إبراهيم اليوسف
لا أخفي أنني – شخصياً- لم أكن أستسغ البث الإلكتروني، الديجيتال، لسبب رئيس وهو أنه استقطب – منذ البداية- عدداً هائلاً من لا إمكانات إعلامية، بل ثقافية لديهم، ومن شأن – خطب هؤلاء- المفتوحة أن تهدم أكثر مما تبني، وحقيقة ظهر في عالم البثِّ بعض الزعران الذين يشتمون الآخرين، ويستخدمون البثَّ للتشهير بسواهم، بالرغم من وجود أصحاب إمكانات إعلامية عالية، لا يتاح لهم الظهور عبر التلفزيونات التي تسيطر عليها في الغالب” مافيات” يعرفها العاملون في التلفزيونات نفسها، لأن كثيرين من العاملين الذين لا كلمة لهم في مؤسساتهم يصرحون:
فلان مهيمن على التلفزيون للسبب الفلاني!
المدير الفلاني يتعامل مع فضائيت”ه”من خلال”….” كذا إلخ ما لا أريد قوله، مما جعل بعض تلفزيوناتنا موبوءاً. هذا على صعيد بعض الإداريين و العاملين، و ذلك على ضوء معرفتي ببعض الهيئات الإدارية في التلفزيونات، والطواقم العاملة تحت أمرتها، خلال السنوات العشرالماضية، وهي الفترة الأكثر إحراجاً في تاريخ إنساننا!
حقيقة، أساء بعض الفضائيات على نحو كبير لكل شيء: للإعلام. للقضية التي ترافع عنها، من خلال انطلاقها من رؤى ضيقة، مرسومة لها، لذلك وجدنا العديد من الفضائيات قد ارتكب فضائح ما وهي تمعن في إساءاتها للطرف المختلف معه، بل إن بعضها افتقد المهنية وصار هاجسها أن تحارب المختلف، في الرأي، وإن لم يكن في صف الأعداء، وما أزاد الطين بلة هو انخراط ذلك الإعلامي- الطارئ- الذي كان أحد حالتين: إما إن الفضائية، وبسبب حاجتها إلى الإعلامي راحت تبحث عن أي متحرر من أميته- أو حتى غير متحرر منها – لطالما إن نطقه سليم- بل وهناك من اعتمدت على غيرسليم النطق- على قاعدة” إنه سوف يتعلم على الهواء مباشرة”
أو إن عاطلاً – عن العمل كان يبحث عن عمل ما فوجد ثمة شواغر ما في الإعلام وصار مع الأيام – نجماً- لكن: هشَّاً من الداخل، يوافق على كل ما يملى عليه. هذا كله حدث في السنوات العشر الأخيرة، لأننا بتنا نجد استسهالاً في العمل التلفزيوني، لاسيما على صعيد العلاقة مع المتلقي.
صحيح، أن من فوائد السنوات العشر -سنوات الحرب- أنها كسرت احتكار العمل في الإعلام بكامله، ومنه المرئي، من لدن قلة، وبات كثيرون يدخلون هذا العالم ويؤكدون حضورهم، إلا أن تسلل بعض المسيئين إلى الإعلام من شأنه أن يشوّه ألق وسطوة وتأثير هذا الإعلام
ثمَّة تحدٍّ كبير للإعلام المرئي – التقليدي- بعد وصول وسائل التواصل الاجتماعي إلى مرحلة البث الافتراضي، إذ بات في إمكان أي ممتلك لحساب فيسبوكي- مجاني، أن تكون له/ قناته – تلفزيونه- وليس ثمة خلط في المصطلح هنا على ضوء نتائج رسالة كلتا الأداتين- بل لعلَّ باثاً فيسبوكياً، جاداً، ومهنياً، عبر قناة ما قادرعلى أن يؤثر في الرأي العام، ويقدم أكثر مما يقدمه المذيع التلفزيوني، بالرغم من أن مؤسسة هذا الأخير تتكبد سنوياً ملايين الدولارات، بينما لا يتكبد الباث الافتراضي ” قرشاً أو سنتاً” لطالما هاتفه موصول بخط إنترنيتي على نحو طبيعي!
إلا إن ميدان الإساءة عبر البثِّ الافتراضي باتت أوسع، نتيجة إمكان كل مواطن كوني أن يكون باثاً/ مذيعاً، بعكس المؤسسة التلفزيونية محدودة العاملين فيها، قياساً إلى أعداد المبحرين في الفضاء الإلكتروني، ناهيك عن أمر مهم هو أن لكل مؤسسة أعرافها، وقوانينها، وشروطها، بينما يكاد ألا يكون – حتى الآن- أي رقيب أو حسيب على عالم البث الذي جمع ممتلكي الطاقات الثقافية والفكرية والإعلامية والفنية العالية، بل وذوي الحضورالاجتماعي الرفيع، إلى جانب: المتنصل من كل الضوابط، وهكذا بالنسبة إلى من أصيبوا بجنون العظمة من دون إمكانات أو قابلية للتطور، أو المملتئة صدورهم أحقاداً على الآخرين.