ذاكرة مجزرة… تفاصيل ويوميات مجزرة عامودا

أحمد كرمي
عندما كنا متجهين الى الحقول مع عدد من العاملات لتنظيف الحقل المزروع بالبصل من الحشائش الضارة ، ومعنا صاحب الحقل السيد عبدالمجيد الحاج حمو ( أبو فيصل ) وهو رجل سبعيني ، ولأن حقله بحاجة الى إزالة الحشائش الضارة ( تعفيش أو عشيف ) كما تسمى بالعامية ، الرجل اتفق مع شاويشة العمال على تأمين عشرين عاملة بأجر معلوم بينهما على أن يستأجر المزارع سيارة لنقل العمال من عامودا الى الحقل الموجود بين قريتي ( كودحه)و ( مستو هندي ) والتي تبعد مسافة حوالي 18 كم عن المدينة ، وكون سيارته صغيرة لا تستطيع حمل هذا العدد ، استوقفني أمام الفرن ، يعرض علي العمل في نقل العمال بسيارتي وكانت من نوع ( كيا سيريس) ، وافقت على عرضه دون الدخول في تفاصيل الأجر الذي سأحصل عليه ، لكنه اشترط أن آخذهن الى الحقل في السادسة صباحاً وأعود بهن في الرابعة عصراً نظرا أو استجابة للعاملات اللواتي كن لا تقبلن العمل أكثر من عشر ساعات ، بدأنا العمل على هذا المنوال حيث يوم السبت 15/6/2013 ، في صبيحة الاثنين 17/6/2013  من العمل في نقل العمال وهنا أنا سميته باليوم الأول لمخطط المجزرة .
اليوم الأول 17/6/2013  الساعة السادسة صباحا بعدما حملنا العاملات من بيوتهن المتواجد في حارة الأعلاف مع شاويشة العمال وقصدنا الذهاب الى الحقل الذي يقع في الجهة الجنوبية الغربية من مدينة عامودا قرية ( كودحه – مستو هندي ) تفاجئنا بعدد كبير من الأسايش تغلق جميع الطرقات المؤدية الى خارج المدينة ، لا يسمحون لأي شخص أو سيارة بمغادرة المدينة ، حاولنا تغيير مسلكنا متجهين الى طريق نجاري ديكية ، لكنه أيضا كان مغلق ولم يسمح لنا بالخروج ، استوقفنا أحد عناصر الأسايش التابعة للـ ( PYD ) وهو من نفس احدى قريتي صاحب الحقل( كودحه) واسمه ( يوسف ) حيث قال بالحرف خالو أبو فيصل : الطرق كلها مغلقة فقط طريق قرية (جرنك ) مفتوح ، إذا كنت مضطراً للخروج اذهب الى طريق ( جرنكي) وهي قرية حدودية مع تركيا تقع شمال غرب عامودا بحدود 7كم ، بداية قلت لأبو فيصل : دعنا نعود اليوم تأخر الوقت … سنذهب غداً الى الحقل ، لكنه كان مصراً على الذهاب ، حيث قال : البصل مخنوق من العشب ، يجب تعفيشه وأيضا الحقل بحاجة الى الارتواء كوننا قطعنا عنه الماء حتى نستطيع تنظيفه من الأعشاب قبل ذبوله ، ويبدو أن الرجل كان عليه دفع اجرة العاملات كونه أبرم معهن اتفاق على أيام معدودة ، لارتباطهن مع مزارع آخر ، فذهبنا الى طريق (جرنك) حيث كانت هناك دورية متمركزة هناك لكنهم سمحوا لنا بالعبور بعد أن أخبرهم أبو فيصل بأننا أتينا الى هذا الطريق بناءً على كلام ابن قريته عنصر الأسايش ( يوسف ) ، ذهبنا الى قرية (جرنك ) ومنها الى قرية ( جوهرية ) حيث طريق درباسية ، كملنا طريقنا الى الحقل ، وعدت أدراجي على أن أذهب إليهن الساعة الرابعة لأعود بهن كما كنت أفعل اليومين السابقين وعند وصولي الى عامودا عن طريق الدرباسية ، أوقفتني دورية أسايش أمام الفرن الآلي ، حيث قاموا بتفتيش السيارة وبعض الأسئلة الروتينية ( أين كنت ؟.. كنت في قرية كودحه ! الى أين تريد الذهاب ؟ .. الى البيت ! متى خرجت من عامودا؟.. هذا الصباح !الهوية ) لكن السؤال الذي لم يكن روتينيا عندما سألني أحدهم وهو محتفظ بالهوية بيده بالقول : كيف خرجت هذا الصباح من عامودا ومن أي طريق ؟؟ فأجبته على أسئلته هذه بالقول من طريق جرنك والأسايش الذين كانوا هناك كانوا من سكان قرية المزارع الذي أنقل له العمال ( كودحه) ، ثم تابعت الكلام … سوف أعاود الذهاب الى القرية الساعة الرابعة عصراً موعد انتهاء دوام العاملات لأعود بهن الى بيوتهن ، لكن عند الرابعة لم يكن هناك دوريات وتم فك الحصار عن عامودا ، عند المساء تم تناقل الأخبار بأن ثلاثة من النشطاء اعتقلتهم تلك الدوريات دون معرفة الأسباب وهم : سربست نجاري عضو تنسيقية عامودا – ديرسم جرنكي من رفاق حزب اليكيتي – ولات فيتو أحد منشدي تظاهرات المجلس الكوردي .
اليوم الثاني أي الثلاثاء 18/6/2013 : اجتمعت محلية عامودا للمجلس الوطني الكوردي مع الهيئة الادارية لتنسيقية عامودا للبحث في سبل العمل المشترك والضغط على الـ (PYD) لاطلاق سراح المعتقلين ، للتذكير كنت أحد أعضاء المجلس المحلي للمجلس الكوردي وتم الاتفاق على جملة من النقاط والعمل عليها .
اعتصام مشترك ما بين المجلس والتنسيقية الساعة العاشرة صباحاً في المكان المعتاد لانطلاق تظاهرات المجلس وسط مدينة عامودا ولمدة ساعة .
عدم التعرض لمواقع الـ (PYD )
تكون الشعارات الشفهية والمكتوبة فقط المطالبة بالإفراج عن المعتقلين .
اليوم الثالث الأربعاء 19/6/2013  : تمت دعوتنا من قبل مجلس عشائر عامودا الى لقاء تداولي ، وتم لقاء ثلاثي بين مجلس العشائر والمجلس الكوردي وادارة التنسيقية ، وفي نهاية اللقاء طلب مجلس العشائر أن يكلف نفسه بالوساطة بيننا نحن المجلس والتنسيقية من جهة والـ ( PYD) من جهة أخرى ، لم نعترض على مقترحهم ، كوننا نحن المجلس الكوردي كنا قد أعلنا مقاطعة الـ PYD بعد ثلاث لقاءات من دون جدوى ، وفعلاً تم التواصل من قبل مجلس العشائر مع الطرفين وفي نفس هذا اليوم كان عدد من الشباب قد أعلن الإضراب عن الطعام تضامنا مع المعتقلين بجانب جامع صلاح الدين في خيمة صفيرة بداية الأمر .
اليوم الرابع 20/6/2013  :اجتمع المجلس المحلي مع ادارة التنسيقية وتم اقرار أن يكون اعتصمنا على فترتين صباحية ومسائية ، صباحا من الساعة العاشرة الى الساعة الحادية عشرة ومساءً تبدأ الساعة السابعة لمدة نصف ساعة ثم تتحرك على شكل تظاهرة من وسط المدينة متجهة الى خيمة الاضراب عن الطعام بجانب جامع صلاح الدين ( دوار قامشلي ) ذاك الدوار الذي كان قد شاهد اسقاط تمثال الأسد الأب مرتين ، والشباب المضربين عن الطعام قد بلغ عددهم في هذا اليوم الى تسعة شباب ومن جميع الانتماءات الحزبية والحراك الثوري .
اليوم الخامس 21/6/2013: عاد مجلس العشائر من لقاءه مع الـ PYD طالبين لقاء المجلس الكوردي وادارة تنسيقية عامودا لنقل فحوى لقاءهم مع الـ PYD وفعلاً تم تحديد الموعد وأتى بعض أعضاء مجلس العشائر ليخبرونا بأن هؤلاء المعتقلين متهمين بالإتجار بالمخدرات ، أنا سألت أحد أعضاء المجلس العشائري والذي كان بالنسبة لي متعاطفاً مع الـ PYD وهل أنتم كمجلس عشائر مقتنعين بهذا الاتهام ؟ لم يرد على سؤالي ، لكن أحدهم رد طبعاً لسنا مقتنعين لكنها حجج ! هنا تكلم رئيس المجلس قائلاً : نحن على يقين بأن هذه التهم باطلة وليس لها أساس من الصحة لكننا سوف نغلق كل الطرق المؤدية الى استمرارية احتجاز رفاقنا … فليأتوا بالمعتقلين ويتم محاكمتهم محاكمة عادلة نكون نحن وأنتم في مجلس العشائر أطرافاً في التحقيق وتم فض الاجتماع على هذا الطلب .
