شريف علي
شهدت المنطقة وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية شكلا جديدا من اشكال الوصاية الاستعمارية تمثلت بمناطق نفوذ للدول العظمى تدار محليا وفق ما تمليه مصالح تلك الدول غير ان تلك المرحلة لم تدم طويلا مع نزعة شعوبها في متابعة مسيرة التحرر الكامل والتخلص من هيمنة الاجندات الخارجية للدول المنتصرة في الحرب والتي دفعت ببلدان المنطقة الى سلسلة من الانقلابات العسكرية واخضعت مصير شعوبها لقرارات جنرالات كانت تتبادل الادوار تبعا لدرجة ولاءها للدولة العظمى واخلاصه في تنفيذ برامجها في المنطقة ، وحفاظا على مواقعها لجات الجنرالات الى ما من شانه اركاع الجماهير بشتى اساليب القمع واعادة انتاج الفرد لدرجة تصبح حالة الولاء والخضوع للزعيم المستبد جزءا من سلوك المالوف /القطيع او ما يمكن تسميته بعملية صناعة الاغبياء، ممن يؤدون ادوارا،ويقومون باعمال دون اية دراية بالهدف منها او لما تؤدى.
ما انتج حالة استبدادية الذات بارادة الاخر المنتدب بقرار استخبارتي خارجي يهدف الى ترسيخ الارادة فوق اية ارادة شعبية ساعية الى الخلاص وبناء الذات بناءا سليما يتمتع على اقل تقدير بامكانية التفكير والتعبير الحر، بامكانية العيش المستقر في موطنه . لكن الامكانيات الثلاث تلك باتت هدفا اوليا للمستبد المنتدب للالتفاف على اية خطوة من شانها التقليل من سطوته على المجتمع، او زعزعة ثقة السيد به من جهة اداءه للدور الموكول اليه لتنفيذ مشاريعه على المدى البعيد واصبحت سياسة ثلاثية البعد التدميري، للفرد والمجتمع والوطن وترتكز على ثلاثية جهل جوع جلاء او ما يمكن ان نطلق عليه سياسة الجيمات الثلاث التت لا تعني سوى تدمير وعلى المدى البعيد لبلد وشعبه هذا ان لم يكن انهاءه. لما لهكذا سياسة من تداعيات قاتلة تطال البنيات بحيث تجعلها معطلة في احسن الاحوال،وغير قادرة على اداء فعال بل تصبح طيعة لتسلق المستبد الى مراحل اكثر عنفا وعنجهية يكون فيها القتل والمتاجرة بدم الفرد اهون شرورها.
هذه السياسة اتحذت اكثر من طابع مع انتشار حكومات الجنرالات في المنطقة حتى نهاية ما كانت تسمى بالحرب الباردة بين قطبي النظام العالمي الولايات المتحدة الامريكية وما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، لكنها غالبا ما كانت تحت اقنعة الوطنية والقومية ووحدة البلدان وهذا ما كانت تبرر به استمرارية سيطرتها اللامشروعة، لكن وبالتوازي مع ممارساتها القمعية كانت تتراجع تلك السياسة لشرعنة اغتصابها للسلطة، الى ان فقدت تلك السلطات صلاحيتها وفق معايير رعاية مصالح الاحتكارات العالمية في ظل التغيرات التي شهدتها العلاقات الدولية خلال العقد الاول من االقرن الحادي والعشرين، عندئذ كان الهول الذي ظلت شعوب المنطقة تنتظر زواله طوال عقود من الاستبداد، فبدلا من ان كانت تحت وطأة مستبد ،فقد تعدد المستبدون جراء قيام الانظمة القائمة تشتيت جبهة الشعب المعارضة باختلاق حالات عدائية وتسعير النعرات الطائفية والدينية والمذهبية بين مكونات المجتمع بما مهد لتقسيم سلطوي واضح المعالم سهلت من مهمة الانظمة في مواجهة الحراك الجماهيري الامر الذي اضحت فيه البلاد تحت وطأة صور مصغرة من الائظمة القائمة وحتى تتمكن من تادية ما اوكل اليها في ظل غياب مركزية الآلة القمعية والحالة العسكرية الميليشياتية لجأت السلطات المنتدبة الى ثالوث الاستبداد المتمثل ب
/جوع -جهل – جلاء / لتصل مبتغاها في بلد بات التعليم في اخر سلم اولويات ابنائه،و والتفرغ لتامين لقمة العيش وباية وسيلة كانت ، وعند استحالة ذلك الهروب والاستسلام لارادة تجار البشر وامواج البحار. ليتربع المنتدب المستبد على عرش بلد خاو من العلوم والاجيال المنتجة ،يدار من قبل غرباء مغتربين عن ذاتهم وواقعهم مغتربين عن الماسي والفواجع التي حلت باهلهم وذويهم ولا تزال، ولكن هذه المرة على ايديهم.
فالمستبد المنتدب لايعنيه ان غرق اجيال برمتها في بحر الجهل بل ربما يسعى هو الى ذلك كون الحالة هذه توفر له بيئة خصبة لتزايد من يحمل سلاحه دفاعا عنه وبطاقة رابحة له عندما يفقد حياته دون ان يدرك بان استشهاده جزء من صفقة مقبوضة الثمن.هذا ناهيك عما يترتب على صناعة الجهل من تداعيات مدمرة لبنية المجتمع من شتى النواحي.
مع استنفاذ فرص التجهيل في اي موقع ،واستحالة تنفيذه يكون السلاح الاخر المكمل المتمثل بالتجويع لارغام الافراد الى الرضوخ لارادتهم حيث تصمت كل مقاومة امام اطفال جياع باستثناء الهروب من الواقع الماساوي وهو الهدف الحقيقي لاي مستبد منتدب لا يعنيه مصير الملايين من ابناء البلد مادام يقبض لقاء كل عمل يقوم به.ويتنظر لينتقل الى مهمة اخرى ومكان اخر.