نظام مير محمدي*
في 21 مايو 2020، وقعت جريمة بشعة في منطقة تسمى “تالش” في شمال غرب محافظة كيلان. وسرعان ما جذب هذا الحدث المأساوي اهتمام وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني وأهالي المنطقة، وبعد بضع ساعات، علم الناس في جميع أنحاء إيران بوقوع هذه الجريمة المروعة.
وخلاصة الموضوع هو أن فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا تدعى رومينا أشرفي، طلبت الزواج من رجل ييلغ من العمر 29 عامًا لكي تنقذ نفسها من العنف الشديد الذي يمارسه والدها. وبالتنسيق مع الشخص المذكور ذهبت إلى منزل أحد أقاربه. وبموجب شكوى تقدم بها والد رومينا، تمكنت الشرطة من القبض على حبيبها بعد خمسة أيام من هذا الحادث. وبناءً عليه، تم اصطحاب رومينا أيضًا إلى قسم الشرطة ثم تم تحويلها إلى النيابة العامة في المنطقة. ونظرًا لصغر سن الفتاة حكم القاضي الذي ينظر في القضية بتسليمها إلى والدها للعناية بها بموجب ما تنص عليه القوانين الدينية.
وطلبت رومينا المراهقة من القاضي وهي تبكي بكاءً حارًا وتئن ألا يسلمها إلى والدها لأنه سوف يقتلها، غير أن القاضي لم يول اهتمامًا بما قالته الفتاة المضطهدة وسلمها إلى والدها عنوة.
وكما تنبأت رومينا؛ استغل الأب السلطة التي تخولها القوانين الدينية وقتل نجلته في مساء نفس اليوم بطريقة مأساوية مستخدمًا المنجل الزراعي. وأفاد شهود العيان في المنطقة أن الوالد خرج من المنزل حاملًا المنجل الدموي في يده بعد ارتكاب الجريمة واعترف بقتل نجلته.
وقال سكان المنطقة أن والدة رومينا أصيبت بصدمة عنيفة بعد ارتكاب الجريمة لدرجة أنها تفقد الوعي بشكل مستمر، وبعد استرداد وعيها مرة أخرى تتذكر نجلتها القتيلة ولا تتوقف عن الصراخ والعويل.
ومن المؤكد أن أي إنسان يسمع بهذه الكارثة الإنسانية البشعة يرتعد ويشعر بعذاب الضمير، ويتساءل بين نفسه، لماذا تحدث مثل هذه الجرائم اللاإنسانية البشعة؟
ورأى الجميع في هذه الجريمة المروعة منجل والد رومينا الدموي وألقوا باللوم الشديد عليه. ومن الطبيعي أن يتساءل العقل تلقائيًا عن نوعية هذا الوالد الذي قتل نجلته الشابة بقسوة بهذه الطريقة البربرية مستخدمًا المنجل، كما يتبادر إلى الذهن العديد من الأسئلة الأخرى من هذا القبيل. بيد أن المنجل الدموي الحقيقي يختفي وراء منجل الوالد القاتل الذي يراه الناس، نظرًا لأن هذا الأب البالغ من العمر 37 عامًا هو نفسه ضحية نظام فاشي دفعه إلى ارتكاب هذه الجريمة البشعة.
ومن الواضح أن الأسئلة المنطقية والطبيعية حول السبب في هذا القتل لا مبرر لها. حيث أن البحث في هذه المادة القانونية أو تلك، ودراسة مادة ما تنص على شيء ومادة أخرى تنص على شيء آخر؛ يقوم على الضلال والتحايل ولن تطرق المسار الصحيح ولن تقود إلى الهدف المنشود وكأننا نبحث عن إبرة في كوم قش، أو نبحث عن ينبوع مياه نقية في الصحراء الجافة الشاسعة، خاصة وأن وسائل الإعلام الحكومية في نظام الملالي المناهض للمرأة تتناول هذه القضية، وتحاول بشكل موجّه التستر على السبب الرئيسي في القضية بإرسال الصحفيين المتلونين، ولا تسمح بتسليط الضوء على «المنجل الدموي الرئيسي» والقاتل الحقيقي. وفي نهاية المطاف تتظاهر بأن القضية تتعلق بجريمة قتل عائلية حفاظًا على الشرف. والجدير بالذكر أن الملالي المناهضين للبشرية يتمتعون بمهارة عالية في فبركة هذا النوع من السيناريوهات المضللة للرأي العام.
