محاربة جائحة الكراهية واجب جميع الوطنيين المخلصين

شاهين أحمد
يجمع الكثير من المهتمين بأن خطاب الكراهية قديم قدم الإنسان ، إلا أنه ظهر بشكل واضح خلال مرحلة الحرب الباردة وشعرت البشرية بخطورته وبشكل رسمي في مطلع ستينات القرن العشرين ، وبالرغم من ظهور أول اتفاقية دولية عرفت بـ ” الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ” التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول1965 وبدأ العمل بها في الـ  4 من كانون الثاني 1969، وكذلك مدونة ضبط السلوك التابعة للاتحاد الأوربي التي وافقت عليها شركات فيسبوك وغوغل ومايكروسوفت وتويتر بتاريخ 31 مايو 2016، حيث وضعت ضوابط لمنع أشكال التمييز وألوان الكراهية ،
إلا أن هذا الوباء بدأ يجتاح العالم ولوحظ في معظم الخطابات التي حملت مشاعر الكره والتحريض على العنف ، وتحول الوباء شيئاً فشيئاً إلى ظاهرة مرضية ووباء عالمي، وتوسعت دائرته لتشمل شرائح واسعة شكلت الأداة لتنفيذ مشاريع أصحاب هذا الخطاب . ومن مظاهر هذه الجائحة شعور التكبر والتعالي لدى مكون معين تجاه المكونات الأخرى لذات المجتمع، ومحاولة تهميشهم وتوصيفهم بالدونية ، ومنعهم من المشاركة في مختلف جوانب الحياة السياسية والثقافية والإدارية والاقتصادية …إلخ. وبدون أدنى شك أن وباء الكراهية في مجتمعنا السوري ليس بجديد ، فهو قديم قدم البعث والأسلمة السياسية ، وهنا من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ” غالبية النخب ” لأبناء المكون العربي كانوا منخرطين في منظومتي البعث الشوفيني والأسلمة السياسية وكانوا مجتمعين في ذات الخندق محتكرين مؤسسات الدولة المختلفة، وما يجمعهم كان أكثر مما يفرقهم مع الأخذ بعين الاعتبار بأن المراكز الأمنية والعسكرية الأكثر أهمية وحساسية كانت بيد شريحة محددة من الطائفة العلوية ، بالمقابل أبناء الشعب الكوردي كانوا محرومين من جميع هذه المكاسب والامتيازات . وبعد إنطلاق الاحتجاجات في سوريا في منتصف آذار 2011تغيرت المعادلة نسبياً وتوسعت دائرة الكراهية وتعددت اتجاهاتها . وكي نتمكن من تشخيص هذا الوباء تشخيصاً صحيحاً يجب أن نتسلح بالصراحة والشفافية ونمتلك الجرأة الكافية في تعريف الكراهية وتمييز ألوانها ، وبيان مرتكزاتها ، وتحديد صناعها والمسببن في إطلاقها ونشرها في مجتمعنا السوري كي نتمكن من محاصرتها ومحاربتها والقضاء عليها ومعالجة آثارها، وهنا يمكننا أن نحدد الألوان الرئيسية للكراهية ومساراتها في سوريا وفق مايلي : 
1 – الكراهية بين الكورد والعرب : منذ إنقلاب البعث في الـ  8 من آذار 1963 تعرض الشعب الكوردي في سوريا لحملة إعلامية ظالمة وممنهجة مشبعة بخطاب الكراهية ترافقت بسلسلة من القرارات السياسية والتعاميم الأمنية والعديد من المشاريع العنصرية مثل تطبيقات  الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي التي هدفت لطمس الهوية القومية الكوردية ، وأدت إلى تجريد الكورد من حقوقهم وممتلكاتهم ، ومنع تسجيل العقارات في الكثير من مناطق كوردستان سوريا بأسماء أصحابها الكورد ، وخاصة في ريف الرقة الشمالي في تل أبيض وعين عيس ، وأدت هذه الإجراءات الشوفينية الظالمة إلى ولادة ردود فعل سلبية طبيعية من قبل شرائح واسعة من أبناء الشعب الكوردي ، وظهور خطاب الكراهية تجاه النظام ومؤسساته المختلفة بشكل عام وأجهزته الأمنية بصورة خاصة ، وكذلك تجاه تلك الشرائح