هل أن حذاء كرة القدم أفضل من مداد القلم؟!

محمد مندلاوي
كي لا يترجم كلامي خطأً، أنا من متابعي مباراة كرة قدم، ومشجع فريق “برشلونة” الإسباني، وفي السبعينات القرن الماضي، حين كان فكرنا القومي الكوردي والكوردستاني غير ناضج كما ينبغي، كنت من مشجعي فريق نادي زوراء العراقي، لكن الآن لست كما كنت في السبعينات القرن الماضي، أي شيء يرسخ هوية المحتل العراقي، أو السوري، أو الإيراني، أو التركي البغيض لا اقترب منه قط، لأنه يجب أن يكون كل شيء عندي وعند أي مواطن كوردي وكوردستاني كوردياً وكوردستانيا 100%. مثلاً، لا أستطيع أن أشجع فريق كرة قدم عراقي، لأن لدينا فرقنا الكوردستانية المتميزة؟ لا أستطيع أن أصبح دمية للقوة الناعمة العراقية واستمع إلى أغاني ومسلسلات وأفلام عربية… وذلك بوجود أفلام ومسلسلات كوردية تنتج في كوردستان، وهكذا، يجب أن يستمع الكوردي إلى الأغاني الكوردية لمطربات ومطربي الكورد، لأن الاستماع إلى الأغاني العربية يؤثر سلباً على المنظومة الفكرية للمواطن الكوردي، لأن كلماتها منظمة بطريقة فنية تسحره وتلامس أحاسيسه وخلجاته، وتستعربه بمحض إرادته دون أن يشعر بذلك الخ الخ الخ. 
دعونا الآن نذهب لموضوعنا، إلا وهو وفاة صديقنا القديم الفنان والشاعر والكاتب والمحاور (حيدر الحيدر) الذي وافته المنية بعد إصابته بفيروس “كورونا” اللعين. لقد تعرفت عليه في بغداد في الربع الأول من العقد السابع في القرن العشرين. كنت حينه صاحب معمل “بلاستك” وكان جميع الأصدقاء الشباب الكورد يجتمعوا عندي في المعمل، ومن ضمنهم الأخ حيدر، وكان بيننا عربي واحد فقط من جنوب العراق يا ريته لم يكن بيننا، لأنه في النهاية انكشف على حقيقته العربية، ولم يكن صديقاً صدوقاً كما يجب، لقد سمعت أنه توفى، لكن قبل وفاته انخرط في ميليشيا الحشد الشعبي بعد أن كان في السبعينات القرن الماضي يسارياً أو الأصح متيسرا. كي أكون دقيقاً فيما أقول، حتى أن أصدقائي الكورد ومنهم حيدر لم يكونوا قوميون كورد، بل كانوا كورد فقط؟ لأن الكوردي إذا لم يكن قوميا بحق وحقيقة من الممكن جداً أن يهاجر بني قومه الكورد ويرتمي في حضن العرب ويسير في ركابه وينفذ مختطاتهم الجهنمية كشخص خائن لوطنه كوردستان ولأبناء جلدته الكورد؟. لقد حاولت مع أصحابي مراراً كي يصبحوا كورد قلباً وقالبا، إلا أني فشلت، وبقوا مصرون على خطأهم القاتل إلى الآن!، لكن منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. من الذي غادرونا إلى عالم اللا عودة هذه الأيام طيب الذكر (حيدر الحيدر).للأسف، أنه أحد الذين لم يرق له عام 1979 عندما اخترت اسم مهاباد لبنتي، وذلك تخليداً للمقاومة البطولية التي كانت تبديها الجماهير الكوردية الباسلة في مدينة مهاباد ضد قوات الاحتلال الإيراني التابعة للنظام الإسلامي الشيعي الجديد. بعد هذا التاريخ المذكور بعام، اعتقلنا النظام البعثي المجرم وسحب منا كل أوراقنا الثبوتية في مديرية الأمن العامة بالتهديد والوعيد، وأبعدنا عبر أراضي جنوب وشرق كوردستان إلى إيران، وانقطعنا عن بعضنا، حتى أواسط الثمانينات القرن الماضي سمعت حينها أن حيدر قد أسر من قبل الجيش الإيراني وموجود في إحدى معسكرات الاعتقال، لكني لم أتمكن أن التقي به في الأسر، وبعد مرور عدة أعوام هاجرت إلى أوروبا. وبعد انتهاء الحرب العبثية بين عراق وإيران فك أسره وعاد حيدر إلى العراق واتصلت به  وبالصديق المخرج المسرحي (حسين الحيدري) عدة مرات، للأسف، هو الآخر -حسين- وافته المنية قبل عدة أعوام. وبعد