والدليل على هذا الادعاء هو الكلام الفارغ الذي نشره الجلاد سيء السمعة، علي ربيعي، عبر وكالة “إيرنا” الحكومية للأنباء، بوصفه المتحدث باسم الملا روحاني. حيث ذكر أن «الفتاة رومينا البالغة من العمر 13 عامًا» كانت ضحية لعنف بشع. وفي هذا القتل الجاهلي، هناك الكثير من الأفراد والأفكار مقصرون في وقوع هذه الجريمة البشعة، وعنف الأب الذي هو نفسه ضحية للجهل والتعصب، وكذلك على أولئك الذين يبحثون عن المتعة ويتورطون في أي نوع من الخداع العاطفي من أجل الاعتداء على النوع الاجتماعي الضعيف…
وما كتبه المتحدث باسم الملا روحاني يصدق عليه المثل الإيراني “يتجاهل ويتناسى”، نظرًا لأنه متورط في الجرائم التي ارتكبها نظام الملالي على مدى الـ 40 عامًا الماضية، ولاسيما في المذابح المتتالية في عقد التسعينيات في عهد رئاسة الإصلاحي المحتال محمد خاتمي للجمهورية، ويدرك جيدًا أن المشكلة ليست في عنف الأب أو الجهل والتعصب الفردي والمجتمع العيّاب. بل إن ارتكاب هذه الجرائم ناجم عن فكر فاسد وقروسطي يسمى بـ “ولاية الفقيه” الذي نظّر ارتكاب مثل هذه الجرائم وأضفى عليها الطابع القانوني.
وكان خميني الدجال مؤسس الفاشية الدينية الحاكمة في إيران يقول صراحةً: “نحن نريد حاكمًا (قاضيًا) ينهض ويجلد بالسوط. كما أنه كان يقول: “لا تشغلوا بالكم في القرآن بآيات الرحمة والغفران فقط، إذ إن معظم الآيات القرآنية تتحدث عن الحرب والقتال”!
والجدير بالذكر أن الشعب الإيراني المجيد لن ينسى على الإطلاق ذكرى جرائم القتل والتعذيب التي ارتكبها المدعي العام الجلاد سعيد مرتضوي، وما فعله بالسجناء من النساء والرجال في مركز التعذيب المعروف باسم “كهريزك”. وهذا الجلاد العفن هو نفس الشخص الذي قتل السيدة زهراء كاظمي، الصحفية الإيرانية – الكندية بركلها بقدمه في يوليو 2003 في مركز التعذيب في سجن إيفين.
ولا يجب أن ننسى أن السلطة القضائية ووزارة العدل في نظام الملالي اللاإنساني هما البؤرتان الرئيسيتان للجلادين. وتجدر الإشارة إلى أن من يتولى رئاسة السلطة القضائية حاليًا لخامنئي هو الملا الجلاد إبراهيم رئيسي، حيث أن سجله المخزي ملوث بالدماء لتورطه في مذبحة 30.000 سجينًا سياسيًا من أبطال مجاهدي خلق الشرفاء في عام 1988. كما ثبت في سجله القذر تورطه قبل ذلك فيما حدث من مذابح وتعذيب في مدن مسجد سليمان وكرج وهمدان، ويتذكر سكان هذه المناطق هذه الأحداث البشعة جيدًا ولن ينسوها أبد الدهر.
وتجدر الإشارة إلى أن المستشار القضائي الأعلى في السلطة القضائية للجلاد المذكور، هو جلاد آخر يدعى مصطفى بور محمدي الذي تولى منصب وزير العدل في الدورة الأولى لمجلس وزراء الملا روحاني. كما أن هذا الجلاد كان من بين صانعي القرار الرئيسيين في مذبحة صيف عام 1988 التي ارتُكبت في حق السجناء السياسيين من أعضاء مجاهدي خلق، بوصفه ممثلًا لوزارة الاستخبارات آنذاك.