من المكون العربي التي وقفت إلى جانب النظام وساعدته في تنفيذ تلك المشاريع العنصرية ، والاستيطان في الأراضي الكوردية بعد طرد سكانها الكورد أصحاب تلك الأراضي . والكراهية بين العرب والكرد تفاوتت خلال مراحل الثورة السورية المختلفة بين المد أحياناً والانحسار أحياناً أخرى ولكنها إزدادت بشكل ملحوظ بعد العمليات العسكرية التركية في بعض مناطق كوردستان سوريا – درع الفرات و غصن الزيتون ونبع السلام – وذلك بسبب مرافقة ومشاركة بعض الفصائل العربية المسلحة الموالية لتركيا في تلك العمليات وخاصة أن تلك الفصائل ضمت في صفوفها الكثير من الراديكاليين الإسلاميين ومن منتسبي أجهزة استخبارات النظام ، وكذلك الأخطاء التي وقعت فيها تلك الفصائل من سلب الممتلكات وسرقة البيوت وخطف الرجال والنساء وقتل المدنيين الكورد وحرق المحاصيل الزراعية وقطع البساتين والأشجار …إلخ . ومن المفارقات المحزنة أن غالبية النخب العربية المعارضة للنظام أيضاً مصابون بهذا الوباء وغير قادرين على الاعتراف بالأخطاء والجرائم التي أرتكبها النظام سابقاً والفصائل المذكورة المحسوبة على المعارضة لاحقاً بحق الضحايا من ابناء الشعب الكوردي !. وهنا لا ننسى شعور الكراهية وردود فعل سلبية لدى شرائح من المكون العربي السني في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وظهور نوع من الكراهية تجاه الكورد من جانب الشرائح المذكورة . 
2 – الكراهية بين طوائف المكون العربي نفسه ، ودور الأسلمة السياسية في ولادة الطائفية السياسية : في هذا اللون من ألوان الكراهية كانت المرتكزات الأساسية تتعلق بالمنافسة على المناصب والمكاسب أولاً ، ومن ثم بموضوع التباين في تفسير النصوص الدينية بين أسلاف الطائفتين السنية والشيعية ثانياً . بكل هذا اللون من الكراهية هو الأكثر إنتشاراً والأوسع مساحة اليوم ويشكل خطراً على المجتمع السوري أكثر من جائحة كورونا ، ويكاد لايخلو مجلس من مجالس السوريين في الداخل والمهاجر من طغيان هذه الظاهرة ، التي أصبحت ملازمة للسوريين أينما حلوا !. ربما تختلف من حيث الشدة من مكان إلى آخر ، ولكنها تكاد تكون عامة، ومن العوامل التي ساعدت في إنتشار هذا اللون بالذات هو إنضمام غالبية المكون العربي السني إلى الاحتجاجات التي طالبت بإسقاط النظام ، بينما غالبية المكون العلوي وقفت مع النظام لأسباب معروفة للجميع ، حيث نجح النظام في إيقاظ المخاوف وإثارتها لدى المكون العلوي بأن مايجري من إحتجاجات عبارة عن محاولة من جانب الطائفة العربية السنية للسيطرة على الحكم ، ومن ثم إبادة الطائفة العلوية ، وساعدته في ترسيخ هذه المخاوف بعض أجنحة الإسلام السياسي التي رفعت شعارات دينية طائفية متطرفة ، وتسمية الكتائب العسكرية بأسماء سنية إشكالية في تاريخ العلاقة بين الطائفتين . وهنا من الأهمية أيضاً الإشارة إلى ظهور ملامح لخطاب كراهية بين العرب السنة في الجنوب السوري ودرعا وبين المكون الدرزي في  جبل العرب في السويداء ، وبالتالي نستطيع القول أن عسكرة الثورة وأسلمتها وكذلك الدور الإقليمي السلبي في تغذية خطاب الكراهية بين طوائف المكون العربي ، ودخول الجهات المانحة للمال السياسي على خط الصراع الطائفي ، وإدخال آلاف المتطرفين من أنصار الطائفتين السنية والشيعية ومن أرجاء المعمورة إلى المحرقة السورية كل ذلك كان له بالغ الأثر في زيادة مخيفة لمنسوب هذا اللون من الكراهية. 
