الأسرة الدولية ومراجعة الذات.. الكرد على مفترق خطير!

 إبراهيم اليوسف
عطب الضميرالأممي:
لن نمضي، بعيداً، في إعادة قراءة طبيعة العلاقات الدولية بعيد انهيارالدولة العثمانية- تركة الرجل المريض- في العام1924، إذ إن الغرب الذي كان قبطان مخطط سايكس بيكو حرم الكرد من تأسيس دولتهم القومية- كردستان-  التي ينيف عدد سكانها عن أربعين مليون نسمة- وهو رقم تقريبي لأن الحقيقي لهو أكبرمنه- بالرغم من أن هذا العالم ذاته منح حقوق من لايعدو عدد سكانهم آلاف الأسر، فحسب، وذلك من حق أولاء، لتكون لهم راياتهم، وأوطانهم، وحقوقهم، وممثلوهم الذين يجلسون إلى جانب كبريات دول العالم، على مقاعد الأمم المتحدة، بينما تم تمزيق خريطة كردستان إلى أربعة أجزاء، بل أكثر، وباتت أنظمة الدول التي تتوزع خريطة كردستان تسعى على قدم وساق، على تعريب وتفريس وتتريك الكرد، وهوما يدعو للقول: إن ثمة ملايين الكرد تم صهرهم في بوتقات الأمم التي تعيش معها، بالإضافة إلى من أشرنا إليهم، وهناك من تم صهرهم مع أمم وقوميات أخرى. 
ولعل مفهوم الانزياحات السكانية أمراً منتشراً، عبرالتاريخ الإنساني، إلا إن الحال هنا ليختلف، لأننا أمام مخطط لإذابة هذا الإنسان، منذ انخراطه في لجة الدين الجديد، ووفائه، وإخلاصه لقيمه الجديدة، بينما راح الآخر يؤسس لخصوصيته، وعلى حساب محو شخصية الكردي، وهذه- في تصوري- ظاهرة لابد من تناولها عبردراسات خاصة.
حقيقة، ثمة عطب- لما يزل قائماً- في ضمير الأسرة الدولية المتحكمة بالعالم، والتي  يجري أمام أعينها، وتحت مسمعها، مايتعرض له الكرد من جرائم ومجازر مفتوحة- حالة عفرين أنموذجاً-  من دون أن تتحرك على نحو جدي لإنصاف الكردي الذي هو ضحية مخططات الغرب التي انبنت قبل قرن ونيف على أسس من المصالح، وتم استبعاد الكردي، ليكون قربان إعادة رسم  وتوزيع خريطة الشرق الأوسط، وكمكافأة لشركاء الكرد، على موقفهم من  مصير الرجل المريض الذي حكم  العالم الإسلامي أربعة قرون، وشكل خطراً كبيراً على عمق الخريطة الأوربية، وإن كان- هذا الرجل- قد ربط مصيره بمصائر بعض هذه الدول، ليتعامل المتحكمون بشأن العالم- للمرة الثانية- بالخرائط الوضعية، التي لطالما أبدى التعاون معها، وكان هونفسه  ضمن إطارها…!؟
واقع أليم:
ثمة استوحاش باد للعيان يتم بحق الكرد، وهم يعيشون فوق ترابهم، عبرالتاريخ، حيث يدفع هذا الكائن/ الضحية ضريبته العظمى: وجوده على مسرح الجغرافيا والتاريخ، ونحن قد على وشك ولوج العقد الثالث من عتبة الألفية الثالثة، إلا إنه بات الكردي في مرمى نيران وأحقاد أكثرمن عدو، وليس مايجري في – عفرين- من قبل مجرمي الحمزات، والعمشات…..، وسواهم من الفصائل الغازية التي تطرد ابن المكان من بيته، وتغتصب بيته و عرضه،  وكرامته،وتختطفه،  وتزجه في غياهب السجون، أو تغتاله، وتعدمه،في إطار مخطط تفريغ المكان من أهله، ومحو هوية الكردي. وإذا كنت قد أشرت إلى مجرد مثال، هو الأكثرغلياناً، الآن، لاسيما بعد فضيحة ظهور الوجه الدعشني لهذه الفصائل المرتزقة التي تواصل انتهاك حقوق الإنسان. انتهاك الكرامات. انتهاك القيم، بروح مابعد وحشية، بروح مابعد داعشية.
إن واقع خريطة كردستان جد اليم- باستثناء الإقليم- الذي لايرتاح الأعداء لأنموذجه. لتجربته المائزة في المنطقة، وقد رأينا كيف تم استهداف هذه التجربة بالأمس، بغرض النيل منها، إلا إن إرادة حماتها من البيشمركة، ومن بينهم بيشمركة”روج” الذين أشدنا ببطولاتهم، وقفوا بالمرصاد، ولعلنا جميعاً  نتذكر لحمة هؤلاء الغيارى، في مواجه المخطط بقيادة البيشمركة الرئيس مسعود بارزاني!
أجل، استعداء على الكردي. ثمة استهداف لكيانه، لوجوده، يتم، علانية، أمام مرأى ومسمع العالم الذي ننعته بأنه- الحر- وإن بدا غيرذلك البتة، على ضوء تناقضات سياساته. على ضوء سيره، وفق بارومتر مصالحه، وهنا لايختلف من نعت بالأمس بأنه ناهب، ومحتل الخرائط، على نحو مباشر، ومن يفعل ذلك، الآن، على نحو غيرمباشر.
عود على بدء:
لربما هو محض حلم، من لدن الكردي، تجاه الآخر الذي كان سبباً في التجاسرعليه، والسعي من قبل شركائه في المكان لاستئصال حضوره على مسرح التاريخ، إلا إنه يظل بحسب المعيار الأخلاقي، من واجب قادة العالم الحر، لإصلاح االخطل، بل الجريمة التاريخية التي ارتكبها راسمو خريطة المنطقة الذين استثنوا الكرد من تأسيس دولتهم القومية، الوطنية، ولقد آن الأوان ليراجع أولاء مااتركبته أيادي آبائهم وأجدادهم، أصحاب المخطط، وإن كنا لما نر حتى الآن، أن الأحفاد يسيرون على خطى أسلافهم، ماخلا طفرات عابرة، تكاد تكون غيرمؤثرة في ترجماتها الواقعية، إلا في محطات جد قليلة، لأنها تحتاج إلى دعم، ومساندة، لإعادة موازاة خريطة الشرق الأوسط. المنطقة، في إطار إعادة الاستقرارإلى المنطقة، والعالم، إن كان هناك أخيار، يواجهون مخطط الأشارى الذين يسعون علانية لابتلاع العالم كله.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…