انبثق مشروع تيار المستقبل الكردي في سوريا تحت ضغط الهم الوطني والديمقراطي ورداً على الركود السّياسي والعطالة والجمود الكردية التي أصابت السّاحة السّياسية بعد انتفاضة 12 اذار 2004 نتيجة لقمع السلطة وطغيانها المتسم بالجبن واللاديمقراطية تجاه حقوق الشعب الكردي وقضاياه الوطنية، فكان من الطبيعي ان ينشأ التيار من قبل بعض المثقفين الشباب وبعض مستقيلي الاحزاب الذين امتلكوا وعياً بالضرورة التاريخية لإنشاء تنظيم جديد يختلف في توجهاته وسياساته وبناه التنظيمية عن كل ما هو سائد، وأن يكون لأعضاء التيار وعيهم وإدراكهم لذاتهم ولدورهم والمخاطر المحيطة بهم، وكانت النتيجة استشهاد ثلاثة القادة من المؤسسين مشعل التمو و أنور حفتارو ومصطفى خليل .
قدم التيار مثالا فريداً في الساحة السياسية الكردية حيث شجع روح المقاومة لدى الشباب الكردي واهتم بدور المرأة في العمل السياسي، كما أكد على تلازم المسارين القومي والديمقراطي واعتبر ان حل القضية الكردية هو المدخل الفعلي لتحقيق الديمقراطية في سوريا، وعلى هذا الأساس عمل على بناء أفضل العلاقات مع القوى الوطنية والديمقراطية وانخرط في الشأن السوري العام، وكانت جريدة المستقبل مفتوحة لكل الآراء والافكار، حتى وإن كانت مخالفة لسياسة التيار وتوجهاته لأنه كان يطمح الى ممارسة اقصى درجات الحرية والديمقراطية، اما على الصعيد التنظيمي فقد قدم التيار مثالا فريداً بنسف النظام الداخلي اللينيني والغاء منصب السكرتير أو الأمين العام واستعيض عنه بناطق رسمي حيث كان الأمر مثار جدل واختلاف على الصعيد الكردي وخاصة عندما حاول التيار تأسيس تقاليد نضالية يتمايز عن كل المأثور الكردي.
لكن سياسات التيار التي ارتكزت على الوطنية السورية لم تصمد طويلا أمام الموقف الشوفيني المنغلق والعنيف للنظام، وعدم التفاعل من المعارضة السورية التي افتقدت الى موقف جريء من القضية الكردية في سوريا يتجاوز محددات النظام والذي وصل ذروته في مؤتمر الانقاذ عام 2011م عندما تمسك هيثم المالح ومجموعته باسم “الجمهورية العربية السورية” ما أدى الى انكفاء التيار الى الحاضنة الكردية. لم يلزم التيار نفسه بالمهادنة أو التسوية مع النظام السوري لابل استخدم لغة نظرية قائمة على القطع معه والتحريض ضده.
لقد تحمل التيار عبء طرح الاسئلة في ممكنات وجوده بقراءة واقعية مختلفة بعيداً عن أية تابوات أو حدود، وكان الأثر هو الورقة الكردية التي قدمها في تصوره للوضع السوري بشكل عام والكردي بشكل خاص ورؤيته للدولة السورية التي يطمح إليها كل السوريين، سوريا دولة ديمقراطية تعددية تعترف بحقوق جميع مكوناتها، سوريا لكل السوريين. وفي هذا السياق تميز التيار بغزارة إنتاج الوثائق والتصاريح والبيانات السياسية لكن كل ذلك لم يساعده في أن يتوسع تنظيميا وشعبيا بسبب الخوف من بطش السلطة وممارساتها، إلا من كان يمتلك في نفسه مكانا للتمرد الاجتماعي والسياسي ويبحث لحياته عن معنى غير تقليدي وهو الدافع لانضمام عدد من الشباب والصبايا الباحثين عن الحرية والديمقراطية إلى صفوف التيار.
إن ما حصل للتيار من انقسامات بعد اغتيال ناطقه الرسمي القائد الشهيد مشعل التمو يتحمل مسؤوليته طرفان رئيسيان، قيادة التيار والواقع الموضوعي الذي كان يجري فيه الصراع، وهو عامل اساسي لا يمكن إهماله البتة فالدور الذي لعبته بعض الأطراف إضافة للسلطة السورية في بحثها عن إنهاء التيار وكسر لحمته، لا يقل عن الأسباب السابقة أعلاه. المسؤولية كلية وليست مرتبطة بشخص بعينه سواء ما يتعلق بمنهج العمل أو إصلاح الخطط ووضع استراتيجيات وسياسات يومية – أي بتنظيم القوى والموارد المتوفرة – رغم قلتها – والارتقاء بالفعل السياسي الى مستوى التحديات – مستوى الفعاليات المنظمة والقادرة على وضع استراتيجيات مضادة، وابتكار الحل، والتحدي اليومي – يظهر- من خلال بناء قيادة كفوءة ومنسجمة، وذات صدقية تؤكد الثقة وتجلب الاحترام، وتتصرف كفاعل مسؤول عن مصير السوريين عموما والكرد بوجه اخص.
