«مانيفيست» – 6 – أوجه الاختلاف بين اتفاقية واشنطن ومايجري بالحسكة

صلاح بدرالدين
  
    ربط البعض على سبيل الاقتداء أو المقارنة مايجري بين وفدي (طرفي الاستقطاب) – جماعات ب ك ك و الانكسي – في احدى معسكرات الجيش الأمريكي بالحسكة من مفاوضات أو حوار أو اجتماعات بناء على دعوة قائد – قسد مظلوم عبدي – باتفاقية واشنطن للسلام والمصالحة بين الحزبين الرئيسيين حينها بكردستان العراق والتي ابرمت قبل نحو اثنين وعشرين عاما وكما أرى فان المقارنة خاطئة من حيث الجوهر والاقتداء غير جائز من حيث العوامل المحيطة على الصعيدين الذاتي والموضوعي في ظروف زمنية ومكانية مختلفة وقد حاولت بمتابعتي التالية إيجاد مشتركات متشابهة بالحالتين فلم أجد الا القليل – الشكلي – العابر وقد أسردت مواكبتي بوضع حرف الواو (واشنطن) على مجريات اتفاقية واشنطن وحرف الحاء ( الحسكة ) على طبيعة مايجري في القاعدة العسكرية . 
       و –  في العصر الحديث بدأت قضية كرد العراق تبرز منذ استقلال العراق في العشرينات وعرفت وقتها بمسألة الموصل التي أشارت اليها عصبة الأمم المتحدة حينها وقررت اجراء الاستفتاء ( الذي لم يتم )  لسكان المنطقة أي منطقة كردستان ليقرروا مصيرهم ويختاروا الاستقلال أو البقاء في ظل الإمبراطورية  العثمانية ( الآيلة للاضمحلال ) أو الدولة العراقية الوليدة ومن حينها لم يهدأ الكرد وبدأوا ببناء حركتهم السياسية واشعال الانتفاضات والثورات وظهر البارزانييون بطليعة دعاة الحرية والاستقلال منذ البدايات وحتى الآن .
ح – المحاولات الكردية السورية السياسية السلمية من أجل رفع التميز والاضطهاد والحصول على الحقوق القومية بدأت منذ انبثاق حركة – خويبون – في نهاية العشرينات مرورا بنشوء الجمعيات والنوادي ثم قيام اول حزب منظم عام ١٩٥٧ وانتهاء بتعدد الأحزاب في الوقت الراهن . 
 
  و – تمت ااتفاقية واشنطن بين حزبين تاريخيين يشكلان البنية الأساسية للحركة الكردية بالعراق وكانا بالأساس حزب واحد قبل انشقاق ( جناح إبراهيم احمد – الطالباني  ) عن ( الديمقراطي ) برئاسة الزعيم ملا مصطفى بارزاني عام ١٩٦٦ ثم التحول الى اسم ( الاتحاد الوطني ) المعلن في دمشق عام ١٩٧٥ ومن ثم  شاركا في ثورات وانتفاضات كردستان العراق وتقاسما النفوذ والسيطرة في المحافظات الكردستانية الأربع كما أن الحزبين نالا شرعية تمثيل شعب كردستان العراق في انتخابات عام ١٩٩٢ ( 51% للديموقراطي و49%  للاتحاد الوطني .
 ح- صاحب الدعوة لايمثل جهة كردية سورية وأطلقها ( كقائد عام لقوات سوريا الديموقراطية ) وحتى لو اعتبرنا أنه جزء من جماعات ب ك ك يمكننا القول أن ( طرفا الاستقطاب ) جماعات ب ك ك و – الانكسي – لايتسلسلان تنظيميا وتاريخيا من جسم الحركة الكردية السورية الاصيلة  الا بشكل جزئي – هامشي وفي فترة زمنية متواضعة من أصل نحوسبعة عقود من عمر الحركة فمظلوم عبدي وحزبه فرع من حزب كردي تركي ، وورثة الحزب الأول ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا  ١٩٥٧ ) هو اليسار القومي الديموقراطي الذي انبثق عن الكونفرانس الخامس عام ١٩٦٥ حسب الأصول الشرعية والديموقراطية وانفصال الجناح اليميني بحزب خاص به،  واستمر الوريث مقتديا بمسيرة البناة الرواد على درب النضال وبنهج متجدد كمدرسة في العمل القومي والوطني والحزب الجديد ( ح د ك – س ) الذي يقود – الانكسي –  قد يتواجد فيه البعض من مدرسة آب ولكنهم مبعدون من دائرة القرار .
