نداء الخيانة العروبي الداعي إلى تقسيم سوريا

 د. محمود عباس
  بين الوطنية والخيانة موقف، وبين الحفاظ على الكرامة وهدرها خطوة، وكنا نتمنى ألا يجتاز الحراك العربي هذا الفاصل، ويستمع إلى الخطاب الكوردي الوطني، ولكن وللأسف عبثت بها في السنوات الأخيرة شريحة واسعة من السياسيين والمثقفين العروبيين بدون أن تنخزهم ضميرهم، مثلما كنت منهجية الأنظمة العروبية السورية في العقود الماضية. وقد كانت مفاجئة لنا ككورد، أن ينشر الحراك العربي، بينهم من أبناء منطقتنا الكوردية، وبشكل فاضح بيانات الكراهية، والنداء الغارق في الضحالة الثقافية والمغلف بالخباثة السياسية، الموجود الآن بين أيدينا، الصادر تحت عنوان (نداء من أجل تحالف عربي ديمقراطي في الجزيرة والفرات) في هذه المرحلة الحساسة والتي يحاول الحراك الكوردي إيجاد الحلول المنطقية للوطن السوري، ولشعوبها المنهكة. والغريب أنه كلما عرض الشعب الكوردي أسس العلاقات الوطنية والأخوة بين الكورد والعرب، تقفز هذه المجموعة للطعن فيه، والمؤلم أنه بينهم شريحة واعية من المعارضة، وكأنه هناك من فرض عليهم مخطط السقوط المدوي في مستنقع المقارنة مع النظام الإجرامي، وليحكم على المكون العربي النزيه مع حامل راية المعارضة الفاسدة بالخيانة أمام الشعب والوطن.
  يحيرنا وجود العديد من الإساء الموقعة على التصريحات الحقدية وبيانات الكراهية، وأخرها النداء المنوه إليه، وهم مجموعة معروفة بوطنيتها؛ في الوقت الذي كان عليهم أن يقفوا في وجه هذه الموجة من الكراهية تجاه الشعب الكوردي، وأن يكونوا مع الكورد في الدفاع عن الوطن والأخوة الكوردي العربية. وتبقى ضبابية الأسباب الدافعة لموافقتهم السماح لعراب البيان والنداء تلطيخ اسمهم في المستنقع المذكور محل غرابتنا، مثل الغرابة التي دفعت بهم لتتبع هذه الثلة الانتهازية والشريحة المرتزقة والتوقيع على بيانهم الغارق في لغة الكراهية، وموافقتهم على نداء الخيانة الذي بين أيدينا. وهو ما جعلنا نتأكد على أن جدلية خيانة الأمة والوطن أصبحت حقيقة دامغة، وخلفها تقف قوى إقليمية كتركيا وبعض الدول العربية. 
  وكنا نتمنى أن ننبه هذه الشريحة التائهة ما بين الوطنية والارتزاق، بعدما اقتنعنا أنهم يتناسون ربما لعوز ما، بأنه إذا كان التاريخ سيحكم على بشار الأسد وإدارته كمجرمي حرب، بذمتهم دماء نصف مليون سوري وتدمير نصف الوطن وغيرها من الأحكام، فإن الشعوب السورية والعربية ستحكم على المعارضة السورية وفي مقدمتهم رعاة البيانات المنوهة إليها والموقعون عليها وبينهم المجموعة التي كانت تصرف كمواطنين شرفاء، بالخيانة العظمى، وبيع الوطن إلى القوى الإقليمية، ومعه كرامة الإنسان السوري. وفي موازين القيم والأخلاق المجرم يقتل، ولكن الخائن يلعن على مدى التاريخ.
 يتناسى رعاة البيان والنداء، أنه ما بين الحراك الكوردي والعربي، هوة واسعة من المصداقية، يقف المكون العروبي في الجانب الذي تم فيه بيع القيم الوطنية في أسواق النخاسة وكان هو المتاجر الأول به، والمبان نفاقه يوم حاول اللعب على وتر الأخوة الكوردية العربية، وفي المنطقة الكوردية التي عنونوا بها ندائهم، وبان كذبه عندما أدعى بأنه يدعم الثورة السورية بشعاراتها الأولى، (الشعب السوري واحد، والوطن للجميع) وظهر عهره للقوى الإقليمية بعد مرحلة تحريفهم للثورة وتسعير الحرب المذهبية في سوريا.