وجدير بالذكر أن وزير العدل الحالي في نظام الملالي هو قاتل ومجرم يدعى علي رضا آوائي، صاحب السجل المخزي في الإبادة البشرية والتعذيب في سجون محافظة خوزستان، ولاسيما في سجني دزفول والأهواز، ومشهور بسوء السمعة بين جميع السجناء وعائلاتهم.
وعلى نفس النمط، نجد أن القاضي الذي ينظر في القضية الجنائية لرومينا أشرفي البالغة من العمر 13 عامًا والمعرضة لفقدان حياتها؛ حكم بتسليمها إلى والدها، نظرًا لأنه تلميذ متدرب على يد مثل هؤلاء القضاة الجلادين الأغبياء، ويفتقر إلى الحصافة والحكمة وبُعد النظر، ولا يمكن أن نتوقع منه أن ينتبه لظروف ومتطلبات القضية عن وعي وما سيترتب عن حكمه من عواقب تودي بحياة البشر الأبرياء. ولو كان هذا القاضي يتمتع بالحد الأدنى من الكفاءة المهنية والبصيرة القضائية، لما وجب عليه أن يسلم الفتاة المراهقة لوالدها، نظرًا لأن هذه الفتاة أكدت له أكثر من مرة أنها لن تأمن على حياتها في منزل أبيها، ولا جدال في سجل سوء معاملة هذا الوالد لنجلته وافتقاره إلى الموهبة والتأهيل اللازم لرعايتها في ظل هذه الظروف الخاصة. ويشبه تصرف هذا القاضي المتسم بصفات الملالي في تسليم الفتاة لوالدها تسليم قطيع من الأغنام إلى الذئب ليتولى رعايتها!؟
وهكذا، ينظّر نظام ولاية الفقيه المناهض للبشرية جرائم الشرف ويضفي عليها الطابع الرسمي بموجب المادة 220 من قانون العقوبات الإسلامي فيما يتعلق بقضايا القصاص، ويبيح للأب ارتكاب هذا النوع من الجرائم بصفته ولي الدم، لأن هذه المادة تنص على عدم القصاص من الأب الذي يقتل أحد أبنائه، واستبدال عقوبة القصاص بدفع الدية وتوجيه اللوم.
كما تنص المادة 301 من قانون العقوبات الديني على أنه “لا يتم القصاص من القاتل في حالة ثبوت أن القاتل هو الأب أو الجد من الأب”.
والجدير بالذكر أنه في ظل دعم فكر ولاية الفقيه المناهض للإنسانية والقوانين الرجعية الناتجة عنه، يبادر القاتل بنشر إعلان لمراسم تشييع جنازة المقتول وقراءة الفاتحة:
يذكرنا الإعلان المذكور بالمثل العربي القائل “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.
والنتيجة هي أنه في ظل نظام حكم ولاية الفقيه الفاسد والفاشية الدينية التي تحكم إيران يتمتع مثل هؤلاء الآباء بحماية أفكار العصور الوسطى ويعتبرون أبنائهم ملكًا حرًا لهم يتصرفون فيه كيفما شاؤوا، وبمقتضى دعم القوانين الدينية المتخلفة يسمحون لأنفسهم بالتعدي على أبنائهم حتى لو وصل الأمر إلى حرمانهم من حياتهم.
لذلك، لا ينبغي أن تضيع القضية الرئيسية في متاهة الأخبار الحكومية الموجهة الخاطفة والفضاء الإلكتروني. فأصل القضية هو أن رومينا معرضة للاعتداء على حياتها ومشردة، وجميع أمثالها من الفتيات ضحية حكام فاسدين وعلى رأسهم خامنئي الذي يقود الفساد والقتل. ومن المؤكد أن التخلص من هذه المآسي والجرائم يتوقف على الإطاحة التامة بأخطبوط الفاشية الدينية الحاكمة في إيران. أخطبوطٌ يلف حول أيدي وأقدام الشعب الإيراني منذ 40 عامًا، وسلب وما زال يسلب كافة الحريات والحقوق من أبناء الوطن.
إن المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية عاقدون العزم على الإطاحة بهذا النظام الفاسد الإجرامي اللاإنساني ولو حتى بالمخالب والأظافر والأسنان والإلقاء به مزبلة التاريخ، مهما كان الثمن.
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
*الكاتب الحقوقي والخبير في الشأن الإيراني