العبرة في النهايات

إدريس عمر 
  بعد مرور عامين من عمر( الثورة) السورية أي عام 2013، أسّسَ حزب الاتحاد الديمقراطي إدارة ذاتية، وفرض سلطة أمر واقع بمفرده وبقوة السلاح، لم يعترف المجلس الوطني الكردي بالإدارة الذاتية، ولم يشارك فيها بسبب رؤيتهما المختلفة بشأن مستقبل الكرد في سوريا. رافق تلك السنوات حملات اعتقال وترهيب ونفي وقتل بعض النشطاء والحزبيين من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وحملات إعلامية تشهيرية وتخوينية وجهّها كل طرف الى الآخر، ومازالت مستمرة إلى يومنا هذا…! 
   خلال تلك السنوات كانت هناك دعوات ومطالبات مستمرة من معظم فئات الشعب الكردي، وبالأخص المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي من الطرفين بحل الخلافات بينهما والاتفاق على رؤية مشتركة وموحدة لعدم تفويت الفرصة الآتية للشعب الكردي لحصوله على حقوقه التي ناضل من أجلها عقود من الزمن.
هنا يجب تذكير دور رئيس اقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني، وبذله جهوداً جبارة لعقد اتفاقيات بين الطرفين ووضع خارطة طريق لكرد سوريا من خلال (اتفاقيات هولير 1، 2 ودهوك) لكن للأسف كلما عاد الاتحاد الديمقراطي ووضع قدميه على أرض كوردستان سوريا، ضرب كل الاتفاقيات عرض الحائط، ولم  يلتزم بما اتفق عليه الطرفان، ولم يحترم تواقيعه واستمر بانفراده في السلطة. 
نتيجة العقلية الايديولوجية الضيقة والسياسات الاستفزازية والشعارات البراقة لحزب الاتحاد الديمقراطي حصلت تطوّرات دراماتكية لعدم تكافؤ القوى وبتوافق دولي خسرت كوردستان سوريا ثلاث مدن استراتيجية احتلت من قبل تركيا الاردوغانية الفاشية تجاه الكرد (عفرين وسره كانية وكري سبي) والمناطق الكردية الأخرى مازالت مهددة من قبل تركيا التي ترفض سلطة الاتحاد الديمقراطي على حدوده الطويلة بحجة علاقته مع العمال الكوردستاني …!
بعد أن تخلّى الجميع عن الكرد وردت مبادرة إيجابية من الجنرال مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية بنبذ الخلافات وترتيب البيت الكردي، وتوحيد الرؤى والمواقف، لاقت المبادرة الترحيب من جميع الأطراف والأوساط، وبعد انقطاع دام ست سنوات بين الطرفين، عادوا ثانية إلى طاولة الحوار بتوسُّط من الجنرال وبرعاية أمريكية، وتشجيع ودعم من المرجعية الكردستانية السيد مسعود ورئيس الاقليم نيجيرفان بارزاني.
بعد ثلاثة أشهر من الاجتماعات تكللت تلك الحوارات برؤية سياسية مشتركة تم الاعلان عنه في مؤتمر صحفي بمدينة الحسكة باللغتين الكردية والعربية وكلمة نائب المبعوث الامريكي الخاص للتحالف الدولي السفير وليام روباك بالانكليزية وتم التأكيد على أخذ مقررات اتفاقية دهوك 2014 حول الحكم والشراكة في الإدارة والحماية والدفاع أساساً لمواصلة الحوار والمفاوضات الجارية بين الوفدين بهدف الوصول الى توقيع على اتفاقية شاملة في المستقبل القريب.
