ملامح الفترة الانتقالية في سوريا

قهرمان مرعي
تبدو استحقاقات المرحلة الانتقالية أكثر وضوحاً ، بعد أَنْ ألتفت الروس نحو الوضع الداخلي للنظام ، وستكون من أصعب الفترات التي تعقب الحرب وتسبق الانتقال السياسي الحقيقي من حيث شكل الدولة ونظام الحكم وطرق وآليات التداول السلمي في إطاره المرسوم والمحدّد من قبل الأقوياء ، الروس والأمريكان ، فالمعطيات تفيد بأنه لا يمكن الوثوق باستمرار حكم عائلة الدكتاتور المؤسس حافظ أسد في حكم سوريا ، بعد كل هذا الإجرام والويلات ولا التأكيد بحتمية ترشح وريثه بشار لانتخابات/2021  و التي من المقرر أن تنتهي وصايته على ممالك وإقطاعات ، أسمها الجمهورية العربية السورية، لم تزل عضو في الأمم المتحدة ، تتمتع حسب العرف بالسيادة ، حيث يعمل المجتمع الدولي الحفاظ على مؤسسات الحكم وهيئاته ، بعد نصف قرن من التسلط والاستبداد والإجرام والفساد ، في مسعى منه لمنع انهيار ما يسمى بالدولة .
وبما أن الحرب لم تضع أوزارها بعد ، وبات النظام ومن خلفه الميليشيات الطائفية والجيش الروسي متواجدين في معظم المحافظات السورية إما بشكل كامل أو جزئي والمثال الأقرب هو مناطق شرق الفرات ، فهم متواجدين بالأساس في غرب كوردستان ، في قامشلو ومركز المحافظة في الحسكة والآن على شكل تحركات بمحاذاة الحدود من ديريك إلى الطبقة وعلى الطريق الدولي ، حيث تقاسُمْ مناطق النفوذ وتداخلها بينهم وبين الأمريكان والاحتلال التركي تتخطى الاصطدام المباشر ، بل تأخذ أبعاداً ثلاثية من التنسيق وتبادل الأدوار ، بينما الهجمات تشتد أحياناً بالنيابة ، بدلالة صراع القوى المحلية المسلحة التي تسترزق من القوى الدولية والإقليمية والنظام ، حيث أصبح التسليم بالأمر الواقع حقيقة على الأرض ، من خلال تعزيز التواجد وفق التقسيمات العسكرية على الخريطة السياسية لسوريا . لذلك فإن العسكر سيدفعون بالسياسة إلى حيث يرغبون وليس العكس كما يتخيلها البعض ، فكل القرارات الصادرة من الأمم المتحدة بشأن سوريا وأطنان الورق والوثائق من الإدانات الشديدة منها والخفيفة و لا الرأي العام الدولي والشعبي في هذا العالم ، لم يكن بمقدوره وقف قتل إنسان أو حيوان أو منع تدمير مدينة فوق ساكنيها الأبرياء ، مادام هناك برميل متفجر يسقط من السماء و في الأرض يد على الزناد ، لهذا فإن المراهنة على تفكيك الجيش الأسدي والميليشيات الطائفية من طرف وجيوش المرتزقة منها في الطرف الآخر المعارض وفي مقدمتها المنظومة الأمنية التي تفوقت في التنكيل والشراسة على مثيلاتها العالمية في الحروب الكبرى الحارة منها والباردة ، لن يكون سهلاً بل سيستمر في شكلها المرسوم وستستبدل أو تتشكل هياكل جديدة وفق حاجة ومصالح الأقوياء نعم الأقوياء فقط . فليس عبثاً ما يقوم به الروس في الجزيرة ودير الزور من تشكيل ميليشيات عشائرية عربية محليه ، بل يأتي في إطار تشكيل قوات بديلة تأتمر بأوامرها بشكل مباشر خارج منظومة النظام الأمنية والعسكرية ، كذلك الأمريكان والتحالف ، يتبين الهدف من مجمل تحركاتهم الحالية سواء ما يتعلق بالتفاوض على إشراك المجلس الوطني الكوردي في الإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديمقراطي أو تشكيل ميليشيا من العشائر العربية في مناطق التماس و بيئات (داعش) ، هو العمل على تأسيس شراكة سياسية وعسكرية وإدارية  لمختلف الأطراف ، سواء الكوردية أو العربية .
لهذا قَدْ تكون الفترة الانتقالية  بعهدة مجلس عسكري انتقالي  يحكم مناطق النظام وفي أحسن تقدير على شاكلة مجلس (الفريق أول حميدتي) المتهم بارتكاب انتهاكات في حرب دارفور في السودان  ، يشكل بديلاَ عن صلاحيات رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة الذي أكتسب رتبته العسكرية بالوراثة  و لم يعد يمتلك من القرار بما يفيد استمرار حكم أبيه ، بسبب صراع العروش ومراكز القوة والمال ضمن العائلة الحاكمة وحاضنتها الطائفية ومرجعيتها المذهبية بما يشمل الكتل الموالية من المذاهب الأخرى المتحالفة على المتاجرة بالدم السوري  والتي تشكل بمجموعها مافيات متعددة المهام ، تمرست في القتل والتنكيل والفساد و تغولت على الدولة ومؤسساتها كوحوش تدمر كل شيء يصادف طريقها ولم يعد أنيابها ومخالبها تكفي لاصطياد الفرائس بما يكفي جشع أفراد العصابة المجرمة ، ويبقى كل الأمور مرهونة بتطور الأحداث  فيما يتعلق بالصراع مع إيران سواء في سوريا أو العراق أو اليمن وكذلك ما يتعلق بصفقة العصر بالنسبة لإسرائيل في المنطقة بمجملها سواء ما يتعلق بضم الأراضي وإضفاء الشرعية على الاحتلال أو التطبيع مع بقية العرب ، فكل المؤشرات تؤكد بأنه لن يكون هناك تحول سياسي مدني في سوريا دون المرور تحت بسطار حكم العسكر كمرحلة انتقالية ، كما هو حاصل في بقية دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقد يدفع تبعات تنفيذ قانون ( سيزر) في (حزيران/يونيو) القادم ، الروس إلى الاستعجال لتغيير قواعد لعبة المقامرة في (غرب  المتوسط )، وإنَّ تصور إنهاء الوجود الإيراني في سوريا دون إسقاط النظام يأتي في باب الغيبوبة السياسية لبعض المحللين الذين يستخفون بحجم العلاقات الروسية الإيرانية ، منذ حرب أفغانستان والعراق ومدى تورط إيران في الأزمة السورية ولبنان وصولاً لقطاع غزة ويبقى بُعد الصراع وحدَّته بين أمريكا وإيران من عدمه ، يحددان معالم الطريق لحرية السوريين بمختلف انتماءاتهم  القومية والدينية والمذهبية في وطن قَدْ يؤسس من جديد على دعائم الحكم الرشيد .
Deutschland ـ15.05.2020    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