  كما وتبين أنه كلما أقترب الكورد من حقوقهم تصاعدت موجات العداوة ضدهم من المكونين العروبي التكفيري والمستعربين، واختفت الشعارات الوطنية المليئة بالكذب والنفاق. والغريب أننا نحن الكورد حتى في أقوى لحظاتنا مثلما في أضعفها لم نتخل عن المفاهيم الوطنية والأخوة ودافعنا عنها بصدق، بعكس أغلبية المكون العروبي، الذي رفض ذكر أسم الكورد في حالة القوة، متباهيا وبعجرفة بمسيرة الكراهية التي استمرت على مدى نصف قرن وأكثر، بدأت من سلطة البعث والأسدين إلى بدايات ظهور المعارضة الفاسدة على الساحة السورية، يوم كانت تحصل على الدعم الدولي، واليوم أظهروا أنهم في حالة اليأس والضعف، من خلال البيانات والنداء المتوافقة مع  إفرازات النظام المجرم نفسه، وتكرارهم لما كانوا يفعلونه سابقا أيام كانوا أبواق النظام، لكن بصيغة أخرى ولغة أكثر انحطاطا، وكنا نتمنى أن لا يزلوا غطاء النفاق عن ذاتهم ويستمروا في رفع شعار الأخوة والدفاع عن الوطن معا.
   لكن ومن المؤسف بانت عوراتهم، وفي مقدمتها خيانتهم أمام كل من أطلع على نص النداء كما في البيان السابق وبشكل جلي، وتتبين أنه لخلفياتها دعوة إلى الانفصال، وتوجه لإقامة دويلة مصغرة على جغرافية ثلاث محافظات، لبيعها في أسواق الخيانة لتركيا العثمانية، مثلما باع المكون الشيعي العراق لإيران الصفوية، ومن الغرابة أننا اليوم ورغم كل هذه الخيانات نقف أمام الصمت العربي، بل والأغرب لا تزال شريحة واسعة من هؤلاء الخونة يحصلون على الدعم المادي، ولا يستبعد أن تكون هذه من ضمن الأسباب التي تدفع بالقوى النزيهة السكوت عن الحق، والتي وإن طالت سكوتها فحديث الرسول الكريم حكم مطلق، سيدرجون كالشيطان الأخرس، علما أن الخيانة الوطنية أحط دونية من سوية الشيطان حتى في الحكم الإلهي.
   الخيانة قبل الأبلسة تتبين من خلال لغة النداء الملتوي والمليء بعبارات الوطن والعروبة، والمبان على أن عرابيه يطمحون إلى الاحتماء والانضمام لتركيا ونبذ سوريا-دمشق، وفي هذا السياق لم تسعفهم المصطلح العرضي عن الأخوة الكوردية العربية، كما ولم تغطي على الكراهية الساذجة ضد الشعب الكوردي، فالاسم المنمق على انهم يمثلون (التحالف العربي الديمقراطي) وتفخيم ذاتهم بمجمل غريبة المعاني على أنهم (كإطار موسع، فوق سياسي، عابر للإيديولوجيات، يضم خيرة الكفاءات وأصحاب الخبرات والشخصيات الوطنية العربية السورية) تبين عن ضحالة الوعي، وسذاجة التفكير، والجهالة السياسية، وبالتالي كراهيتهم للشعب الكوردي تجلت بكل بشاعتها، ولم تسعفهم مصطلحاتهم الملتوية والغارقة في التحايل على المكون السرياني والذي تم تذويبه منذ أن هيمن العنصر العروبي التكفيري على سوريا، وكتبوا الدستور بخط واضح وصريح أنه لا حق للمسيحي أن يكون أكثر من مواطن مهمش، ومن المؤسف أن البقية الباقية من هذا المكون السوري العريق أصبح عروبيا مستعربا أكثر من العربي ذاته، ونسي ذاته ولغته وقوميته دون إحساس بالذنب. 
 أخطر ما تفوح به النداء، محاولة اقتطاع المحافظات الثلاث، وضمها إلى تركيا، بعد إقامة كيان مدعوم من الخارج، وهي تعكس رغبة الخبثاء الانتهازيين المتلاعبين بعقول الجهلاء من المكون العربي في المنطقة، ووجه الغرابة هنا أن النص واضح في هذا التوجه، مع ذلك وافقت عليها المجموعة المثقفة الوطنية، وسقطت مع قائمة الموقعين على نداء الخيانة الوطنية هذا! إشكالية يدعوا إلى البحث عن الخلفيات والدوافع، وهذا ما يتوجب على المكون العربي الوطني والقبائل التي تحمل الروح الوطنية العربية أو السورية، الوقوف في وجه هؤلاء الخونة، وإلا فهم سيحاكمون على تقاعسهم وسكوتهم.