تحرير العراق على يد الجيش الأمريكي من سلطة المجرم صدام حسين وحزبه العنصري تكلمنا كثيراً وفي كل مرة كنت أنا المتصل رغم غلاء الاتصال في حينه، وبعد التطور التكنولوجي أصبح الاتصال بالمجان، لكن رغم هذا لم يتصل بي أحد من الأصدقاء القدامى في بغداد، فقط أنا كنت أتصل بهم دائماً، وحين أدركت أنهم ليسوا أهلاً لهذا الاتصال قطعته نهائيا. حتى أني كتبت ذات يوم رسالة مطولة للأخ حيدر شرحت له أموراً قومية كثيرة، وبعده كتبت عدة مقالات موجهه للكورد الشيعة، والكورد الفيلية، وكنت أعنيه شخصياً في عدة جوانب منها، إلا أنه بدل أن يشكرني على مجهودي نفر مني، وهذا دليل على ضحالة انتمائه القومي والوطني للكورد وكوردستان، فعليه قطعت علاقتي به بعد أن وجدته نسي لغته الكوردية، وسمى أبنائه بأسماء عربية نور وما شابه، وأصبح عراقچياً، أي يفضل العراق على ما سواه في أحاديثه وكتاباته الخ. وأصبح عضواً عاملاً في نقابة الفنانين العراقيين، وعضو في اتحاد المسرحيين العراقيين، وعضو في اتحاد الإذاعيين العراقيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الخ السؤال هنا، كيف بمثقف كوردي يقبل لنفسه أن يكون عضوا في هذه المؤسسات العراقية التي ذكرتها للتو؟؟!! المثقف الكوردي يجب أن ينتمي للمؤسسات الثقافية الكوردستانية فقط لا غير. بالمناسبة، لقد طلبت مني جهة عراقية قبل عدة أعوام أن أبعث لها اسمي الكامل وصورة شخصية لكي تصدر لي هوية صحفي أو كاتب، لقد امتنعت، ولم أبعث لها أي شيء، لأنه لا يناسبني كقومي كوردي أن أضع قدم في أربيل وقدم في بغداد التي لا زالت هذه الأخيرة تحتل نصف مساحة جنوب كوردستان وفي مقدمتها كركوك المغتصبة؟. كيف يسمح مثقف كوردي لنفسه أن يتعامل مع كيان لا زال يحتل أجزاءً من وطنه ويستعرب مدنه وقراه ويضطهد أهلها؟؟!!. للأسف، أن الجانب الأعظم من نتاجات الراحل حيدر الحيدر كان مخصصاً لتمجيد البلد العراق وليس لوطنه الأم كوردستان!!. 
عزيزي القارئ الكريم، فيما يتعلق بعنوان المقال، هو للمفارقة بين لاعب كرة القدم أحمد راضي، الذي استخدم حذاء كرة القدم بركل الكرة على المستطيل الأخضر، وفي أحسن الأحوال كان يسجل هدفا في مرمى الخصم يلهب به حماس جماهير كرة القدم لدقائق معدودة ومن ثم ينتهي الحماس وينتهي معه كل شيء. أكرر، أنا لا أنتقص منه، لكن الجانب الأكبر في مجهود لعبة كرة القدم يعتمد على الجسد وليس على الفكر؟. فلذا يقول المثل الدارج: أعطني ثوراً أصنع لك رياضيا. كما أسلفت، هذا ليس انتقاصاً لا من الرياضيين ولا من الرياضة، لكنه مثل، والمثل يضرب ولا يقاس. بينما (حيدر الحيدر) الفنان، القاص، المسرحي، الشاعر، الكاتب، الذي لم يستخدم عضلاته الجسدية لإبراز قدراته البدنية، بل استخدم منظومته الفكرية، ومداد قلمه المعطاء على المستطيل الأبيض (الورق) حيث ألف به الكتب، وأصدر الدواوين الشعرية، وكتب وأخرج المسرحيات، ومثل على خشبة المسرح، وأعد وقدم البرامج التلفزيونية الخ.  لكن حين رحل عن هذه الدنيا قبل أيام معدودة، لم تذكره قنوات التلفزة ووسائل الإعلام العراقية كما ذكر أحمد راضي، ولم تنصفه بكلمة رثاء، ولم يؤبِّنه أحد ما أو جهة ما في الكيان العراقي، ولم يثني عليه، كما أبِّن وأثنى على لاعب كرة القدم أحمد راضي الذي استخدم الحذاء المدبب على المستطيل الأخضر بركل الكرة في الهواء؟!. 
 ” إلهي… ما أصعب الأيام التي تحولت فيها الرياضة إلى حرفة، والدين إلى مهنة” (جلال عامر)
26 06 2020
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…