   و – خلال اتفاقية واشنطن كانت جغرافية كردستان العراق وحدة متكاملة رغم تعدد الإدارات الحزبية بين الطرفين بسبب الحرب الاهلية حيث وضعت الاتفاقية نهاية لتلك الثنائية ( ماعدا مناطق متفرقة عرفت بالمناطق المتنازعة عليها التي أجرى فيها نظام البعث عملية التعريب ) والتي مازالت موضع خلاف .
  ح – ( طرفا الاستقطاب )  الآن منهمكان في بازار تقسيم النفوذ حول أقل من ٣٠٪ من مساحة الجغرافية الكردية أالسورية أي بدون منطقة عفرين ومناطق رأس العين وتل ابيض ونصف القامشلي وثلاثة ارباع الحسكة .  
 و –  توقيع اتفاقية المصالحة والسلام من جانب مسؤولي الفصيلين الكرديين بكردستان العراق ( مسعود بارزاني وجلال الطالباني ) وبرعاية – مارلين اولبرايت – وزيرة خارجية الولايات المتحدة الامريكية بواشنطن تم في سبتمبر ١٩٩٨ أي قبل اثنين وعشرين عاما على أرضية واضحة وفي مقر وزارة الخارجية  .
 ح – مفاوضات أو حوار الان بين ممثلي ( طرفي الاستقطاب ) برعاية ضابط عسكري وفي قاعدة عسكرية وبمنتهى السرية ومن دون معرفة الأسباب والاهداف والنتائج .
  و –  عندما حصلت الاتفاقية كان للإقليم الكردستاني برلمان منتخب منذ عام ١٩٩٢ وتوقف عمله ستة أعوام بسبب الاقتتال الداخلي بين الحزبين الرئيسيين وفي عام ١٩٩٩ صادق البرلمان باجماع نواب الحزبين والمكون المسيحي على نص الاتفاقية بحضور ( مدام ميتران ) التي أصبحت وثيقة شرعية ملزمة للجميع .
 ح – ليس لكرد سوريا أي برلمان منتخب ولاتمثيل شرعي حتى أحزاب ( طرفي الاستقطاب ) تفتقر الى أدنى شروط العمل الحزبي والتنظيمي والسياسي ولاتحمل حسب علمي أي مشروع قومي ووطني كردي سوري ولو تم مايطالب به غالبية شعبنا عقد مؤتمر كردي سوري جامع عبر لجنة تحضيرية لكانت حركتنا شرعية وموحدة وصاحبة قرارها المستقل  .
  و –  في افتتاح جلسة البرلمان وقبل التصديق تليت رسالة من – كولن بأول – وزير خارجية أمريكا الذي اكد ” فيها عن دعمه للمصالحة بين الاتحاد الوطني والحزب الديموقراطي وعن تضامنه مع اكراد العراق. واكد باول ان الاكراد “حلفاؤنا  ضد الإرهاب ” هذا قبل اثنين وعشرون عاما ولاشك أن كرد العراق ومايتمتعون به من تاريخ كفاحي من اعمدته ملا مصطفى بارزاني وخيرات وجغرافيا مواتية للثورات وموئلا للمعارضة العراقية فرضوا وجودهم على جميع الأطراف بمافيهم الامريكان الذين لم يثبتوا أي موقف سياسي واضح تجاه القضية الكردية بالمنطقة كشعب له حق تقرير المصير حتى الآن  .
  ح – كماذكرنا راعي المفاوضات ضابط وينظر الى الموضوع بمنظار عسكري أمني ومسألة كرد سوريا والأحزاب المتفاوضة لاعلاقة لوزارة الخارجية بها التي تتسم عادة بالشفافية ومازال الموقف الأمريكي العام  كما هو : الكرد حلفاء شجعان ضد الإرهاب ) .