  فعلى المجتمع السوري أن يعلم أنه مثلما تبين في بيان الكراهية العروبي السابق، ظهر في النداء وبصريح العبارات؛ دعوة إلى ماضي مطالب المستعمر الفرنسي يوم أرادت تقسيم سوريا إلى خمس دويلات، وغيبت حقوق الشعب الكوردي، فقط أنهم هنا يخيرون ما بين الانضمام إلى تركيا أو سوريا المركزية كدويلة قائمة بذاتها أو كونفدرالية، وما بين الحالتين نزعة التجزئة مرجحة لصالح تركيا، وضمها كمقاطعة ثانية إلى الجغرافية العثمانية، مثلما يتم اليوم في عفرين والباب وجرابلس وإدلب، ومثلما تمت في اسكندرونه، ونحن هنا نتحدث عن المنطقة الكوردية تاريخيا وحاضرا، ولربما الظروف الاقتصادية في سوريا تساعدهم لإقناع المكون العربي في المنطقة على أن سوريا ستنهار، فيما إذا تمكن الكورد من إدارة منطقتهم وحصلوا على حقوقهم، ولذلك لا بد من الاستقواء بتركيا القوية كمنقذة، وإلا فإن الحراك الكوردي سيتمكن من إقامة نظام فيدرالي في المنطقة. والواقع الجاري في المناطق المحتلة من قبل تركيا واضحة، من حيث التعامل مع الشعب الكوردي في البعد السياسي، واستخدام العملة التركية كبعد اقتصادي؛ وتدريس اللغة التركية كمجال ثقافي، وتوسيع المحاكم التركية، وغيرها. وليت أصحاب النداء والبيان تمسكوا ببيع الوطنيات العروبية ووضحوا بصريح العبارات على أنهم يطالبون بإقامة (دولة الجزيرة والفرات) ويريدون ضمها الى الجامعة العربية كالدولة الثالثة والعشرون من بين الدول العربية، لئلا ينجروا إلى حقول الخيانة الوطنية، لصالح تركيا، فقط لئلا يتمكن الكورد من الحصول على حقوقهم القومية، والغرابة أنهم يرفضون كل أوجه الوطن والوطنية مع الشعب الكوردي، وللأسف هذه الثقافة العنصرية غرزتها فيهم السلطات العربية المتتالية، ولربما يحتاجون إلى عقود للتحرر من هذا الوباء الثقافي.
  وجه الغرابة في البيان، أن حلم القائمين على النداء، لم تغطي على تغط على مخطط منظمة داعش في السنوات الماضية، وهي إقامة دويلة عربية إسلامية ما بين العراق وسوريا، الحلم بدولة الخلافة الإسلامية، وهنا اختلفت الأسماء، والقائمون على رأس العمل، ولكن تتبين أن الغاية هي ذاتها، والداعمون هم نفسهم، إما بشكل واضح كبعض القبائل العربية التي لا تزال بينهم شريحة واسعة من الخلايا النائمة لتلك المنظمة، أو بشكل غير مباشر لتركيا، الداعمة لهذا المخطط من كل النواحي، وهنا ربما نبعد سلطة بشا ر الأسد عن العملية، والذي يعمل على مخطط مشابه لا يقل عنها عنصرية وخباثة، والذي تبين من خلال أجوبة وزير خارجية النظام وليد المعلم ونداءه للمكون العربي بالانشقاق من قوات قسد ومحاربتها وهم جاهزون لدعمهم لقتال القوات الكوردية ضمن قسد، وهي أخطر دعوة يمكن تصورها، وتعني توسيع وديمومة الصراع في سوريا، ونقلها من الصراع المذهبي إلى الصراع القومي بين الشعبين العربية والكوردي، ولهذا نهيم بالشعب العربي الأصيل، والوطني الصادق مع منطق الأخوة الكوردية العربية الوقوف في وجه هذه المخططات القائمة على الخيانة والكراهية والعنصرية. 
  من خلال كل ما نشر وقيل، لم يعد هناك من شك أن سوريا متجهة نحو التقسيم، وعرابها شريحة من العروبيين التكفيريين الذين يفضلون تركيا الأردوغانية على سوريا الوطن، والحراك الكوردي هو الوحيد الذي يقدم النظام المحافظ على وحدة سوريا، والأخوة بين الكورد والمكونات السورية الأخرى وبينهم العرب، فالنظام الفيدرالي بسوريا لا مركزية هو الحل الوحيد الذي يمكن وضع حد للخيانة وتقسيم سوريا. فاسمعوا وانتبهوا أيها العرب الشرفاء ما يقوله الكورد، وما يفعله الخونة العروبيون.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
25/6/2020م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…