علي تمي
أجرى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، 8/6/2020 اتصالًا هاتفيًا مع نظيره الأمريكي، دونالد ترامب. وتناول الاتصال التطورات الإقليمية وعلى رأسها الأزمة الليبية إلى جانب القضايا الثنائية ذات الاهتمام المشترك. وكان أردوغان قد أعرب عن قلق بلاده من الأحداث الأخيرة التي وقعت في أمريكا، واتفقا خلال اتصالٍ هاتفي على مواصلة تعاونهما الوثيق بشأن إحلال السلام والاستقرار في ليبيا وسوريا. هذا المعلن، أما الوجه المظلم للاتصال هو إعلان أنقرة عن عملية جوية واسعة ضد مواقع الحزب العمال الكُردستاني في سوريا والعراق (مخلب النسر) بعد أيام من الاتصال الهاتفي. وما فسره المراقبون بحصول الأتراك على ضوء أخضر أمريكي تحت اسم(مخلب النسر) فانتهت العملية خلال ساعات فقط بعد قصف أكثر من 40 موقعاً للحزب المذكور في سوريا والعراق. وكانت بمثابة رسائل أمريكية ملغومة لقيادات (قسد ) لحثهم على الانضباط و عدم المناورة واللعب مع النسر الأمريكي.
ماذا سيحصل إن فشلت المفاوضات الكُردية- الكُردية؟
المفاوضات الكُردية – الكُردية والنفق المظلم
عقد منذ أيام لقاء جديد بين وفدي المجلس الوطني الكُردي وحزب “الاتحاد الديمقراطي” وبحضور “وليام روباك” وقيادة “قسد “. سرعان ما استنجدت قيادة هذا الحزب بالطابور الخامس وإدخالهم على الخط بهدف عرقلة سير المفاوضات التي انتقلت إلى المرحلة الثانية بعد وصولهما إلى التفاهم حول وثيقة سياسية مشتركة. ويرى المراقبون أن دخول وفد (الطابور الخامس) على الخط ومشاركتهم بشكل مفاجئ في المرحلة الثانية من المفاوضات كان عملاً استفزازياً ضد المجلس الوطني لإجباره على الانسحاب، وبالتالي تحميله مسؤولية فشل المفاوضات الكُردية أمام الرأي العام. لكن بالأساس اتفقت قيادة الاتحاد الديمقراطي في الجلسات الأولى مع وفد المجلس بأن هذه المفاوضات هي حصرية بين كتلتين سياستين فقط ( الاتحاد الديمقراطي و المجلس الوطني الكُردي) ولا مانع من أن يقوم كل طرف بتوسيع وفده من 5 إلى 7 أشخاص. وأن يختار كل طرف الشخص الذي يراه مناسباً ليمثله في المفاوضات الكُردية بغض النظر عن اسم حزبه وتوجهه السياسي، لكن إدخاله وفد مستقل يمثل أحزاب (الحركة الوطنية الكُردية في سوريا) كان عملاً استفزازياً ورسالة واضحة الى الأمريكان بأن جناح الاتحاد الديمقراطي الموالي لإيران لا يرغب لهذه المفاوضات أن تحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع، لأن ذلك يهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. استفزاز واشنطن بالتزامن مع قرار واشنطن بفرض العقوبات على النظام السوري وكل من يساعده ويقدم له الدعم، وذلك في 17 هذا الشهر، سارعت قيادات الاتحاد الديمقراطي الموالين للمحور الإيراني في المنطقة إلى تغذية اقتصاد النظام والمساعدة في وقف انهيار الليرة أمام الدولار. فتمثل هذا الدعم من خلال حالة إسعافية وإدخالهم المئات الصهاريج التي قدمت إلى “القامشلي” من مناطق الداخل والساحل استعداداً لتعبئة النفط ونقله لمصفاتَيْ “حمص” و”بانياس” التابعتين للنظام السوري. وبالإضافة إلى رفض التعامل في مناطق سيطرة (قسد) إلا بالليرة السورية، وهذا ما يتناقض مع رؤية واشنطن الاستراتيجية في سوريا من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على النظام لإجباره الذهاب إلى جنيف والجلوس على طاولة المفاوضات مع المعارضة السورية لإقرار دستور جديد وفق قرار 2254. ومن جانب آخر ، بدا أن واشنطن تراقب الوضع عن كثب في ( شرق الفرات وإدلب) ولم يرضيها ما يقوم به “الاتحاد الديمقراطي” من الدعم العلني للنظام