اليوم السادس 22/6/2013 : عاد الينا وفد مجلس العشائر حاملاً معه رفض الـ PYD لطلبنا ، وفي المساء ذهبنا الى اعتصامنا المعتاد في مركز المدينة وبعد نصف ساعة من الاعتصام انطلقت الجماهير بتظاهرة نحو خيمة الاضراب لنتفاجأ بعدد المضبين عن الطعام قد بلغ 19 تسعة عشر شاب مفترشين الرصيف بجانب الخيمة الصغيرة ، طالبونا بتأمين خيمة أكبر نظراً لعدم استيعاب الخيمة لهذا العدد وخاصة بالنهار حيث الشمس الحارقة ، وفعلاً تم تأمين خيمة أكبر بطول ثمانية أمتار وعرض أربعة أمتار من أحد المزارعين وبعدما تم نصب الخيمة في تلك الليلة عدنا الى منازلنا .
اليوم السابع 23/6/2013 : لم يحدث أية تطورات سوى ازدياد عدد المضربين عن الطعام حيث بلغ عددهم في هذا اليم الى 29 تسعة وعشرون شاباً ونحن مستمرين باعتصاماتنا الصباحية والمسائية .
اليوم الثامن 24/6/2013 : جاءنا وفد من مجلس العشائر وأخبرنا بأن الـ PYD موافق على اطلاق سراح المعتقلين ولكن لديهم شرطان عليكم بتنفيذ الشرط الأول بداية وهو أن يتم إزالة خيمة الشباب المضربين عن الطعام وبعدها بيوم واحد سنطلق سراح المعتقلين ، نحن وافقنا على هذا الشرط وقلنا لهم : أن هؤلاء الشباب مضربين عن الطعام لأجل اطلاق سراح المعتقلين وعندما يطلق سراحهم وقتها لم يعد هناك حاجة الى الاضراب ما دام الاضراب حقق أهدافه … والشرط الثاني كان بأن يأتي ذوي المعتقلين الى القامشلي لاستلام أبناءهم ، وما فهمنا من هذا الشرط بانهم يتوقعون رفضنا لهذا الشرط لإحداث شرخ بين المجلس و أهالي المعتقلين هذا أولاً ، وثانيا ان وافق المجلس على هذا الشرط ، يريدون ابعاد المجلس الكوردي عن العملية برمتها ، أيضا وافقنا على هذا الشرط لأننا كنا على يقين بأن الـ PYD غير صادقة وهي تحاول اللعب على احداث شرخ بين المجلس والتنسيقية من جهة وبين الطرفين والأهالي من جهة أخرى ، ذهبنا الى الشباب المضربين عن الطعام نطالبهم بإزالة الخيمة ليتم اطلاق سراح المعتقلين ، وبين الأخذ والرد وعدم ثقتهم بوعود الـ PYD وافقوا على ازالة الخيمة على أن يكون اضرابهم مستمراً مفترشين الرصيف ليلاً وداخل الجامع المجاور للخيمة نهاراً ( جامع صلاح الدين ) ، فقمنا بإزالة الشوادر عن الخيمة ليبقى حديدها ، و كان عدد المضربين عن الطعام قد بلغ في هذا اليوم 31 واحد وثلاثون من الناشطين حيث انضمت فتاتان الى الاضراب ، وفي المساء خرجنا كالمعتاد الى الاعتصام المسائي دون أي جديد.
اليوم التاسع 25/6/2013 : خرجنا الى الاعتصام الصباحي لمدة ساعة وأنهينا اعتصامنا بكلمة من رئيس المجلس يدعو الجماهير الى الاعتصام المسائي ويبشرهم بخير اطلاق سراح المعتقلين وفي المساء تجمعنا في وسط المدينة وبعدها سرنا نحو مكان الخيمة بجانب جامع صلاح الدين المحاذي لدوار القامشلي حيث يفترش المضربون عن الطعام الرصيف بعد ازالة الخيمة لكن الخيمة بقيت مركونة بجانب جدار الجامع وهي مفككة ، وصلنا الى الدوار في انتظار المعتقلين الذين سوف يطلق سراحهم هذا المساء حسب الاتفاق ، حيث ذهب والد ديرسم جرنكي وشقيق كل من ولات فيتو وسربست نجاري ، وصلنا الى دوار القامشلي حيث كان المضربين وكان تجمعاً كبيراً في هذا اليوم ، وبعد حوالي ثلاث ساعات أتى شقيق ولات فيتو وهو المهندس محمد فيتو وقال : أن الجماعة لم يطلقوا سراح كل من ولات وسربست ، فقط أفرجوا عن ديرسم جرنكي ، لكنهم أخذوه برفقة والده الى قريته ( جرنك) عن طريق الريف الجنوبي لعامودا ،حتى لا يستقبله الحشد الجماهيري ، وفي أثناء التجمع كانت هناك سيارة (فوكس) تابعة للأسايش تراقب التجمع من الجهة الجنوبية شمال محل الميكانيكي حواس عينو ، أرسلنا خلسة أحد رفاق التقدمي كونهم كانوا في ذاك الوقت بينهم تنسيق عسكري ، عاد بعد برهة وأخبرنا بأن الكادرين ( حمزة وسينان ) وهما من كوادر قنديل جاءا منذ الأيام الأولى للثورة الى عامودا ،حمزة بالأصل من قرية تل حبش ولكن أهله ساكنين في الحسكة وهو كاباري ، وسينان من قرية سيد علي القريبة من الحسكة وهذا الأخير مسؤول عن جوانين شورشكير في عامودا ، وحسب قول عضو التقدي لم يكن هناك أحد غيرهما ، لكننا علمنا من أناس آخرين بأن السيارة كانت تحمل مسلحين ممددين داخل السيارة ، في ذلك الوقت وصل شقيق ولات فيتو وأخبرنا بعدم الافراج عن المعتقلين الآخرين ( ولات وسربست )لأسباب هو نفسه لا يعرفها ، هنا الجماهير بدأت بالتفرق والعودة الى منازلهم .