اعتقد أن المجلس قدّم تسهيلاتٍ وتنازلاتٍ لكيلا تفشل المبادرة خاصة بشأن الأحزاب المنضوية تحت خيمة الاتحاد الديمقراطي المسمية نفسها بأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، وتعامل بمسؤولية عالية، وكان خطابه أكثر مرونة من خطاب الدار خليل الذي صرّح أن الحوارات توقفت، قبل الإعلان بيومين، لكن المجلس تعامل بمسؤولية ووضع مصالح الشعب فوق مصالحها الحزبية، وتماشى مع الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة التي تقضي بمواصلة محاربة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والحد من التوسع الايراني (الهلال الشيعي) في المنطقة،  وعدم ترك سوريا لقمة سائغة بيد الروس، وقطع حجج تركيا بأن المنطقة تديرها فرع من حزب العمال الكردستاني. وليظهروا دورهم كقوى عظمى هم من يضعون اللمسات الأخيرة لأيّ حلّ للمشكلة السورية ولاسيما بعد تطبيق قانون سيزر وفرض العقوبات على رأس النظام والدول التي تتعامل معه وعدم السماح لإعادة الإعمار من دون تسوية شاملة تبعد رأس النظام عن المرحلة الانتقالية..! في المرحلة الماضية أثبت الكرد بأنهم الحلفاء الاستراتيجيون لأمريكا والغرب في المنطقة وأثبتوا أنهم رجال مقاتلون شجعان، وذلك من خلال محاربتهم تنظيم الدولة الاسلامية والقضاء عليه.
إن الإعلان عن التفاهم الاولي أدخل البهجة والسرور إلى قلوب الكرد في كوردستان سوريا، وخلقت أجواء مريحة  تقلّل من الاحتقان الموجود بين الأطراف السياسية، وبين مؤيديهم من الشعب الكردي. وخوف ضمني ومشروع من تكرار ماجرى في الماضي من عدم الالتزام …حلم كل كردي أن يتفق الكرد ويوحد رؤاهم لان في وحدة الكرد قوتهم وهكذا يستطيع الكرد أن يحقق مطالبهم المشروعة وسيتلقون الدعم من أصدقائهم، أم إذا بقي الكرد مشتتاً فلن يحصل على ما يطالبونه، وسيضيعون الفرصة التاريخية مرة أخرى…!
في الطرف الآخر نرى خوفاً من التقارب الكردي – الكردي ويتم محاربته من قبل إعداء الكرد، تركيا وإيران والمعارضة السورية، والكلُّ متفق على أن لا يصل الكردي إلى الحرية أصدروا التهديدات والبيانات، وتزامن مع هذا الإعلان قامت تركيا وإيران بقصف مناطق في كوردستان العراق بحجة محاربة العمال الكردستاني والديمقراطي الكوردستاني –ايران. وأصدر أكثر من 700  شخصية سورية  بياناً يهاجمون التقارب الكردي -الكردي ويدّعون انهم  من منطقة الشمال شرق سوريا وهذا ادعاء لا أساس له من الصحة لأن بينهم شخصيات من حمص ودمشق ومناطق اخرى، وبعضهم رموز من المعارضة السورية يتهمون الكرد بالانفصاليين وانهم يحاولون تقسيم سوريا. نستطيع القول إن هؤلاء ليسوا أفضل من سيّدهم بشار الاسد أنهم شوفنيون حتى العمق وبعثيون، ولم ينتظروا كي يروا مخرجات ونتائج هذا الاتفاق. وليحكموا بعدها أن كان من أجل تقسيم سوريا أم من أجل وحدته..! وللأسف هناك منهم من يُدرس في أرقى الجامعات الأوروبية ويعيش في دول ديمقراطية لكنه ضد أبسط حقوق الكرد، ويرفض الفيدرالية التي تحافظ على وحدة البلاد. انهم يصابون بالعمى عندما يتعلق الامر بالكرد وحقوقهم، ويصبحون آميين لايفرقون بين الفيدرالية والدولة المركزية…! 
لذا نحثُّ الأطراف الكردية أن تضع ضرورات المرحلة أمام أعينها، وتصل إلى اتفاق نهائي شامل يتضمّن تشكيل قوة عسكرية واندماج القوتين  بيشمركة روج وقوات الـ ي ب ك بقيادة مستقلة تحمي المنطقة، وتحافظ على أمنها بعيداً عن الاحزاب وتشكيل إدارة جديدة للمنطقة يكون فيها تقاسم للسلطة والثروة وبمشاركة مختلف فئات الشعب والمكونات الأخرى في المنطقة خاصة الأزمة السورية تتجه نحو تسوية سياسية، وهناك محاولة لكتابة دستور جديد للبلاد ومرحلة انتقالية تمهيدا لإجراء انتخابات ديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة، وعندها مَنْ يصوّت له الشعب يحق له استلام السلطة وإدارة الامور. وقطع الطريق على اعداء الكرد ومايخفونه من الشر لنا والمحاولة على القضاء المكتسبات التي حققها الكرد  نقول لكم:
 استمروا في مسعاكم عاجلاً وليس آجلاً.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…