شارك التيار في الثورة السورية إبان انطلاقتها، وأعلن انحيازه الى الشباب الكردي الثائر، واليوم بعد كل ما حصل، يمكن تلخيص المشهد السوري بجملة من التطوّرات والأحداث أهمها: وصول الأوضاع إلى حالة من الاستعصاء أصبح فيها الحسم العسكري مستحيلاً، حيث تؤكد معظم الاطراف الاقليمية والدولية على ضرورة الحل السياسي وفق القرار الاممي 2254 وفي هذا السياق يدعو تيار مستقبل كردستان سوريا المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري حيث يعيش بمجمله تحت خط الفقر بعد توقف عجلة الاقتصاد، وتفاقم البطالة وارتفاع الاسعار وفقدان الامن الغذائي، وغياب الرعاية الطبية والصحية نتيجة أزمات السلطة وإصرارها على البقاء، وهي أمور لا يمكن تجاوزها إلا بتفعيل العملية السياسية وإيجاد حلٍّ شامل للوضع السوري من ضمنه الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كمكون أصيل وحل قضيته القومية وفق العهود والمواثيق الدولية وبضمانات دستورية.
وفيما يتعلق بالمشاريع السياسية التي تطرح للمناطق الكُـردية وشرق الفرات عموماً وبالحوار الكردي حيث لم تتوضح معالم هذه المشاريع، فانه يؤكد على دعم كل المبادرات التي تهدف لحماية شعبنا الكُـردي، والمكونات الأخـرى كافة، وجعل هذه المناطق آمنة تجاه المخاطر المحدقة بها، وبرعاية دولية، واقامة علاقات مع دول الجوار قائمة على اساس عدم التدخل والاحترام المتبادل، وفي الوقت الذي يرى فيه التيار بأن تحقيق وحدة الموقف الكردي هي واجبة وممكنة في هذه المرحلة لكنها لا يمكن أن تتحقق عفويا، بل تحتاج الى حوارات وإرادات مبنية على الإدراك العميق لكل العوامل التي تساعد على تحقيقها، فأنه يدعم الحوارات الجارية بين المجلس الوطني الكردي والاتحاد الديمقراطي الهادفة إلى اتخاذ مواقف موحدة في القضايا المصيرية المشتركة.
يدين التيار الأعمال الاجرامية والخطيرة التي تمارسها الميليشيات المسلحة السورية المدعومة من الدولة التركية في عفرين وكري سبي وسري كانيه، التي تجاوزت كلّ الحدود، واستباحت كل المحرمات ومارست القتل والنهب والتشريد والتنكيل بسكانها الأصليين والمس بالتركيبة السكانية وإجراء التغيير الديمغرافي، ويدعو الائتلاف وكل القوى المعارضة ببيان موقفها الواضح من هذه الأعمال وإدانتها، كما يدعو المجتمع الدولي الى ممارسة كافة أشكال الضغط على الحكومة التركية لإيقاف هذه الممارسات وإخراج المسلحين منها وتسليمها إلى أهلها لإدارة شؤونهم، والقيام بمسؤولياتها تجاه هذه المناطق وفق القانون الإنساني الدولي.
إن تيار مستقبل كردستان سوريا اذ يشكر المجلس الوطني الكردي على إعادة تفعيل عضويته في هيئاته ومؤسساته، ويؤكد بأن المجلس الوطني الكردي يجسد الرؤية الوطنية الكردية في سوريا ويشكل جزءاً من المشروع القومي الكردستاني الذي يقوده الرئيس مسعود بارزاني، كما أنه يؤكد على تمسكه بالحقوق القومية الكردية وبالبيان التأسيسي لتيار المستقبل من أجل إرساء قيم الحرية والكرامة والعيش المشترك في إطار وطن تشاركي يعيش الجميع في ظله بسلام وأمان بعيدا عن العنف والارهاب.
الهيئة التنفيذية
تيار مستقبل كردستان سوريا
29-5-2020