اليوم العاشر 26/6/2013 : أعدنا الخيمة الى مكانها وأقمنا تجمعنا الصباحي الساعة العاشرة في وسط المدينة ، وفي المساء خرجنا بتظاهرة مسائية كما كل الأيام السابقة ، حيث التجمع أمام حلويات آلان وسط المدينة على أن نسير باتجاه الخيمة ( خيمة الاعتصام ) لكننا توقفنا عندما وصل المعتقل المفرج عنه ( ديرسم ) وهو بحالة مزرية ، حيث تجمع حوله جمع من الشباب مرحبين به ، اضافة الى الطلب منه بسرد قصة اعتقاله منذ اليوم الأول وحتى ساعة الافراج عنه ، كيف ولماذا وما الذي الذي حصل معه داخل السجن ، بدأ ديرسم بالحديث عن كيفية اعتقاله ، حيث كان في المصلحة ( موسم الحصاد ) في قرية جنوب عامودا عندما رأى مجموعة من سيارات الأسايش التابعة للـ PYD توقفت أمام المصلحة المكونة من جادرين وبيت شعر فقام لاستقبالهم بالترحيب معتقداً توقفهم لمجرد طلب الماء أو سؤال عن طريق أو اتجاه ما ، لكنهم فاجأوه بالضرب والركل والكلمات النابية واقتادوه الى السجن ، وعند التحقيق معه كان المحقق يتكلم بلغة كوردية مكسورة مع ادراج الكثير من الكلمات العربية أثناء الحديث بما يدل على أنه غير كوردي ، وقد أذاقوه شتى أنواع التعذيب وفجأةً انهار وسقط مغميا عليه ، للعلم فيديو هذا الحدث موجود على مواقع التواصل الاجتماعي ، حينها تم نقله الى المشفى من قبل بعض الشباب وبعض أعضاء حزب يكيتي كونه من أعضاء اليكيتي ، ونحن بدورنا تابعنا التظاهرة باتجاه دوار القامشلي حيث يفصلنا عنه سبعة شوارع فرعية من الجهة اليمنى ( الجنوب ) بما في ذلك طريق الحسكة وهو الثاني بالترتيب عدا عن الطريق الثامن المؤدي مباشرة من شارع البلدية الى الدوار ( مكان الخيمة ) ، وعند وصولنا الفرع السادس بجانب دكانة نعمان عرفات مقابل محلات شريف خلو المعروف في عامودا وكانت التظاهرة مرتبة على الشكل التالي …. في المقدمة حاملي الرايات ( الأعلام الكوردية ) وأعلام الثورة السورية( علم الاستقلال ) يأتي بعدهم الشباب المضربين عن الطعام ومن ثم أصحاب الرؤوس البيضاء ( كبار السن ) ثم النساء ثم سيارة الجهاز والمنشدون وأخيراً باقي المشاركين من الشباب وهم الأغلبية … وكما ذكرنا وصلنا الى الشارع فرعي السادس لنتفاجأ برتل من السيارات المحملة بالمسلحين وفي مقدمتها سيارة زيل عسكري منصوب عليها دوشكا ثم ثلاث سيارات بيك آب رباعية الدفع ثم باص ( سيتي باص ) كما تسمى في منطقتنا وبعدا سيارة فوكس ثم خمس سيارات بيك آب عادية والأخيرة كانت مموهة بالوحل وعليها آثار طلقات ، حقيقة استغربنا وجود تلك السيارات والمسلحين في هذا الشارع ، كونه من أضيق الشوارع الفرعية في تلك المنطقة بالإضافة الى وجود الحفر العديدة فيه بحيث لا يتمنى أي سائق الدخول في ذلك الشارع ، وباعتبار أن بداية التظاهرة كانت قد عدت الشارع كان من نصيبنا نحن كبار السن الوقوف بمواجهة ذلك الشارع الفرعي الذي فيه تلك السيارات والمحملة بالمسلحين حاولنا اقناعهم بالتوقف لحين مرور المظاهرة كما تفعل بقية السيارات لعامة الناس ، لكنهم أبو التوقف مصرين على اختراق التظاهرة ، هنا استفز الشباب في مؤخرة التظاهرة وبدأوا بترديد الشعارات المناوئة مثل ( شبيحة – شبيحة ) و ( عامودا حرة حرة شبيحة تطلع برا ) عندها قامت فتاة كانت متمركزة على الدوشكا المنصوبة على سيارة الزيل باطلاق النار في الهواء ،وهذا ما زاد من ردة فعل الشباب حيث بدأوا برمي الحجارة عليهم مع الشعارات ، وللأمانة كان هناك أحد كوادرهم يحاول منعهم من اطلاق النار وقام بتوبيخ تلك الفتاة قائلاً انزلي مع كلمات جارحة لها ، هنا توسمنا في هذا الكادر الخير وأبحنا نفاوضه على عدم اطلاق النار وتغيير مسارهم أو التوقف لحين مرور التظاهرة ونحن بدورنا نتكفل بايقاف الشباب من رمي الحجارة حتى أصيب ذلك الكادر بحجر في جبينه دون أن يبدي ردة فعل معاكسة ، تقدم مني ذاك الرجل وقال : هفال نحن نريد العبور الى قامشلو … دعهم يفسحوا لنا الطريق واطلاق النار في الهواء مستمر والحجارة أيضاً مستمرة وبكل حسن نية أو لنقل بكل سذاجة صدقنا كلامه ، فدخلنا بين الشباب تارة بالتوسل وتارة بالتهديد حتى وصلت بنا الأمر أن صفعنا بعض الشباب المقربين منا عائلياً أو حزبياً حتى أفسحنا لهم الطريق مصدقين بأنهم سوف يعبرون الى قامشلو كما ادعوا ، وللأسف لم ننتبه الى تمركزهم أمام مقر الهلال الأحمر التابع لهم وعندما تم ذلك وبمرور السيارة الأخيرة ووصولها امام الهلال الأحمر حيث توقفت جميع السيارات ولازال ذاك الكادرو بيننا ، بدأت جموع المسلحين بإطلاق النار علينا عشوائياً حيث استشهد الرجل العجوز شيخموس المعروف باسم ( شيخي ) والطفلين نادر خلو وسعد عبدالباقي سيدا كان عزيز قرنو ( منشد التظاهرة ) ينادي الشباب اجلسوا شباب انهم يطلقون في الهواء ، رأيته أصيب بطلقة في صدره من الطرف اليسار فتقدم سوار حتو نحوه ، أصيب هو الآخر في وركه لم أكن أعلم بأنني أيضا مصاب بطلق ناري عندما تقدم مني المرحوم الأستاذ محمد سعيد سيدو وقال لي هل أصبت أنت أيضاً ، فقلت له لا لم أصب وقتها نبهني الى الدماء التي تغطي فخدي الأيمن وعندما نظرت الى فخدي رأيت الدماء والسروال مثقوب من الطرفين ، حينها لم يكن هناك أية آلام لكن رويداً رويداً أصبحت رجلي تتنمل ، لا أعلم من أعطاني شماخ ( جمدانة ) وآخر ربطها على الجرح وحملني شاب الى مسافة شارع الى أن وصل بنكين بنكو ونقلني بوسطة دراجته النارية الى مشفى داري المقابل لمقر حزب يكيتي ، وعندما شاهدت الجرحى والاصابات المتعددة ودرجة خطورة وضعهم جلست في غرفة الادارة جانب غرفة الاسعاف كون اصابتي كانت في الرجل ولا تشكل الخطورة على حياتي وخاصة بعد توقف النزيف اثر ربط الشماخ فوق الجرح ومنع تدفق الدماء من الأعلى ، وكان بين المصابين الموجودين في مشفى داري أحد الشهدين لم أكن أعرفه لصغر سنه وكثرة الدماء التي كانت تغطي ملامحه لكن لاحقاً عرفت بأنه الشهيد نادر ابن الأستاذ محمود وقد كان مفرقاً الحياة والجرحى الذين رأيتم كانوا ( سوار حتو وأحمد عيدي وابن عباس غزيم وعزيز قرنو الذي عندما شاهدته فكرته متوفى نتيجة مكان الاصابة والدماء المسالة من فمه وعدم التنفس ولون بشرته الصفراء الداكنة والأطباء يحاولون جعله يتنفس بشتى الطرق حقيقة كانت لحظات مرعبة أكثر من تلك التي تم فيها اطلاق النار علينا ، لا أعلم أهي من محبتي لهذا الشخص نتيجة المدة التي قضيناها معاً منذ بداية الثورة حيث كان منشد تظاهراتنا على ظهر سيارتي وأنا أذهب اليه كل يوم نخرج للتظاهر اليه