احزاب بين مطرقة الشعب وسندان النظام:

خالد بهلوي
 
إن الأحزاب التي تعتبر نفسها طليعة الطبقة العاملة اعتمدت النظرية العلمية كمنهج عمل واتخذت التجربة السوفيتية قدوة ومثل لها كانت تتمتع باستقلالية وجماهيرية وعمل ميداني مميز رغم تعرضها للاعتقال او التحقيقات المستمرة.  الى ان انضموا إلى الجبهة الوطنية التقدمية منذ 1972 لإدارة دفة الحكم مع حزب برجوازي. شاركوا في مؤسسات الدولة من القيادة المركزية للجبهة الى وزراء واعضاء مجلس الشعب وفي مجالس المدن والبلدان وساهموا في جميع النقابات العمالية والفلاحية 
 عن حقيقة هذا التعاون قال أحد المفكرين أي تعاون واي جبهة بين حزبين حزب يملك السلطة التنفيذية والتشريعية والأمن والجيش والسلاح. وحزب لا يملك سوى جريدة شهرية سرية وجماهير واسعة، مع الزمن ستكون النتيجة خسارة الحزب جماهيره مقابل جريدة علنية تحت مقص الرقابة. لان ميثاق الجبهة نصت ان حزب البعث قائد الدولة والمجتمع  لهذا كان أحزاب الجبهة دورها وفاعليتها شكليا فقط. لهذا لم تستطع أن تحقق شيئا للجماهير والطبقات الكادحة التي مثلتها وتراجعت عن الكثير من القضايا والمطالب اليومية وتخلت عن العمل بين الطلبة والجيش بذريعة الحفاظ على هذه الجبهة.
هذا التراجع رافقتها تراجع في تحقيق أي مطلب عمالي او فلاحي عدا بيانات الاستنكار والشجب والتنديد لاي عمل او قانون او قرار سلبي طبق بحق الطبقة العاملة او بحق الشعب دون استثناء على مدى نصف قرن، فكانت النتيجة انها فقدت جمهورها ومؤيديها، وابتعدت عن المواقف الطبقية وعلى راسها محاربة بقايا الاقطاع والرأسمالية والبرجوازية الطفيلية والفساد والمفسدين. وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية لكل الأقليات والقوميات. 
كانت سببا لظهور انقسامات تخللت صفوفها وكل انقسام كان يتزعمه ثوري يوهم رفاقه أولا وأنصاره ثانيا: انه المنقذ الوحيد للمسار الطبقي لهذا الحزب مدعيا محاربة الامتيازات والمكاسب المؤقتة معلنا الحرب دون هوادة على البرجوازية الطفيلية التي تستغل قوت الشعب. وسرعان ما تنكشف الحقيقة ويعود المواطنين وانصارهم ومؤيديهم إلى البحث عن ثوريين اخرين وعن سبل وطرق أخرى لدعم القضايا العمالية ومحاربة البطالة والفساد والرشوة وتحسين الوضع المعيشي لطبقة البروليتاريا.
إن هذه الأحزاب لم تستطع ادارة الصراعات الطبقية لمصلحة البروليتاريا انفة الذكر بل تفرغت لمصلحتها ومصالحها ومصالح من يدعمها ويؤيدها في الانتخابات ليبقى مهيمنا ومسيطرا على قيادة التنظيم.  ومن اجل الهيمنة والاستمرار في الحفاظ على مكتسباتها كانت توهم الناس بأنها لازالت متمسكة بهموم العمال والفلاحين، لكنها في الواقع نست أو تناست حمل هذه الهموم والدفاع عنها أو حتى إظهار نضالات هذه الطبقة العفوية التي اضطرت تحت أعباء التكاليف المعيشية والضغوطات الأمنية أن تتخذ أسلوبا ثوريا من النضال كالتظاهر ضد الأنظمة الشمولية التي أفقرت وجوعت وشردت ودمرت البلد على مرأى ومسمع وسكوت وأحيانا تبرير هذه الأحزاب المسمى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.
لهذا فان جميع الأحزاب التي لم تتبنى هموم ومشاكل الجماهير ستعلن عن إفلاسها وخاصة منذ انطلاقه تحركات الشعب في سائر مدن وبلدات القطر ومعرفة من دافع عن الشعب ومن وقف حياديا خوفا على مركزه. واستمر في التضليل والخداع تحت شعارات مزيفة مؤقته.  لكل ذلك ستضطر الجماهير الكادحة ان تبحث عن تنظيمات او تشكل أحزاب تحميها وتدافع عنها لا تنظيمات تعيش وبالا وبؤسا فوق بؤس الفقراء الكادحين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…