 
  و –  تمت الاتفاقية وبرعاية أمريكية بأجواء القرار الأمريكي باسقاط نظام صدام حسين ودعم سائر أطياف المعارضة العراقية وخاصة ( المؤتمر الوطني العراقي ) وتقديم كافة أوجه الدعم لتوحيد المعارضة من خلال مساندة عقد مؤتمراتها التشاورية التوحيدية ( مؤتمرات لندن وبيروت ومصيف صلاح الدين ) والتي حسمت التوافق الكردي العربي مع سائر المكونات على اسقاط النظام وإيجاد البديل الديمقراطي والاعتراف بالنظام الفدرالي لكل العراق مع التأكيد على فدرالية إقليم كردستان العراق .
  ح – كل المؤشرات تدل أن لاعلاقة مباشرة وغير مباشرة بين ما يجري في تلك القاعدة العسكرية وبين مايرشح الان من سيناريوهات مختلفة ومشاريع ( روسية وامريكية وتركية وايرانية والأمم المتحدة  ) ومنها لها علاقة بالمعارضة ولجنة الدستور والمنصات أو تشكيل لجنة عسكرية أو عسكرية سياسية بخصوص حل سلمي للقضية السورية فقط يمكن القول بأن الموضوع يتعلق بمحاولة توسيع نفوذ الطرف الأمريكي وتحسين شروطه التفاوضية مع الأطراف المعنية بملف سوريا والمنطقة .
  و –  حظيت اتفاقية الحزبين بدعم واسناد كل من بريطانيا وتركيا على وجه الخصوص وفي احدى بنودها إشارة الى عقد الاجتماع الثاني في العاصمة التركية – انقرة – حيث كان التنسيق متقدما بين الأطراف وكانت قاعدة – انجرلك – منطلقا – لحماية امن إقليم كردستان وضرب نظام بغداد .
  ح – مايجري في القاعدة العسكرية ليس من أولويات اهتمامات الاتحاد الأوروبي وهو لايشارك بوفد حتى الصوت الفرنسي خافت بل بالعكس فالمانيا بدأت بتشديد المراقبة في هذه الأيام بالذات على مؤيدي ب ك ك و ب ي د فرع منه من جهة أخرى تركيا ( وبغض النظر عن المواقف السياسية المتشابكة وتقييم طبيعة حكومتها ) كدولة جارة لسوريا وصديقة لمعارضتها على علاقات طيبة مع كردستان العراق ولديها اكثر من نصف كرد العالم كانت جزء من كل تطورات إقليم كردستان واحيانا ضامن لاتفاقيات بين الحزبين الرئيسيين ووسيط ولانعلم مادورها وموقعها في مايجري ؟ . 
  و – اتفاقية واشنطن شملت أساسا وعلى وجه التحديد الملف الكردي العراقي وكل ماهو على أرض كردستان العراق وكانت بنودها التفصيلية حول كيفية تحقيق السلام والمصالحة وتوحيد الإدارات ووحدة الموقف السياسي ضد نظام صدام وتعزيز العلاقات مع المعارضة العراقية .
   ح – دعوة – مظلوم – ليست معنية فقط بأحزاب – الانكسي – بل تشمل مكونات وأطراف أخرى في ( شمال شرق سوريا أو شرق الفرات مثل العرب والتركمان والمسيحيين والوجاهات العشائرية ) وهنا تتقاطع المصالح إيجابيا بين طموحات – مظلوم – بتحويل المنطقة المشار اليها الى ( ب ك ك لاند ولكن مرحليا تحت اسم مظلوم لاند مثلا ) من جهة وبين التكتيكات العسكرية الامريكية بالمنطقة  من الجهة الأخرى بمعنى أدق  ليست الدعوة من أجل تحقيق مهمة توحيد الكرد وحركتهم كما يعتقد الكثيرون لأن من شروطها الأولية تشكيل لجنة تحضيرية للاعداد والرعاية يتمثل فيها الحزبييون والوطنييون المستقلون ومنظمات المجتمع المدني ويكون – مظلوم – والمسؤول الأول ل ب د ك – س عضوان فيها الى جانب ثلاثة مستقلين .