أولاً أحمله وأتوجه الى مكان الجهاز والبافلات وأحيانا أنظم له بعض الشعارات التي كان ينادي بها ، أم هي لحظات احباط وتأسف على هكذا أفعال من جهة تدعي انتماءها الى الكوردواري ، وقتها قرر الأطباء نقله الى مشافي قامشلي مع عدد آخر من الجرحى ، وقتها جاءني طبيت بدأ بتنظيف الجرح وتمت الاجراءات اللازمة لرجلي المصابة ، بقيت في المشفى الى الساعة العاشرة والنصف ليلاً ، عندما أتى أحد الأصدقاء الذي كان برفقة كنته ( زوجة ابنه) التي كانت خضعت لعملية قيصرية في وقت سابق من هذا اليوم ، هذا اليوم الأسود في تاريخ هذه المنظومة الاجرامية ( PYD ) وقال لي اذهب الى البيت فإن حركة الآبوجية تزداد هنا ، وبعد محادثته لأخي المرحوم عبدالوهاب الذي أتى بالطبيب وأخرجوني من المشفى وذهابنا الى البيت ، وبعد وصولنا الى المنزل بوقت قصير أتانا خبر استشهاد الشاب برزاني قرنو الذي كان برفقة جنازة الرجل الستيني الذي استشهد في بداية اطلاق النار وهو رجل معاق مقعد على كرسي متحرك ، حيث كان برزاني قرنو جالسا في صندوق البيك آب بجانب الجثة التي كانت قد نقلت الى مشفى عامودا ( مشفى بهزاد) وأثناء مرور سيارة البيك آب التي تحمل الجنازة من أمام مخفر عامودا تم اطلاق النار عليها من سطح المخفر جانب جسر البلدية مستهدفة الشاب برزاني بطلق في رأسه ، لكنه بقي على قيد الحياة ليتم نقله تركيا نظرا لإغلاق جميع الطرق الى القامشلي والدرباسية والحسكة وكان قد تم منع مرور الجرحى السابقين ( أحمد عيدي – عزيز قرنو – سوار حتو وابن عباس غزيم أعتقد اسمه ( عايد أو عيادة ) وفي الطريق الى تركيا بعد عبور الحدود فارق برزاني قرنو الحياة لكن الجندرمة لم تسمح بإعادته إلا بعد اخضاعه للطبابة الشرعية حسب مرافقيه ،وبينما نحن جالسون في المنزل والأهل والجيران والأصدقاء حولي سمعنا دوي انفجار قوي ومن ثم اطلاق نار كثيف وبعد برهة جاءنا خبر مفاده ، أن ميليشيا ( الـ PYD ) هاجمت مكتب حزب اليكيتي وقتلت آراس بنكو وهو فوق السطح يجري مكالمة هاتفيه مع والده الذي كان على موعد للرجوع الى عامودا قادما من تركيا بعد خضوعه لعملية غسل الكلية وكان آراس يريد أن يخبره بأن لا يأتي هذه الليلة لعدم استقرار الوضع في عامودا وهو صعد الى السطح لضعف شبكة الهاتف وفي هذه الأثناء تم مهاجمة المكتب بداية بقنبلة ومن ثم اطلاقاً للنار ، وحسب الشهود بأن التي أطلقت النار على آراس بنكو هي ( زوجة ناصر حاج منصور ) من سكان الدرباسية ، ومن ثم تم رميه من سطح المكتب ومن ثم اعتقلوا جميع من كان في المكتب حيث كان هناك اجتماع للمجلس الكوردي محلية عامودا وبعض وجهاء عامودا لدراسة الوضع وسبل ايجاد حلول لعدم تفاقم الوضع وحسب الاحصائيات تم اعتقال 36 ستة وثلاثون شخصاً بقوة السلاح من داخل مكتب يكيتي أغلبهم من رفاق حزب يكيتي والبقية من المستقلين ( وجهاء المدينة ) والأحزاب الأخرى داخل المجلس الكوردي ، وتم الاستلاء على المكتب وجميع محتوياته ، وبعد ذلك سمعنا بأنهم استقدموا جيش الميليشيات من جميع المناطق حتى كوباني وعفرين ، لأن أغلب عناصرهم الذين ينتمون الى عامودا رفضت قتل أهل عامودا ومداهمة المنازل إلا قلة منهم ، وهذا دليل آخر على أن هذه الحملة والعملية كانت مبيتة مقصودة وتم التحضير لها سابقاً ، عشنا تلك الليلة في جحيم ، وفي صبيحة اليوم التالي ( الجمعة 27/6/2013 ) حوالي الساعة الخامسة والنصف صباحا كنت في غرفتي أعاني من آلام الجرح الذي بدأ يتصاعد نتيجة انتهاء مفعول البنج ، تفاجأت بعدد هائل من المسلحين تجاوز عددهم المئة مسلح يحاصرون منزلي مع المنازل المحيطة من جهة الجنوب منزل أخي المرحوم عبدالوهاب أبو آلان ومن الغرب منزل أخي الآخر المرحوم حسين ومن الشمال منزل جاري زبير ومن الشرق أسطح المدرستين المجاورتين لمنزلي ( مدرسة زنوبيا الثانوية للبنات ومدرسة خديجة الكبرى الابتدائية ) حيث اقتحم المنزل حوالي عشرون مسلحاً يتقدمهم المدعو ( سينان ) المسؤول عن ما يسمى ( جوانين شورشكير ) وطوقني ثلاثة منهم مع المدعو سينان قائلين لي عليك أن تأتي معنا دون مقاومة ، وأبنائي الأربعة مع أمهم مطوقين أيضاً ومصوب عليهم السلاح ، جاوبته : واذا لم أذهب معكم ؟ قال لي بالحرف : سوف نقتلكم جميعاً أنت وعائلتك ونمشي ،وبدأوا بتفتيش البيت ، بعثروا المنزل رأساً على عقب وعندما كان سينان يبعثر بمحتويات الخزانة أتذكر بأنه كان يحمل البوم الصور يقلبها صفحة بصفحة حتى يخرج بعض الصور من أماكنها ، وقتها قالت له زوجتي : فتش جيداً داخل الألبوم ربما تعثر على شيء يجيز لك اتهام أحمد كما اتهمتم الشباب الثلاثة بالمخدرات زوراً ، حينها رد سينان : نعم نبحث عن المخدرات وهذا زوجك نفسه من المخدرات وسنأخذه ، وقتها ترسخت لدي القناعة يريدونني أنا وما تفتيشهم إلا للحصول على شيء ما لاتهامي بما يريدون وأيضا سرقة ما يمكن سرقته من المنزل ، فقلت لأولادي : عليكم الكف عن الكلام ومجادلتهم وعدم الاحتكاك بهم ليقيني بأنهم لن يترددوا أبداً في القتل ، وبعد مناوشات وتهديد والملاسنات ، أكثر من عشرون دقيقة والعبث بمحتويات المنزل وليقيني بأنهم لن يغادرون دون أخذي خرجت معهم وأنا أقول لأولادي كفوا عن الكلام فهم جاءوا لأخذي وها أنا ذا أذهب معهم لنرى ماذا سيستفيدون من أخذي ولما خرجت من الباب رأيت أخوتي الاثنين محاصرين من المسلحين والبنادق مصوبة نحوهم كي لا يتحركوا وعندما أدخلوني في السيارة عصبوا عيني وربطوا يداي خلف ظهري وتحركت السيارة ، نحو الشمال وبعد مسافة لا تتعدى الـ 100 متر توقفت السيارة وسمعت صوت اطلاق نار من خلفنا جهة منزلي وقتها كاد قلبي أن يتوقف وصرخت فيهم : أيها المجرمون قتلتم أولادي فقاموا بكم فمي بواسطة العلم الذي أخذوه من منزلي ( علم كوردستان ) وبعد حوالي خمسة دقائق من الوقوف تحركت السيارات وكوني كنت معصوب العينين ومكموم الفم وحسب معرفتي بعامودا وشوارعها بتت أحسب الشوارع حسب تغير صوت السيارة متذكرا الفنان سعيد كاباري عندما كان يقول كنت أحسب عدد أعمدة الهاتف على الطريق أثناء ركوبي الدراجة النارية خلف أحد القرويين نتيجة تغير صوت الدراجة بمجرد أن تتقابل مع عمود الهاتف ، والالتفاف بالسيارة تيقنت بأهم أخذونا الى مفرزة الأمن السياسي ، هناك تكلموا مع سيدة ! فقالت لهم : خذوهم الى المركز الثاني هنا المكان لم يعد مكان يستوعب المزيد ، سمعت آخر يقول : خذوا هذا أيضا معكم لنعود نحن الى مركز الأسايش ، وضعوا شخصاً آخر بجانبي لا أعلم من هو لكنه كان