهم: سياسياً أو مثقفاً،  اسم الكرد يدعو للاحتفال، واعتبار هذا الشخص مع حقوق الكرد، من دون أية دراسة، وفي هذا ما يدل على مدى الظلم التاريخي الذي تم بحق أبناء القومية الثانية في البلاد الذين ضاقت بهم السبل، وجعلهم يتمسكون في مواجهة أمواج بحر الضياع بمجرد- قشة- فحسب، على أمل الحلم بالخلاص، وليس الخلاص ولو الجزئي، في الوقت الذي كان كل شيء في سوريا، من إعلامها إلى تعليمها، إلى معالمها، ومن معلمها الأول إلى متعلمها الأخير يكرسون- عروبوية- المكان، ما جعل المعارضة التي أنتجها النظام، غيرقادرة على التخلص والفكاك من ثقافته إزاء وجود الكردي على مسرح جغرافياه وتاريخه!
الامتحان والسقوط
من محاسن ثورة السوريين أنها كشفت عن مكنونات جميعنا، إزاء بعضنا بعضاً، وجعلتنا عراة أمام مرايا كاشفة، فما أكثرهؤلاء الذين لطالما طرحوا شعارات متطورة، موائمة، مع نظريات الانفتاح على الآخر، بشأن قضايا ما- ومن بينها الموقف من القضية الكردية- من قبل عوامهم: اليساريين أو اليمينيين، و من بينهما، إلا أنهم، وبأسف، نكثوا بها، وانقلبوا عليها، إذ إنه لا يمكن النظر إلى موقف ما إلا وهو متكامل، بعيداً عن  التأثيرات المرحلية، لأن الموقف من قضية شعب ما لايمكن أن يتبدل بتغيير المكان أو الزمن، لأنها تدخل في إطار الستراتيجيات لا التكتيكات، لأن المعاييرإذا استندت على هذه الأخيرة  فإنها تتحول، بينما إذا كانت مستندة على الأولى، فإنها تظل راسخة!
ولا أعني- هنا- ممارسة النقد بحق تحولات السياسات لدى القوى التي تقود المجتمع، فهي ممكنة النقد، إلا أن هناك مايبقى غيرقابل لتحول الرؤية حوله، لاسيما في ما يتعلق بحقوق الأمم في تقرير مصيرها، والانتصار للاستبداد، ولو ضمن شرط واحد تحت بند الأمن القومي الذي يتم التستر وراءه، وهو ما تجاوزه – كمثال مضيء- المفكرالتركي  إسماعيل بيشكجي في موقفه من الكرد، ودفع سنوات طويلة من حياته في سبيل القومية المضطهّدة من قبل سلطة حكام قوميته المضطهِدة!
كرد وفلسطينيون:
إن التسويغ لأي تحول سلبي في الموقف من قضية شعب ما، تحت حجة موقف عابر، يصدر عن سياسي أو ثقافي، من أبناء هذا الشعب، إنما هو في منتهى الهشاشة، ولا ينمُّ عن أية  رؤى  مضيئة،مكتملة، أو مرجعية مبدئية، لأن موقفي الاستراتيجي – مثلاً- من الشعب الفلسطيني لا يتأسس، ولا يتأثر بموقف  انفعالي. سلبي، صادر عن أي مثقف أو سياسي فلسطيني، وهو ما يجب أن يؤكده الفلسطيني- هوالآخر- تجاه قضايا سواه، بعيداً عن التأثربأي موقف، تحت سطوة الإعلام، أو التمويل!
مراكز موبوءة:
إذا كان من شأن بعض مراكز الدراسات التي انتشرت كالطفح، بعد أن تم تمويلها من قبل جهات محددة، معادية للكرد، أن تؤسس لكادر معاد لوجود الكرد، وتحت صيغ متعددة، ذات نتائج واحدة، ودوافع واحدة، مهما تلونت أطليتها،  فإن هناك ثمة من يبحث عن فرصة عمل، ولو ارتزاقاً، ويستطيع أداء أي دور – بحسب الطلب-  ولهذا فإننا واجدون انحراف بوصلات كثيرين عن المسارات الصحيحة، بل ثمة من ينقلبون على أنفسهم، على ماضيهم، على تاريخهم، لينخرطوا في موجة الخطاب المطلوب، ولو على حساب قيم بعضهم من ذوي أصحاب أنصاف المواقف، وقلقي الرؤى، وعابري النضال، وطلاب الشهرة الموسميين، أو الحرباوات المتلونين!