السوري، واعتبرتها عملاً استفزازياً لسياستها في سوريا لكن بصمت ودون ضجيج. وما الاستهداف المفاجئ لقيادات (حراس الدين) في إدلب منذ يومين الإ فقدان واشنطن السيطرة على صبرها تجاه الجماعات المسلحة ( غير منضبطة)، و يستغل خصومها الفرصة لاختبار حدود قوتها وصبرها في المنطقة. وبناءً عليه جاءت (مخلب النسر) ليحرق الأرض والسماء خلال ساعات قليلة، وتقدم واشنطن لأنقرة معلومات استخباراتي ة بهدف الانتقام من كوادر ( العمال الكُردستاني) الذين يدخلون من البوابة الأمريكية ويخرجون من النوافذ الإيرانية، وهنا تكمن المصيبة الكبرى التي من المحتمل أن تقع على الكُرد في سوريا والعراق. ماذا سيحصل إن فشلت المفاوضات الكوردية – الكوردية؟ استمرار المفاوضات ونجاحها بين المجلس الوطني الكُردي والاتحاد الديمقراطي هو مطلب شعبي متعلق بالمصلحة العامة، ويلقى ترحيباً واسعاً بين الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية، وهذا لا جدال عليه، لكن ماذا لو فشلت المفاوضات؟ إن فشلت المفاوضات ( لاقدر الله) والسيناريوهات المحتملة، ستمنح واشنطن لأنقرة الضوء الأخضر ومعلومات استخباراتية لاجتياح جديد لكوباني والدرباسية وعامودا ، ومع خروج الناس يوم أمس الاثنين إلى الساحات في المناطق الكُردية في سوريا رافعين صور ( أوجلان) هو مؤشر ( مخيف) واللعب بالنار من خلال استخدام ورقة الأبرياء في الشوارع لتوجيه الرسائل إلى من يهمه الأمر. وتبين للجميع بأن هذا ( الحزب ) لا يملك القرار في شرق الفرات، وبالتالي ربما يصبح ( كبش الفداء ) في اللعبة المرتقبة وسيتزامن مع ذلك اجتياح الجيش التركي المحتمل) للمناطق الحدودية المحاذية مع تركية داخل إقليم كُردستان وربما تشارك قوات البيشمركة في إخراج ( العمال الكُردستاني) من داخل الحدود العراق السياسية وستسعى أنقرة إلى قطع طريق (سيمالكا) الحدودي بين سوريا وإقليم كُردستان لإغلاق البوابة الخلفية لكوادر الحزب العمال الكُردستاني في سوريا، ومنعهم من التحرك. وبالتالي سيدخلون بين مطرقة نيران الأتراك وسندان الجيش العراقي، وبدعم جوي أمريكي رغم محاولة ( مظلوم عبدي) إبعاد العراق عن السيناريوهات المتوقعة في زيارته الأخيرة إلى بغداد، إلا أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن. ومن المحتمل أن يتحرك الجيش العراقي في الوقت الذي يراه مناسباً نتيجة الإتفاق الذي حصل مؤخراً بين رئيس جهاز الاستخبارات التركية في بغداد مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بحضور امريكي واللقاء مع شخصيات سياسية وقادة مليشيات الحشد الشعبي، فضلاً عن اجتماعات مع مسؤولين أمنيين إيرانيين. ولم تعلن الحكومة العراقية حتى الآن عن الزيارة التي أجراها رئيس المخابرات التركية (هاكان فيدان) إلى العراق الأسبوع الماضي التي تزامنت مع انطلاقة جلسات الحوار الاستراتيجي العراقي – الأمريكي. وفي المحصلة، إن نجح “الاتحاد الديمقراطي” في استغلال الفرصة الأخيرة التي منحها له المجلس الوطني الوطني الكُردي لإخراجه من النفق المظلم الذي وجد نفسه فيه نتيجة سياسته الهمجية في المراحل السابقة سيكون حكمة وسياسة العقل والمنطق ، سيسجل له التاريخ بحروف من الذهب. أما إذا عاد إلى سياسة الخداع والمناورة واللعب على التناقضات الإقليمية والدولية وتحريك الأبرياء في الشوارع سيكرر المشهد نتيجة الفخ الذي نصب له مجدداً كما حصل في 1999 مع ( أوجلان ) معروفة لديهم بــ( المؤامرة الدولية) سيدفن التاريخ تضحيات الآلاف من الشهداء في البراري وإلى الأبد التي ستذهب ( سُدًى ) وسيلعن التاريخ ( قيادات الحزب ) فرداً فرداً .