نوري بريمو
سبق للدب الروسي أنْ داهم كروم العديد من بلدان العالم وبسط نفوذه فيها في الفترة التي تلَتْ إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ولكنْ بإنهيار الإتحاد السوفيتي وبمجرّد إنتهاء الحرب الباردة إنكفأت هذه الدولة العظمى على نفسها وتراجعت وإنسحبت من كثير من البقاع وأعطت لذاتها فرصة بمثابة إستراحة مقاتل لتعزيز قدراتها من جديد، ومع إحتدام الأزمة السورية أعادت روسيا حساباتها مرة أخرى ودخلت على الخط السوري من جديد وبيافطة جديدة وتحت إسم “الطرف الضامن”!، حيث أقحمت نفسها في دوامة الصراع (السوري – السوري) بطلب رسمي من حليفها نظام الأسد لمناصرته في حربه على الشعب السوري والتي عبثت بالسلم الأهلي وبوحدة الأرض والشعب وهددت أمن الجوار والعالم.
ولكنّ ثمة سؤال يتبادر إلى الأذهان وهو: متى كان الدُّبُ قادر بأن يتحول إلى طرف ضامن في كروم الآخرين؟، وهل ثمة أحد مايزال يصدق بأن روسيا لم تكن تطمع بموطئ قدم لها في الساحل السوري الذي تعتبره حالياً حصتها في الكعكة السورية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من التقسيم؟، وإن لم يكن الأمر كذلك فما هو الدافع الروسي للتدخل في الشأن الداخلي لهذا البلد الذي أضحى يغرق في بحور نزاعات أهلية (سنية – شيعية) مدمّرة للطرفين؟، وهل وراء هذه الأكمة الروسية ثمة خلفيات مصالحية قد تنجم عنها تداعيات لوجستية تفعل فعلها الإخلالي بالتوازن الإستراتيجي في منطقتنا؟، أم أنّ دائرة التناطح في هذه المرّة لن تتجاوز حدود بلاد الشام والعراق وإيران والخليج؟!.
وبهذا الصدد أعتقد بأن الروس سيحركوا كافة أجنداتهم في سوريا، ويبدو أنّ تدخلهم هذا قد جاء لعرض عضلاتهم بمساعدة النظام ليتحاشوا أية صراعات مع أطراف إقليمية كتركيا وأيران ودولية كأمريكا التي تواجه صعوبات شرق أوسطية جمة، لأنّ القراءة الأولية لهذه الأحداث الميدانية تشير إلى تركيا وإيران كانتا تجدان منفعتهما في تأزيم الملف السوري، وكانتا تريان بأنّ من مصلحتهما أن تغازلا “الضامن الروسي” وأن تعقدا بإشرافه معاهدات وإتفاقيات وقمم رئاسية ثلاثية في كل من سوتشي وإستنبول وطهران، وأن تحرّضا روسيا بإتجاه إستعادة دورها ومكانتها في صراعات منطقتنا، وكانتا تراهنان بأنّ الروس سيأخذوا بثأرهما من أمريكا وحلفائها.
ومادامت روسيا قد تدخلت بشكل مباشر وأقامت قاعدة حميميم العسكرية وعززت مواقعها وأبقت أسطولها البحري وطيرانها ووحداتها المقاتلة في الساحل السوري، وما دام الطيران الروسي قصف ويقصف مختلف مناطق النفوذ السني لصالح النظام وبحجة ملاحقة الإرهابيين، ولكي لا تسوء العلاقات (الروسية ـ الأمريكية) وتسير من سيئ إلى أسوأ، فإنه يبدو أنّ الروس سيعيدوا حساباتهم من جديد وسينقلبوا على النظام وإيران وسيحترموا قواعد الإشتباك الجوي مع الطيران الإسرائيلي الذي يستهدف المواقع الإيرانية، وسيتحاشوا أي صدام على الأرض وفي الجو مع الأمريكان الذين يؤكدون بأنهم باقون في سوريا لحماية مصالحهم ولتوفير الأمن لإسرائيل ولإنهاء النفوذ الإيراني ولقطع الطريق البري الواصل بين طهران وبيروت، وقد يتوافق الروس أيضاً مع تركيا بخصوص مستقبل المناطق الخاضعة لنفوذها، وقد يتخلوا عن الأسد ويبحثوا عن بديل له، وقد يفسخوا صفقاتهم مع إيران ويجبروها بمساعدة الأمريكان على الإنسحاب من الساحة السورية بعد فقدان الأسد لقدرته على إدارة سوريا في ظل تململ العلويين من سلوكه وتعمق الجراح السورية بشكل عام وإنهيار الليرة وتدني الرواتب و…إلخ.
وفيما إذا سارت الأمور وفق هذا المخطط الأمريكي الروسي، فإنّ الأزمة السورية باتت مقبلة على إنهاء الحروب والإتيان بحل سياسي يشترط تنحي الأسد وتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ لأمريكا وروسيا ولبعض دول الجوار كتركيا وغيرها.
وأما بالنسبة لحاضر ومستقبل الشعب الكردي في كردستان سوريا، فإنّ الكرد تضامنوا مع الشعب السوري وشاركوا في الثورة، والحركة الكردية وقفت مع المعارضة وأكدت مراراً وتكرارا بأنّ الكرد ينبذون عسكرة الحلول وينحون نحو المخارج السلمية ولن يقبلوا بأي حل بغياب الجانب الكردي وبعدم الإعتراف بالقضية الكردية، وأنّ الكرد ينشدون إلى الحوار والتوافق مع باقي الشركاء للتوصل بمعية الجميع وبضمانات دولية إلى إعادة بناء دولة فدرالية تعددية يسودها الدستور والحق والقانون وتضمن حقوق كل الأمم والأديان والطوائف.
(4-6-2020)