يلهث بشدة دون أن يتكلم وكان هو أيضا معصوب العينين والفم ومن لهاثه تبين لي (استنتاجاً) بأنه تعرض لضرب مبرح ، أخذونا الى المركز الثاني والذي كان معملاً للنسيج بعامودا قبل أن يتحول الى مقر الأمن العسكري للنظام ( مفرزة الأمن العسكري )وتم تسليمه الى تنظيم الـ PYD مع الأسلحة والعتاد أمام أعيننا سابقاً وهذه لها قصة أخرى ، أنزلونا من السيارة ، سيرونا حوالي 15 خمسة عشر متراً بالركل والضرب بأخمص البندقية من الخلف وكان أحدهم يتأبطني من اليمين وآخر من الشمال ، وعندما أدخلونا داخل المبنى وفكوا قيودنا ، قالوا لنا : فكوا أعينكم ، ويا لهول ما رأيت ، الذي كان بجانبي يلهث كان ابني محمد ملطخ بالدماء من قمة رأسه الى أخمص قدميه ولازال ينزف من أنفه ، وضعونا تحت درج البناء ، وكان المكان مغلق له باب بطول 70سم وعرض 50 سم تقريباً وعرض الدرج كما هو معروف لا يتجاوز المتر الواحد وطوله حولي متران ونصف مع زاوية لف وكأنه صحن الدرج ، عندما شاهدت العدد المحتجز في ذلك المكان الضيق صدمت ، حيث كان العدد يتجاوز الثلاثون ، جلسنا كل اثنين متقابلين وركبنا في بطوننا ، وكل يتهامس مع مجاوره أو الذي مقابله ، بعد برهة من الوقت جاءنا اثنان من المقنعين وطلبوا أسماءنا ، بدأوا بتسجيل الأسماء تتالياً حسب مكان الجلوس ، وبعد حوالي ربع ساعة أتى أحد المقنعين ونادى على المهندس عفيف معمو وأخذوه ، وبعده عاد ذاك المقنع وناداني باسم أحمد كرمي ، علماً بأنني عندما طلبوا أسماءنا كنت قد أعطيتهم اسمي كما هو مكتوب في الهوية الشخصية ، أخذوني الى غرفة التحقيق بعد أن ربطوا يداي خلف ظهري وعصبوا عيوني أجلسوني على كرسي خشبي كتلك الكراسي التي كان مدرسونا يستعملونها أيام الدراسة ( كرسي خيزران) ووضعوا يداي المغلولة خلف مسند الظهر ، وكان سؤالهم الأول : من أطلق النار في المظاهرة ؟ قلت : لم يطلق أحد من طرفنا أية طلقة .! وكان السؤال الثاني : يعني نحن من أطلق النار ؟ قلت : نعم أنتم ! بدأ الضرب الركل واللكم ، كانت الساعة حوالي السابعة صباحاً حسب تقديري للوقت الذي مضى منذ داهموا المنزل الخامسة والنصف ، هنا أذكر التوقيت فقط للدلالة على ابتداء التعذيب … نفس اسلوب النظام في آلية التعذيب ، البداية من الركل واللكم ،ثم الفلقة ثم الدولاب ثم بساط الريح ثم الكهرباء ، فقط الشيء المختلف كان ذاك البوري الحديدي ( بوري الحنفية ) الذي كان يستعمل في الفلقة بدل العصا أو الكبل الرباعي ، لم يسألوني سوى هذين السؤالين : من أطلق النار ؟ أجاوبهم لم يطلق أحد من طرفنا أية طلقة .! يبدأ الضرب الى حين يتعب سينان فيسأل الآخر : يعني نحن من أطلق النار ؟ فأرد : نعم رفاقكم الـ YPG ! يبدأ كاور بوطان بالضرب … نفس السؤال ونفس الجواب ، ثم يبدأ سينان بالضرب وهكذا كانوا يتبادلون في السؤال والضرب لمدة حوالي الساعتين … هنا سيتساءل القارئ كيف تذكر أسماءهم وأنت معصوب الأعين .. نعم كنت أعرفهم من صوتهم الذي طالما كنت رئيسا للجنة الخدمية للمجلس الكوردي وعملنا معاً لمدة أكثر من ثلاثة أشهر وسينان هذا حصل بيننا موقف أيام امتحانات البكلوريا سنأتي عليها لاحقاً ، بالمحصلة حصلت على أرجل عملاقة تصل نمرتها الى أكثر من الخمسين وكسر ثلاثة أصابع في القدم الأيمن واثنان في القدم الأيسر وكسر في مشط القدم الأيسر وكسر ضلعين في القفص الصدري ناهيك عن الجروح ، كانوا البوري الحديدي ( نصف انش ) في فتحة الجرح الذي أصبت به أثناء الظاهرة ويحاولون توسعة الجرح ، قائلاً (ji xwere lê biner weke kera nabêje ay jî ) ولقناعتي التامة بأن ساعتي معدودة ولن أحرج حياً من عندهم ، جاوبته بكلمات جعلته مسعورا ، حيث قلت : (Ez nabêjim ay heta go tu dev min bike ezê bêjim ay ) لا أعلم كيف خطر لي تلك الكلمات ، ويقول أحدهم بالكوردي ( Tew tiro birîndare ) طبعاً في البداية الألم لايطاق ، لكنه يخف تدريجياً ، تنملت أطرافي وتخدرت جميع أعضاء جسمي ولم أعد أحس بالألم ، كان يقول لي سينان : ألا تريد أن تتخلص من هذا التعذيب ؟ ان كنت تريد الراحة قل اسم واحد بأنه هو من أطلق النار في المظاهرة وسنكف عن تعذيبك ، ولأنني كنت أعلم علم اليقين بأن لايوجد اطلاق نار من جانب المتظاهرين كنت أرد عليه بأنهم هم جماعة الـ (YPG)ولتعذيب مستمر لمدة ساعتين تقريباً ، بعدها نقلوني الى غرفة منفرة وأغلقوا الباب ، وبعد حوالي ربع ساعة أقل أو أكثر فتح الباب وأنا جالس على الأرض تقدم أحدهم دون كلام وضربني ضربة بأخمص البارودة على رأسي وخرج دون أن يتكلم ، وتكرر هذا العمل مرات عدة وكلما أسمع صوت الباب أتحفز للضربة وبعد ساعات في ذلك المكان سمعت صوت الباب يفتح مرة أخرى أحضرت نفسي للضربة لكنها لم تأتي انما سمعت صوت خافت لفتى يقول لي خالوا أنت أبو محمد شريف ؟ قلت نعم ! خرج وعاد مسرعاً قال : الا تريد شرب بعض الماء ؟ قلت له : لا لا أريد أن أشرب السم ! خرج دون تعليق ، وبعد برهة عاد ثانية وسألني : خالو ألا تريد تذهب للحمام ؟( التواليت ) أعزكم الله ، قلت نعم أريد حيث كنت متضايقاً ، لم يتكلم ، خرج ثم عام مسرعاً وقال : خالو سوف أحرس الباب وأنت اذهب الى الحمام وعد بسرعة قبل أن يأتي أحد الحراس ، ثم فك يدي وأنا بدوري أزلت القماش المعصوب به عيني دون فكه ، لأرى أن المنفردة التي أنا فيها ما هي إلا ممر الحمامات ( التواليت ) أعزكم الله ، بعدما قضيت حاجتي غسلت يدي ووجهي ثم أنا بنفسي قمت بتعصيب عيني وقلت للفتى :اربط يدي حتى لا يعاقبوك ، ربط يدي ثانية وهو يتأسف على ذلك ثم قال اجلس على هذا الحجر ،سألته عن أهله قال : ستعرف لاحقاً ثم خرج ، وبعد خروجه مدة ليست بكثيرة فتح الباب ، دخل أحدهم ومعه أحد المعتقلين وهويقول للمعتقل : يلا اغسل وجهك ، سمعت صوت المياه ، ثم أردف بالقول : ضع رأسك تحت الحنفية ، ويضيف ارفع رأسك للأعلى والمعتقل يلهث مع حشرجة تنفسه وعندما تكلم المعتقل وبنفس متقطع قال : شو بدي أعمل الدم لا يتوقف.