3 – الكراهية بين ابناء الأرياف والمدن الكبرى : ولا ننسى هنا لون آخر من ألوان الكراهية بين أبناء الأرياف وأبناء المدن بشكل عام والمدن الكبيرة بصورة خاصة ، وهو قديم نسبياً ولكنه لم يكن يشكل خطراً قبل إنطلاق الاحتجاجات وبروز الألوان الأخرى ، وربما إعتمد هذا النوع على بعض العوامل المتعلقة بطبيعة وشكل العلاقات الإجتماعية وكذلك بنوعية وسائل الإنتاج ، حيث كان هناك شعور لدى أبناء الريف بأن أبناء المدن الكبيرة ينظرون إليهم نظرة دونية مما يولد لديهم نوع من الحقد وحتى رغبة في الانتقاد أحياناً ، والنظام يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية هذا اللون من الكراهية أيضاً نظراً للفارق الكبير في الخدمات بين الأرياف والمدن . 
4 – الكراهية السياسية : وهذا اللون من ألوان الكراهية قد يكون شائعاً في مختلف بقاع العالم ، حيث تبرز كوسيلة في المنافسة السياسية والصراع على السلطة في المجتمعات المتقدمة وتظهر بشكل جلي خلال الحملات الإنتخابية لتحقيق الفوز فيها، ولكن في البلدان التي تحكمها نظم الإستبداد مثل سوريا فإن هذا اللون من الكراهية يأتي مكملاً  للألوان المذكورة أعلاه بهدف تمزيق النسيج المجتمعي وإضعافه وخلق الصرعات بين مكوناته ، والقضاء على القوى الحية فيه وذلك من خلال توصيف المخالفين والمعارضين بالإرهاب وإتهامهم بالعمالة للخارج والتآمر على وحدة تراب الوطن تمهيداً لإعتقال الخصوم السياسيين وسجنهم وتعذيبهم وحتى قتلهم ، وهذا المرض قد أصاب بشكل أو بآخر الكثير من التعبيرات السياسية – التنظيمية التي تعمل خارج السلطة ، وفعاليات المجتمع المدني الأخرى .
تقع مهمة التصدي لهذه الجائحة ( الكراهية ) على عاتق النخب الوطنية السورية عامة ومن مختلف المكونات القومية والدينية والمذهبية ، وذلك من خلال كسر الحواجز، وإزالة الجدران التي بناها المنظومتا ن المذكورتان ( البعث والأسلمة السياسية )، من خلال التلاقي والتفاعل المستمر وإقامة ورشات عمل مكثفة ومستمرة ومركزة ، وطرح مختلف المواضيع بكل جرأة وشفافية ، وكذلك القضايا القومية والدينية والمذهبية في سوريا ، والأسئلة التي تتسم بعضها ” بالحساسية ” من قبيل : كيف يجب أن يكون شكل الدولة السورية المستقبلي ،مركزية ، إتحادية ، لامركزية إدارية أم سياسية ، تقسيم سوريا ؟. طبيعة نظام الحكم هل هو رئاسي ، برلماني ، غير ذلك ؟. هوية الدولة السورية ، إسلامية ، عربية ، كوردية ، تركمانية ، سريانية ، وطنية جامعة ؟. وبعد بلورة خطاب ومشروع وطني سوري توافقي جامع ومعبر عن تطلعات الشعب السوري بمختلف مكوناته المذكورة ، يجب الانطلاق إلى ساحة العمل الجماهيري من خلال استنفار واستقطاب ومشاركة مختلف النخب السياسية والثقافية والعلمية والدينية والاجتماعية والشبابية والنسوية والاقتصادية والفنية والرياضية …. إلخ . لأن الموضوع ليس حكراً على شريحة محددة ، أو صراع بين النخب ، بل هو عبارة عن قضية طي حقبة البعث ، والتأسيس لسوريا جديدة وبيئة مناسبة لنمو مشروع سياسي نهضوي وطني جامع ، لإعادة إنتاج دولة تسودها قيم الحق والعدل والمساواة ويتحقق فيها الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية داخل خيمة المشروع الوطني الجامع . وعلى النخب التي تأخذ على عاتقها مهمة محاربة الكراهية أن تتجنب الوقوع في نفس المستنقع الذي أنشأته تلك العقول المريضة التي تقف خلف هذا الخطاب المقيت ، وأن تدرك جيداً بأنه لايمكن أن نتخلص من  خطاب الكراهية بخطاب كراهية بلون آخر ، بل من خلال برامج علمية ، ودراسات معمقة وصولاً لسن قوانين ، وإصدار تشريعات لمكافحة هذا الوباء القاتل ، وتدريس تلك التشريعات في المناهج التعليمية لإعداد أجيال خالية من فيروسات هذا الوباء ، وزرع المحبة والتسامح والتعايش وصولاً إلى مجتمع محصن خالي تماماً من مختلف ألوان الكراهية يعيش فيه الجميع بسلام وأمان . 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…