درويش محما الموحدون الدروز يبلغ عددهم 800 ألف نسمة في سورية، ويسكن غالبيتهم جنوب البلاد، أما الكرد فيبلغ عددهم مليوني نسمة وربما أكثر، ويسكن غالبيتهم شمال وشمال شرق البلاد. لا توجد إحصاءات رسمية موثقة يمكن الاعتماد عليها بهذا الصدد، والأرقام أعلاه هي للأسف أرقام تقريبية غير دقيقة، عكس الآتي أدناه، فهي حقائق جازمة لا ريب فيها. تعرض الدرزي السوري على…

ا. د. قاسم المندلاوي النفوس المريضة في بغداد لا ترتاح لما يحدث من تقدم و تطوير و ازدهار وامن واستقرار وتعايش سلمي في اقليم كوردستان ، ثقيل على عقولهم رؤية هذه التطورات بسبب كرههم وحقدهم الا محدود للكورد ، لذا يحاربون الشعب الكوردي وحكومة الاقليم بابشع الاساليب السيئة ” قطع الارزاق ” منع صرف رواتب الموظفين و المتقاعدين بحجج…

أزاد خليل لطالما شكل الأكراد، كثاني أكبر قومية في سوريا، جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للبلاد. ومع ذلك، شهدت فترات حكم حزب البعث سلسلة من السياسات الممنهجة التي هدفت إلى تهميش وإقصاء هذه القومية، وممارسة أشكال مختلفة من التمييز والإنكار بحقها. اتسمت هذه السياسات بطابع عنصري واضح، تجلى في محاولات التعريب القسرية، وقمع الهوية الثقافية واللغوية، والتضييق على…

ماجد ع محمد بالرغم من أنَّ التصرف الأخير للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الذي تمثل في حرصه الشديد على خلاص ذاته وأسرته القريبة فقط، وعدم إخبار حتى أقرب الناس إليه من محيطه العائلي أو السياسي بما سيُقدم عليه في اللحظات المصيرية، يظهر بوضوحٍ تام أنه شخص أناني وانتهازي ومريض نفسياً وغير معني أصلاً بمصير بالطائفة التي يدّعي الاِنتماء…