( Ma ez çawa bikim xwîn nasekine ) ، لم أتملك نفسي ، انه صوت ابني محمد ، صرخت ، حاولت الوقوف لم أستطع ثم أغمي علي ، لاأعلم كم من الوقت بقيت مغمياً ، لكن عندما فتحت عيوني لم أرى أحد ويداي غير مربوطة وعيوني غير معصبة وأنا في غرفة أخرى ، وقتها انتابني موجة بكاء ، أصبح كل تفكيري بولدي وما آلت اليه وضعه ، حاولت الوصول الى الباب وبشق الأنفس وصلت قاعداً لأنني لم أكن أستطيع الوقوف ، كان الباب مقفلاً ، خبطت بيداي على الباب عدة مرات ، فتح الباب دخل أحد الحراس مزمجراً ، ماذا تريد ؟ قلت له فقط أريد أعرف ماذا حصل لابني محمد ؟ توقف قليلاً ثم قال : لا أعلم أخذوه من هذا المركز ربما أخذوه الى مركز آخر أو الى المشفى ثم أردف ، نزيف انفه لم يكن يتوقف ، وفي هذه الأثناء سمعت حركة غير طبيعية خلف الباب ، أفكار أخذتني يمينا وأفكار شمالاً ، كنت أريد اقتحام الباب لكني كنت فاقد العزم والقوة على النهوض ، خرج الحارس وأغلق الباب دون أن أفهم منه شيئاً ، وما هي إلا لحظات حتى فتح الباب ودخل أحد الكوادر المسمى حمزة وأنا أنظر الى فمه عسى أن أعرف شيئاً عن محمد ، وأخيراً تكلم قائلاً : ذهب محمد الى البيت ، أرسلناه الى البيت ، سألته بحرقة أب على ابنه ( حي أم ميت ) نظر إلي نظرة تعجب وقال : لا لا ما فيه شيء بس حقق معه الرفاق ولم يثبت عليه شيء ، لم أصدقه لكني حاولت أن أقنع نفسي بأنه صادق للهروب من الفاجعة ، ثم قال لي من فعل بك هذا ؟ هل ضربوك ؟ قلت : ماذا ترى ! اسأل الذين كانوا قبلك هنا ، ثم صاح على أحد الحراس باسمه ( هفالي كاظم ) جاء كاظم وهو جارنا وكريفنا ( كاظم ابراهيم علي ) ثم أنهضاني وأخذاني الى المغسلة وقال : اغسل وجهك وبعد ذلك أعادوني الى نفس تلك الغرفة الطولة ، ثم قال لكاظم : اذهب حضر الفطور لأبو محمد واجلب له علبة دخان ثم أردف قائلاً موجهاً كلامه الى الحارس الآخر : لاتعصبوا عينيه ولا تربطوا يديه واتركوه في هذه الغرفة لا تأخذوه الى غرفة السجناء البقية ، وبعد برهة أتى كاظم ومعه باكيت دخان وابريق شاي مع كأسة فارغة وقنينة كولا معبأة بالماء ، وهذا العنصر كاظم من أبناء عامودا منزله يقع شمالاً من منزلي بحدود ٥٠٠ متر ، جلس معي لحين أنهيت كأس الشاي ، ثم خرج من الغرفة مع ابريق الشاي ، بقيت في تلك الغرفة أكثر من ساعة وأنا أسمع أصوات كثيرة خارج الغرفة ، أردت الخروج ، ربما كان القلق على ابني أو الوحدة ، كنت أعرف بأن هناك سجناء آخرين بناءً على توصية حمزة للسجان بأن لا يأخذني الى غرفة السجناء ، قرعت الباب من الداخل ، وبعد عدة محاولات ، فتح أحد الأسايش الباب وقال منزعجاً : ماذا تريد ؟ قلت له : أريد أن أكون مع بقية المعتقلين … فأنا لا أطيق هذا المكان ! قال : لا نستطيع اخرادك من هذه الغرفة وهذه هي أوامر الكادرو ! وبين الأخذ والرد بيني وبينه ارتفع صوته وعلى أثر الصوت دخل عنصر آخر يسمى (أبو زندو ) وهو ينتمي الى عائلة آل عمو من عامودا ، وعندما رآني قال : كريف أنت هنا ..؟ ويبدو بأنه كان أعلى رتبة من السابق استفسر من العنصر الآخر عن مطلبي بالقول ماذا يريد كريفي (Kirîvê min çi dixwaze) فقال له: افتح الباب ، ففتح ثم أخرجني من تلك الغرفة وهو يسندني وذهب بي الى بقية المعتقلين ، وفي أثناء نقلي وبين الغرفتين سألته عن ابني وأين هو الآن ، حلف لي بأنهم أخذوه الى البيت دون أن يعطيني تفاصيل أخرى رغم إلحاحي ، ثم أمر السجناء بعدم تعصيب عيوني أنا وأربعة من السجناء البقية ، وكان عدد المعتقلين 38 شخص من بينهم ( ابن عمي الدكتور لقمان والمهندس عفيف معمو والمدرسان جوهر علي ويوسف أحمد الملقب بأوسو) والبقية من الشباب ، فتشت بينهم أبحث عن ابني حيث لازلت لا أصدق بأنهم أخذوه الى البيت فلم أجده ويبدو أن الدكتور لقمان لاحظ ذلك ، فبادر بالقول : ابن عمي محمد ذهب الى البيت لكن عذبوه كتير ،ثم أردف قائلاً : يبدو انك أيضاً نلت نصيبك كما ابنك ، ساد المكان بعض السكون ولم يراني هؤلاء الشباب سوى الأربعة الذين أعينهم غير معصوبة بتوصية أبو زندو ، عاد أبو زندو ، وقال : هل يلزمكم شيء عندها طلبنا منه أن يأتي لنا بالدواء ، كون المهندس لديه السكري وأنا مصاب بطلق ناري من بندقية رفاقه ، عندها قال لنا أبو زندو : سوف أرسل من يأتيكم بالأدوية ، وكان هناك عنصران آخران ، أحدهما من عائلة حني واسمه هفراز رحمه الله توفي بعد مجزرة عامودا بسنة ونصف اثر مرض عضال والآخر اسمه ( حمو ) من حارة النجاري وهو من المكون العربي لكنه لايتكلم العربية كونهم أتوا الى عامودا منذ أكثر من 30 سنة قادمين من دير الزور ، وهذا حمو للأمانة عندما كان ينظر إليُّ كانت الدموع تنهمر من عينيه ، فأرسل أبو زندو المواطنين الذي كان يراجع المركز لا أعلم لماذا ، أرسله برفقة حمو الى أهلنا ليأتي بالأدوية ، وفعلاً بعد حوالي نصف ساعة جاء بالأدوية، وبعد ذلك وبحدود الساعة الخامسة أتى المسمى ( هاشم ) ولاحقا علمنا بأنه مسؤول أسايش القامشلي ، تكلم حوالي ربع ساعة وكأنه يلقي علينا محاضرة مع توجيه كلمات نابية بحق أهل عامودا وعندما تكلمت منعوني من الكلام ، وقتها تكلم المهندس عفيف معمو وقال : لايجوز أن تتكلم وحدك وتوجه هذه الكلمات والاتهامات لنا دون السماح لنا بالدفاع عن نفسنا ، فكان رده : أنتم غير مسموح لكم بالكلام فقط عليكم أن تسمعوا … وجيع التهم ثابتة عليكم ! فقلت : تُهَم أي ، قاطعني بالقول : ألا يكفيك مانلته من وسكت ، ثم أردت لقد أنهيت كلامي ثم خرج ، وبعد خروجه بدقائق أتى أحد العناصر ونادى على أحد المعتقلين وأخذه معه ، وبعد برهة عاد وأخذ معتقل آخر وهكذا تكررت هذه الحالة الى أن بقينا 18 ثمانية عشر معتقلاً ، وعندما سألنا أبو زندو عن مصير هؤلاء الذين تم أخذهم ؟ قال : تم الإفراج عنهم ، وبحدود الساعة الثامنة ليلاً أتى مجموعة منهم وبدأوا بقراءة أسماء المعتقلين حتى المفرج عنهم ، فأصبحنا مجموعتين مجموعة مكونة من ثمانية أشخاص ومجموعة عشرة وأنا بين العشرة ، كنا ( أنا و المهندس عفيف معمو – الدكتور لقمان ابن عمي – المدرس جوهر علي – الشاب ماهر صوفي سليمان – محمد اسماعيل موسى خربة كافري (حمادة) – محمد خير قنجو ) الذي كان يتهمونه بتلويث صور الشهداء المعلقة في شارع الحسكة على أعمدة الكهرباء بالزيت المحروق وآخر باديني سائق سيارة البيك آب التي نقلت جثمان الشهيد ( شيخموس ) الرجل الستيني الذي استشهد في بداية المجزرة وهو جالس على الكرسي المتحرك ، لا أعلم اسمه مع شابين آخرين لا أعرفهما ، قاموا بتعصيب أيننا العشرة وربطوا أيدينا ثم وضعونا في سيارة فوكس ، وتوجهوا بنا الى القامشلي ، (معسكر هيمو) ، وفور وصولنا تجمعت علينا مجاميع بالضرب والركل واللكم طوال المسافة التي أنزلونا من السيارة الى أن أدخلونا في قبو البناء ، أوسعونا شتى أنواع المسبات والضرب ، كانت غرفة مفروشة بالأوساخ ورائحة المازوت ، وعدد من الدافئ مع رفوف مكدسة بأضابير ، حيث كان هذا المركز سابقاً ثانوية زراعية قسم المكننة ، وضعونا في هذه الغرفة وأغلقوا الباب ، بعد قليل جاءتنا مجموعة وبدأوا بضربنا عشوائياً ، استموا بضربنا مدة لا تقل عن ربع ساعة ثم أتى أحد الكوادر وقام بتوبيخهم وأخرجهم من الغرفة ثم أغلق الباب ، ولم تمر عشر دقائق حتى أتت مجموعة منهم لا نعلم هل هم نفسهم أم انها مجموعة أخرى ، وبدأ الضرب والسب والتوعد بالقتل انتقاماً للهفال شفان كما كانوا عامودا اتهموا أهل عامودا بقتل هفالهم شفان ، علماً أن مجزرة عامودا نفذت حوالي الساعة مابين السابعة والثامنة ، وسياراتهم كانت تتجول في حي الهلالية بالقامشلي ومعهم مكبرات الصوت الساعة الخامسة يعلنون أن جنازة الشهيد شفان سوف تصل الساعة الثامنة حسب أهالي حي الهلالية لاحقاً ، أي أن جنازة شفان كانت معهم عندما نفذوا مجزرة عامودا وهذا يدل على أن أثناء عودتهم من جملة الحسكة طلب منهم تنفيد هذه المهمة ( المجزرة ) لنعد الى غرفة القبو ، هذه المجموعة أيضاً قامت بضربنا كسابقتها ، وبنفس الكلمات أتى أحد الكوادر وأخرجهم مع بعض التوبيخ المصطنع ، وتكررت العملية ، يأتي كروب ( مجموعة ) تقوم بالضرب والاهانة ويأتي أحد الكوادر ويخرجهم الى الساعة الثالثة صباحاً ، جاء الكروب ونفذ الضرب والاهانة وجاءت امرأة وبنفس الاسلوب قامت بتوبيخهم وقبل أن تخرجهم قال لها الدكتور لقمان : يبدو أنكم لا تعرفوننا ، نحن أعضاء المجلس الكوردي ، ثم قال : أنا الدكتور لقمان قيادي في حركة الاصلاح ، هنا قاطعته أنا وقلت له : ابن عمي انهم يعرفوننا جيداً وهذا التكرار في التعذيب والضرب والإهانة ومجيء أحد الكوادر وكلمات التوبيخ هذه ما هي إلا تمثيلية متفق عليها ، حينها قالت تلك المرأة : هذا يعني أنا أيضاً متفقة مع هؤلاء الرفاق على تعذيبكم ؟ قلت لها نعم هكذا يبدو لنا ، كون هذه العملية تكررت أكثر من عشر مرات منذ وصولنا الى هذا المكان ! لم تتكلم خرجت مع المجموعة وأقفلت الباب ، وبعد برهة عادت مجموعة مكونة من ثلاثة عناصر وقاموا بضرب الشباب دون أن يتعرضوا لنا نحن الأربعة الكبار عمراً ، وخرجوا بعد أن نال التعب منهم ، وعند خروجهم أغلق آخرهم الباب بقوة فتكسر لسان قفل الباب ، لم يعيروه انتباهاً ، مر الوقت لم يأتي أحد ، يبدوا أنهم اكتفوا من الضرب أو أنهم ذهبوا للنوم بانتظار الغد ، حاولنا النوم كل متوسد ساق الآخر لكني لم أستطع النوم ، رأيت أيضا الشاب هاني والشاب محمد خير أيضا لم يناما كوننا كنا الأكثر تعرضاً للضرب ، وفخذي الأيمن مصاب بطلق ، وعدد من الكسور مشط وأصابع القدمين ،بالإضافة الى بعض الضلوع ، ولم يكن هناك ما مفترش عليه ، أرضية متسخة ، روائح كريهة ، لم نستطع النوم الى الصباح ، ومع بزوغ الفجر تبين لنا ملامح الغرفة ، لم يأتي أحد ، لكن كان هناك أصوات خارج الغرفة قريبة جداً ، بدأت ترتفع رويداً رويداً حتى تحول صوت الصياح طرق الأبواب ، والصياح يرتفع ، قمت بمساعدة الشاب ماهر الذي لن أنسى جميله ما حييت كونه لم يتركني لحظة واحدة ، كان كعكازة أستند عليه رغم تلك الكدمات السوداء على جسمه ، ذهبنا الى الباب أردت فتحه لأرى ما الذي يحصل خارج الغرفة ، حاول الأستاذ جوهر أن يمنعني قائلاً : أبو محمد لا تفتح الباب سوف يعذبوك ، لم أرد عليه ، فتحت الباب حيث كان لسان القفل مكسوراً نتيجة الخبطة الأخيرة من عناصرهم عند خروجهم آخر مرة ، كان الباب ينفذ الى ممر ضيق ، وكان هناك غرفتان يتقابلان مع غرفتنا لا يفصل بينها سوى ذلك الممر الضيق الذي لا يتجاوز المتر والنصف ، وكانتا مكتظتان بالمعتقلين وجميعهم من أهالي عامودا ، وهم أولئك الذين تم اعتقالهم ليلة المجزرة داخل مكتب اليكيتي ، أعضاء من حزب اليكيتي والبعض من أعضاء المجلس الكوردي اضافة الى بعض الوجهاء ، وتلك الضجة كانت منهم ، حيث كانوا يخبطون غلى الباب كونهم منذ اعتقالهم ليلة المجزرة قبل أمس يومنا ذاك ، معتقلين هنا دون طعام ولا شراب وحتى دون الخروج الى الحمامات ، فقام كل منهم بالالتفاف الى الحائط وتبول داخل الغرفة ، وبدأوا بالضجيج والتخبيط على الباب ، كنوع من الاحتجاج على وضعهم ، جاءت الأسايش ، حاولوا منعهم لكنهم لم يتوقفوا ، بدأنا نحن أيضاً بالخبط على الباب ، كان عددهم 36 ستة وثلاثون ، أغلبهم من رفاق اليكيتي والبقية من المجلس الكوردي والتنسيقيات وبعض الوجهاء ، ، حصلت مناوشات بيننا والأسايش ، جاء أجد الكوادر ، وكان ذاك الكادر الذي كان ضمن الحملة على عامودا ، وهو نفسه الذي كنا نفاوضه قبل اطلاق النار ، وقتها جرح جبينه بحجر ، وكان أثناء تفاوضه معنا أبان الحملة يبدو عليه عدم رضاه من هذه الحملة ، قال لنا اهدأوا أيها الأخوة ، بالكوردي ( Bîna xwe fireh bikin birano ) ، كانت كلماته غريبة على مسمعنا ، أول كادر يخاطبنا بكلمة أيها الأخوة ( برانو ) ، غالبا ما كانت كلماتهم اهانات وحتى قبل الاعتقال لم ينطق أحد منهم بهذه الكلمة ، عادة ما كانوا يقولون ( هفال ) ، اهدأوا أيها الآخوة سوف نخرجكم الى الحمامات كل خمسة على دفعة ، بقدر عدد الحمامات ، خرجنا خمسة الى الحمامات وكون رجلي مكسورة ساندني اثنان من الشباب ومعنا الدكتور لقمان وأبو ابراهيم حسين شحادة ، رجل كبير بالعمر ( عضو في المجلس الكوردي وهومن وجهاء عامودا ) وبعد قضاء حاجتنا وأثناء عودتنا سمعت أحدهم ينادي ( هفال … هفال ) لم نلتفت اليه كرر النداء هذه المرة هفال … برا ، ثم قال أحمد كرمي ، التفتنا نحن الثلاثة أنا والدكتور لقمان والعم حسين شحادة أبو ابراهيم كوننا نحن الثلاثة ننتمي الى نفس العشيرة وهو لفظ اسمي مذيلاً باسم العشيرة ، قال لي : أنت.. أنت ، بقينا نحن الثلاثة إلى أن وصل الينا وقال : ألست الذي كان يناقشني أول أمس أثناء المظاهرة ؟ قلت نعم كنا نحن الثلاثة مشيراً الى الدكتور لقمان والعم حسين شحادة وأخرون ممن كانوا معنا وهم هناك في القبو ! قال ومن فعل بك هذا وهو يشير بيده الى قدمي ؟ قلت له : اسأل رفاقك ! وكان هذا هو نفسه الذي كان يتفاوض معنا قبل ارتكاب المجزرة ، ثم قلت له : أنت أكثر الناس علماً بما حصل وأننا أبرياء ورفاقك هم المذنبون ، رد علي بالقول : سوف يخرج كل من لم تثبت عليه التهمة ، ثم اردف قائلاً ابقى هنا لحظة .. ذهب حوالي 50 متراً كان هناك رجل ضخم بلباس عسكري يقوم بتنظيف الدوشكا ، وقف أمامه وأصبح يكلمه ويشير بده نحونا ، ثم عاد الينا وقال : أحمد كرمي أنت تستطيع الذهاب الى البيت ! لا أعلم لماذا لكني لم أكن أرغب بالخروج ، فقلت له : هكذا بكل بساطة …. والبقية ؟ قال : هم أيضاً سيخرجون فرداً فردا … بعد استكمال التحقيق ! .