الجمهورالوهمي
أمام ثنائيتي الشر والخير، وتوزع  بعضنا، بحسب عامل المنفعة، وتكريس فضاء ومستقبل الذات ولوعلى حساب وجود الآخر، فإننا لنجد ثمة من يهرول وراء تصفيق جمهور وهمي، منقلب حتى على نفسه، وهو ما يغري النخبوي العرضي، بل من لا تتوافر في شخصه مؤهلات النخبوية التي تتكىء على دعامات راسخة، إذ إن أهواء بعض الجمهور تؤثر في موقف هذا النخبوي  الذي قد يحصد بعض التصفيق الآني، إلا أنه يخسر ذاته في هذه اللجة. كما أنه من الممكن ألا يكون هناك جمهور يعتد به لتغيير رؤى هذا النخبوي وإنما يصنع له مخياله الجامح، المنفلت، جمهوراً واقعياً ضئيلاً، أو وهمياً يصفق له، بعد أن يستنهض فيه ذلك الطاغية الصغير، حتى وإن حاول في لحظة زمنية أن يواجهه، إما تقليداً لهذا الجمهور، أو بهدف احتلال مكانته، نتيجة تطاوسه، وغروره، ونزقه، وبؤسه الأخلاقي، وعنفه الطغياني لفظاً وحتى إمكان ترجمة في ضوء ممكن طاقاته العدوانية. العدوانية المنقلب إليها، عند مس إمبراطورية الذات والرؤى، إلا أن اتخاذ الموقف الصائب، والوقوف إلى جانب المظلوم من أول خصائص وخصال الشخصية الفاعلة الجديرة. الشخصية التي من شأنها أن تقدم باستمرار لمن حولها، من دون انتظار أي مردود عرضي، ومن دون التأثر بأية ردود أفعال عرضية، لأن- الأصل هنا- هوالموقف الصائب قبل أثره، مهما كانت ضريبة ذلك باهظة، ومن هنا نجد أن كبارعمالقة الموقف في التاريخ من: مفكرين- فلاسفة- كتاب. ساسة، أو رجال عوام حقيقيين،  قد دفعوا حيواتهم مقابل قراراتهم ومواقفهم التي لم يساوموا عليها! 
جمر الموقف
أمام التبدلات العاصفة التي تتم: عمودياً وأفقياً، فإننا لنشهد انزياحات هائلة على صعيد الموقف، من دون  أي احترام  للمواقف المتخذة من قبل بعض الذين يبدلون أقنعتهم، بل جلودهم، كما الحرباوات، وهوتبدل النخب- هنا- على أسس منفعية، إذ ذريعة السياسي تكمن في أنه يمارس فن الكذب، من دون ضوابط أو معايير،  كما أن ذريعة  المثقف أن دورة الحياة لاتتوقف، وثمة تحولات تتم وهي من صلب سيرورة الحياة، وصيرورتها، وهي مقولة صحيحة، إلا أن هناك ما لا يخضع لهذا القانون، فقانون ديمومة دورة الحياة- وماينجم عنه- لايعنيان انهيارالنظم الأخلاقية، واللتسويغ للإقدام على ارتكاب كبريات الانتهاكات، كالانخراط في سلب الآخر و احتلال بيته وهدر كرامته أو حياته، حتى وإن على نحو غيرمباشر- لأننا نكون هنا أمام- بوعمشاتية- ثقافية، سياسية، من لدن من شكلوا الغطاء  التنظيري التنن لهؤلاء القتلة واللصوص.
ومقابل  مثل هذا الأنموذج، يظهر من يحافظ على موقفه الصائب من هذه القضية، أو تلك،  انطلاقاً من فهم واع، لا من وعي ديكوري، لأنه لاتوجد رؤى، أو مواقف إلا وتكون متكاملة،  ولا توجد ” صداقة”  مأدباتية أو موسمية سياحية جزئية مع الآخر في مايخص القضايا الكبرى، لأن من شرط الرؤى أن تكون عميقة راسخة متكاملة، فيما استندت على شخصية صلبة، عميقة، غيرأهوائية، وغيرانقلابية، وهنا فنحن أمام أنموذج مختلف، يرتب على صاحبه تبعات هائلة، لاسيما في ظل وجود زوابع إعلامية، مهيمنة، تحت سطوة عامل ما: قومجي- أو ديني- أوفئوي يستهدف النويات المضيئة في المشهدين السياسي والثقافي- في أقل تقدير- بما يمكن هؤلاء من خلق حالة معممة في مواجهة أية قضية عادلة، لاسيما إذا تمت الاستعانة بوسائل – لماتستنفد بعد- في التأثيرالشعبوي، عبر متواليات العاطفة، وتوابعها.!
من هم أصدقاؤنا؟
وبعد هذه الأسئلة المستفيضة، فإن ثمة أسئلة جديرة يمكن طرحها، ومن بينها: من يصلح أن يكون صديقاً لهذا الشعب أو ذاك؟ . مامقومات هذا الصديق وغيرهما من الأسئلة الكثيرة التي يمكن الإجابة عنها، من خلال معرفة البنية الفكرية لهذه الشخصية أو غيرها، وفي طليعتها: نشأتها. ثقافتها. طبيعتها، إذ إنه يمكن الانخداع بشخصية ما تقدم أوراق اعتمادها- في محطة ما- كصديق من هذا الطراز- إلا أنه لايمكن له الحفاظ على المرتبة الممنوحة له، بل التي اكتسبها، إلا إذا كان ذا جذور فكرية إنسانية راسخة، ولديه معاييره الأخلاقية، وأولها: مصداقيته، والتزامه برؤاه، ونظريته: الذاتية، على ضوء تجارب المعرفة والتاريخ، وأن يكون على استعداد وموعد دائم محتمل للتضحية، فلا يمكن لمن هودائم التبدل، يعول على ماهو شعبوي، أو يكون قريباً من هذا الحاكم أو ذاك، أو من يتوخى من منفعة ما الارتقاء إلى هذه المكانة، والحفاظ عليها.
*
لاحظت في لقاءات عديدة أن المستهدف من قبل بعضهم هو الكردي لا هذا التنظيم الذي أختلف معه وثمة كثيرون من العنصريين وتحت قناع مواجهته يمارسون حقدهم ضد وجود الكرد أينما كانوا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…