 و – ومما له دلالته قال الرئيس مسعود بارزاني مخاطبا جلسة البرلمان  خلال المصادقة على الاتفاقية  ” أن  هذا اليوم لا يقل اهمية عن يوم الانتخابات سنة 1992″. و”قدم اسفه عن سقوط ضحايا في المعارك الدامية التي جرت بين الفصيلين المتخاصمين واسفرت عن حوالي 3000 قتيل وشكر زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني الحكومات الاميركية والبريطانية والتركية للحماية التي توفرها لكردستان عبر مراقبة منطقة الحظر الجوي التي تفرضها واشنطن ولندن في شمال العراق من خلال قاعدة انجرلك .
  ح –هذا هو الخطاب الواقعي السلمي التسامحي المسؤول وهو خطاب المنتصرين الواثقين من أنفسهم وشعبهم  ومانسمعه من قيادات الاحزاب في ساحتنا حتى الان بعكس ذلك تماما : خطاب الكراهية والتخوين والاقصاء ونفي الآخر المختلف خطاب الانا الدكتاتورية الفردية  المناقض للقيادة الجماعية الديموقراطية واخفاء الحقيقة عن الشعب وعدم الاعتراف بما اقترف من خطف وسجن وتصفيات .
  و-  تمت الاتفاقية برعاية أمريكية عال المستوى وبعد اللقاء بحضور – اولبرايت – استمرت المحادثات نحو ثلاث ساعات على مرحلتين: اجتماع ضم الزعيمين ووفديهما ومساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأوسط السفير مارتن انديك ونائبه المكلف ملف شمال العراق ديفيد ويلش.
  ح – ضباط ورقباء وعرفاء ومجندون وبسبب عدم وضوح الهدف والرؤا والبرنامج الحقيقي لاعادة بناء الحركة الكردية ولان المسألة مجرد دعوة يتيمة من – مظلوم – فقد تدوم الاجتماعات أسابيع بدلا من ساعات عدة  .
و –  من أهم بنود الاتفاقية وبعضها لم يعلن ” تحذير امريكي شديد للحزبين  من أي تعامل مع نظامي بغداد وطهران بالسر والعلن ” الى درجة أن السفير – مارتن انديك – قال : ” نحن في الولايات المتحدة لانتحالف مع من يتحالف مع بغداد وطهران ” .
  ح  – ولان نظام ايران والجزء المرتبط به من حكومة العراق ( الحشد الشعبي ) مازالا في دائرة العدو لامريكا والكرد وشعب العراق وسوريا والطرف الذي يمثله صاحب الدعوة يتمتع بأفضل العلاقات المصيرية مع طهران وملحقاته ببغداد حتى لحظة كتابة هذه السطور .
وفي الختام أقول كانت من بنود الاتفاقية توافق الاطراف على اخراج مسلحي ب ك ك من إقليم كردستان العراق وأتذكر حينها وجهت رسالة من أربيل الى عبدالله اوجلان عبر فاكسه الخاص وكان بدمشق دعوته ان يأتي الى الإقليم قبل ان يحصل له مكروه بعد اتفاقية واشنطن وأن يتفاهم مع الأخ مسعود بارزاني حول احدى الخيارات المتوفرة حينذاك لمصلحة السلام والمصالحة ( الرسالة منشورة في الجزء الثاني من مذكراتي ) وقد عمم رسالتي على مسؤوليه العسكريين عبر اللاسلكي في القواطع وكان فرهاد اوجلان الوحيد الذي أيد دعوتي في حين أجابه الاخرون وخصوصا ( مصطفى قرةسو ) بالتهديد لتصفيتي وقد حصلت على تسجيلات صوتية من انصات مؤسسات الإقليم حينها ومازلت احتفظ بها  .
  ان تم اتفاق حول مسائل مشتركة بين الطرفين أو لم يتم وان طالت المفاوضات أو قصرت فان ذلك وفي كل الاحتمالات لن يغير من قناعاتنا ولن يبدل ماذهبنا اليه أعلاه .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…