قلت له : قلت لا أستطيع المشي ، قال سوف أوصلك الى الطريق العام وهناك سيارات كثيرة وخذ هذه 100 ليرة لدفع ايجار السيارة ، قلت له وأغراضنا التي أخذوها مننا ؟ رد علي قائلاً هنا أخذوها أم في عامودا ؟ قلت : في عامودا ! قال سوف تأخذها في عامودا ! ثم أوصلني الى الباب الرئيسي الواقع على طريق عامودا – قامشلي ثم أوصى الحراس بأن يوصلوني الى الطرف الآخر من الطريق ، أوصلني أحد الحراس الجهة الأخرى جهة قرية ( هيمو ) ثم عاد الى الباب ، جلست على حافة الرصيف أنتظر سيارة اجرة تنقلني الى عامودا ، مرت سيارات عدة لم تتوقف ، طبعا لم أكن أطلب منها التوقف منتظرا سيارات نقل الركاب ( الفوكس ) ، مرت مجموعة من السيارات كانت خمسة سيارات متتالية وبعد حوالي خمسين متراً توقفت السيارة الأخيرة ثم رجعت الى الوراء وعندما وصلت الى المكان الذي أنا جالس فيه غلى الرصيف ترجل الأستاذ ابراهيم برو من السيارة ثم أخذ بيدي وساندني الى السيارة دون كلام ، وعندما نظرت اليه رأيته يمسح دموعه ثم حضنني وبعدما تحركت السيارة قال لرفاقه : الأخ أحمد كرمي رفيق في حزب آزادي ، سألني أحد رفاقه إن كان بقية المعتقلين في هذا المركز ؟ أجبته : نعم الجميع هنا وعددهم 45 خمسة وأربعون تقريباً ، عاد وسأل : وهل الجميع بخير ؟ نظرت اليه نظرة ثم قلت له نعم الجميع بخير أنا الوحيد الذي تعرض للتعذيب ، طبعا لم أخبره الحقيقة فالجميع تعرض للتعذيب ، ونحن بالطريق الى عامودا حيث كان الأستاذ ابراهيم ومجموعة من رفاقه ذاهبين الى مجلس عزاء الشهداء الستة الذين قضوا في المجزرة ، وردت مكالمة هاتفية الى الأستاذ ابراهيم ، وكانت هذه المكالمة من صالح مسلم الذي كان وقتها في تركيا ، وحسب الأستاذ ابراهيم بأن هذه المكالمة هي الثالثة من صالح مسلم وفي كل مكالمة كان يوعد الأستاذ ابراهيم بالعودة بعد ساعات من بوابة الدرباسية ، لكنه لم يوفي بوعده ، ونحن في السيارة لا نسمع ما يقوله صالح مسلم لكننا كنا نسمع الأستاذ ابراهيم وهو يقول : والله عيب عليكم هذه هي المرة الثالثة التي توعد وتخالف وعدك ، ويضيف : يبدو أنكم لا تملكون القرار وفي كل مكالمة تحكي بشكل آخر وكأنه هناك من يلقنكم الكلام ،ثم أردف : على كل حال الآن أحد ضحاياكم موجود معي بالسيارة وهو للتو خرج من معتقلكم في ( هيمو ) ، ثم بدأ يستمع برهة الى الهاتف وأقفل الخط ، وصلنا الى عامودا ، أتذكر وجهتهم الأولى كانت خيمة عزاء الشهيد ( سعد عبدالباقي سيدا ) قال لي الأستاذ ابراهيم لا تنزل من السيارة ثم جاء الأستاذ ( آكري سعدون ) هذا الرجل الخلوق الذي طالما كان أول انسان يتبوأ مسؤوليتي في العمل الحزبي عام 79 وله علي كل الفضل عدد من مجالات الحياة ، وأصلني الى المنزل ، منزلي الذي كان مكتظاً بالناس ، بداية مشاهدتي لهذا العدد من الناس انتابني خوف على ابني محمد ، لكن عندما دخلت الى داخل البيت رأيت ابني محمد ممدداً ويده ملفوفة بالشاش وأنفه كذلك ، حيث كانت يده مكسورة مع كسر في عظمة الرقبة ( الترقوة ) وتهشم في الأنف ، عندما شاهدوني الجميع أجهش بالبكاء ، لا أعلم هل بكوا من الفرح أن أنهم بكوا تأثراً بحالتي ، وقتها غيروا لي الملابس ثم أخذوني الى المشفى للمعالجة وبعد حوالي ساعتين عدنا الى البيت ، يومها توافد الناس الينا ، منهم للاطمئنان ومنهم من يسأل عن أبناءها المعتقلين ، أما بخصوص النهب والسرقة التي بها أثناء مداهمة المنزل فكانت كومبيوتر منزلي ( المعالج كاملاً ) أو كما يسمونه ( الكيز ) مركب عليه هارد عدد 2 – كرت شاشة – كرت تلفزيون – كرت دجيتال – وكانت جميع كتابات الأستاذ دحام عبدالفتاح محفوظة عليه ( خمسة كتب باللغة الكوردية وكتاب واحد باللغة العربية ) بالإضافة الى ذلك كتاب قيد المراجعة للشاعر الأستاذ صباح قاسم بعنوان ( ماردين ) أيضاً من جملة المسروقات هاتف نقال نوع نوكيا ومجموعة كتب كوردية منها دواوين شعر ومنها قواعد لغة كوردية وقواميس كوردي عربي اضافة الى بعض الكتب الأخرى مرتبطة بالتاريخ الكوردي ومجموعة مؤلفة من 26 كتاب من اصدارات رابطة كاوى للثقافة الكوردية ، ويا للعار قاموا بسرقة مطمورة ابني الصغير اضافة الى تلك الأغراض التي كانت بحوزتنا أثناء اعتقالنا مثل ( ساعة اليد والخاتم وبعض الدراهم ، كلها ذهبت ولم تعد ، هذا بالنسبة لي والأشياء المسروقة أما بالنسبة الى عائلتي فقد تعرضت جميعها الى الضرب دون استثناء بما فيهم زوجتي التي كانت لا تزال تعاني من آثار الضرب على جسمها ، أما بقية الشباب ( أبنائي ) فكان كل منهم عليه علامة أو جرح ، بعدها بأسبوع عندما عدت من المشفى حيث قمنا أنا وابني محمد بمراجعة الطبيب ، أخبرتني زوجتي بأن سيدة من الآبوجية أتت وكانت تريد رؤيتي برفقة اثنان من المسلحين لكنها لم تدع المسلحين يدخلون المنزل ، دخلت بمفردها تريد مقابلتي وعندما تأخرت انصرفت قائلة بأنها من الضروري أن تلتقيك وأنها سوف تعود لاحقاً ثم أردفت ( زوجتي ) قلت لها بانك ستكون موجوداً عندما تكون سيارته أمام الباب لانك لا تخرج مشياً غلى الأقدام ، بعد خمسة أيام عادت تلك المرأة ، طرقت الباب دون أن تدخل ، خبرني ولدي الصغير 12 سنة بأنها تلك السيدة ، خرجت الى الباب ، هي استأذنت بالدخول ، عندها ضحكت ساخراً وقلت لها : أمركم عجيب رفاقك داهموا البيت جماعيا دون حتى حرمة فراش النوم وأنت سيدة واحدة وتستأذنين الدخول ؟ قال بالحرف : كان تصرف فردي ، قلت بسخرية لكن مائة مسلح ليسوا فرداً حتى يكون تصرف فردي ، ثم انتبهت بأن معها عنصر مسلح ، قلت لها : لكن هذا المسلح لا يدخل مع سلاحه ، وقتها قالت له ضع سلاحك بالسيارة ، ذهب الى السيارة وعاد دون سلاح ، دخلا المنزل ، كان ذلك المسلح اسمه ( ابراهيم ) من قرية شيقني (شيخ كني) من عائلة علي سيوي وهوحديث العهد مع الأسايش ، وعندما جلست ويبدو أنها كانت تريد كعادتهم إلقاء محاضرة من محاضراتهم تلك التي تم تلقينها لهم وهم حفظوها ويلقونها على البسطاء ، قاطعتها بالقول : إن كنت أتيت لإلقاء محاضرة فأنا غير مستعد لسماعها ، أما إذا كنت تريدين سماع قصتي وما حدث لي أثناء وجودي بمعتقلكم حسب ما فهمت من زوجتي عندما أتيت المرة السابقة ولم أكن موجوداً بالبيت أو كما هي فهمت منك ، قالت : تفضل احكي ، قلت لها : هل أنت مكلفة من رفاقك بالتواصل معنا أم انها مبادرة شخصية منك ؟ طبعاً قلت لها هذا الكلام بعد أن عرفتني على نفسها بأنها مسؤولة عسكرية وهي من قرية شيخ كني من عائلة علي سيوي وهذا العنصر ابن عنها ومرافقها الخاص ، أما التكليف فأنا كلفت نفسي كوني مسؤولة عسكرية ، قلت إذا تريدين سماع ما حصل ، قالت نعم ، قلت إذا لا تخرجي من اطار الموضوع ( المجزرة ) ثم قلت اسألي ما بدا لك ! سؤالها الأول : هل تعلم من اعتقلك ؟ قلت : نعم ! قالت وتعلم من عذبك؟ قلت : نعم ولن أسامحه ما دمت أتنفس ! قالت : كيف تم مداهمة بيتك وما هي أشياءك التي تم مصادرتها ؟ قلت لها قصة المداهمة من أولها الى حين خروجي من المعتقل مختصراً ، أما قصة أشيائي أو حاجياتي فهي لم تصادر ، وانما سرقت ، لأن الأشياء التي تصادر … تصادر بموجب وصولات رسمية ، أما حاجياتنا فقد تم سرقتها من قبل رفاقك ولن أطالب بها تنفيذاً لقرار المجلس المحلي للمجلس الكوردي ، كان سؤالها الأخير : هل تعرف الشخص الذي دام بيتك وعذبك ؟ قلت نعم وها أنت تقولين لي اسم الذي كان يعذبني ، لأنني كنت أشك فيه وأنت ربطت العملين ( المداهمة والتعذيب ) بشخص واحد ، ابتسمت وقالت : وهل تعرفه سابقا ؟ قلت مجرد سماع الاسم انما معرفة شخصية فلا ! تنهدت لا أعلم لماذا أهو ارتياح أم تذمر ثم قالت : سوف نحاسبه بعدها شكرتني على قبول اللقاء واستأذنت وخرجت ، والى يومنا هذا لم تعد حاجياتي المسروقة ولا عادت تلك المسؤولة العسكرية ، أما محاسبة ذاك الشخص فقد تم نقله من عامودا بعدما تم تهديده من عدة جهات متضررة من أفعاله وخاصة بعد التهديد الذي تلقاه من عائلة أحد الشهداء …. ولله في مرتزقته شؤون.
أحمد كرمي – هولير
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…