بعد ثلاثة أيام من قرار الرئاسة المُشتركة لمكتب الإعلام في الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، بحق الإعلامية «ڤيڤيان فتاح» والاستماع للردود والبيانات التي صدرت عن الواقعة، ارتأى اتحاد الصحفيين الكُرد السوريين، من خلال مكتب توثيق ورصد الانتهاكات توضيح نقاط عدّة نظراً للالتباس المُصاحب للحالة أولاً، وتكرار العقوبة ذاتِها سابقاً بحق زُملاء آخرين ثانياً، والذي يصفهُ المكتب انتهاكاً بكُل المقاييس، إلاَّ أنَّ قرار المكتب حينها كان عدم الخوض فيهِ، ولكن توثيقها ضمن التقرير السنوي الذي يُرصد جميع أنواع الانتهاكات في المناطق الكُردية.
بدايةً؛ الإعلام الذي تتعدد مرجعياته، تزداد أخطائه، وبالتالي يصبح الصحفي أو الإعلامي في حيرة من أمرِهِ؛ على أيّ قانون يستند، ومن يُصدق؟ والحقيقة التي لا بد أن يتقبلها الرئاسة المُشتركة لمكتب الإعلام، أنَّ الإعلام في الإدارة الذاتية بشقيهِ العام والخاص يعيش حالة ضياع، وتخبّط نتيجة تجاوزها لأبسط قواعد العمل الإعلامي ومسؤولياته المعرفية مهنياً وأخلاقياً.
ما دفعنا لهذه المُقدمة القاسية، تلك الضجة غير المُبررة التي رافقت العقوبة التي اُتخذت بحق الزميلة « ڤيڤيان فتاح» والتي برأينا، لولا إثارتها بهذا الشكل، كان يمكن تمريرها دون ضجة مع توجيه تنبيه للزميلة هذا في حال كانت مخطئة وتستوجب ذلك. ومكتب الإعلام لعب دوراً كبيراً في التهويل والتلاعب بالألفاظ وربطِها بمؤسسة «عوائل الشهداء» الذين ننحني إجلالاً لدمائِهم وبطولاتِهم، ومن المُجحف إقحامهم بسجالٍ كهذا حتى أصبح القرار مادة دسمة على كُلِ لسان في صفحات التواصل الاجتماعي، وليتطور إلى صراع بين القاعدة الجماهيرية للقوى السياسية الداعمة لكُل جهة ووسيلة إعلامية، ومقارنة الخطأ في حال استخدام المُصطلح عينه في الأجزاء الأخرى من كُردستان أو على النطاق الكُردي.
من غير المنطقي رد الفعل عند بعض الزُملاء الإعلاميين، يكون دافعاً للحاضنة الشعبية بتشويه شخصية أيّ زميل حتى لو ارتكب خطأ من دونِ قصد، هُنا قبل أن ندخل في سرد بنود قانون الإعلام في مُقاطعة الجزيرة الذي أُقرّ في 2015، سيدرك كل من اطلعَ على هذا القانون أنَّ مكتب الإعلام في الإدارة الذاتية لم يُطبق القانون الذي تم وضعه من قِبلِهُم، ولا يوجد بين بنوده ما ينص على العقوبة التي اُتخِذت بحق الزميلة « ڤيڤيان فتاح»؛ حيثُ يقول الفصل الثاني عشر الخاص بالمُخالفات والعقوبات وفق المادة (29): أ- تُعاقب كل وسيلة إعلامية محلية بغرامة لا تقل عن مئة ألف ليرة سورية، ولا تزيد عن ثلاث مئة ألف ليرة سورية، وكل وسيلة إعلامية أجنبية تُعاقب بغرامة لا تقل عن مبلغ ألفي دولار ولا تزيد عن (5) آلاف دولار وإيقاف البث وعمل المُراسلين مُدة عشرة أيام بالنسبة للإعلام المرئي والمسموع، وإيقاف النشر مُدة ستة أشهر بالنسبة للمطبوعات الدورية؛ إذا خالفت أحد بنود المادة الثانية من الفصل الأول. السؤال: هل طبقت الرئاسة المُشتركة هذه المادة سواءً في العقوبة الخاصة بحق الزميلين ناز السيد وبدرخان أحمد والآن مع ڤيڤيان فتاح؟
أما المادة (32) من الفصل ذاته، فتقول: يُعاقب كُلَ شخص أياً كانت صفته، وفق قانون العقوبات العامة للمُقاطعة، إذا أهانَ صحفياً أو إعلامياً أو تعدّى عليهما بسبب عملهما أو في أثنائِهِ. نُكرر السؤال ثانية هنا: مكتب الإعلام نفذ حكمه وفق قراره بحق الزميلة، لكن هل نفذ بنود هذه المادة لكُلِ من أساء للزميلة؟
وفق المادة (19) من قانون الإعلام، هذه العقوبات ليست من مهام الرئاسة المشتركة؛ وإنَّما من مهام مكتب المتابعة الذي يكمن مهمته في متابعة ومراقبة نشاطات جميع وسائل الإعلام من أجل التّأكّد من مدى التزامها واحترامها لتعهداتها وفق أحكام هذا القانون. والذي لا يتضمن أيّ جزء من تلك العقوبة! والأهم من كل هذا أنَّ صلاحيات المجلس وفق المادة (12) هي «العمل على حرية الإعلام وحرية التعبير عن الرأي وتعدّديته».
ثم لماذا وضع الإعلاميين دائماً في الشك من ارتكاب الخطأ وأنه خاضع للرقابة، في حين الفصل الثاني عن الحقوق والواجبات وفي المادة (3): «لا يخضع العمل الإعلامي لرقابةٍ مُسبقة» ونختمها بالمادة (4) التي تلخص كل ما قلناه آنفاً وهي أنَّ «حُرية الإعلامي مُصانة في القانون ولا يجوز أن تكون المعلومة أو الرأي الذي ينشره سبباً للمساس بحُريتِهِ». وهنا بالضبط بيت القصيد.
أخيراً؛ في جزئية المصطلح (الشهيد، والقتيل)، للأسف العُرف المُعتمد إعلامياً واضح لدى الأكثرية الساحقة من الإعلاميين، ومع ذلك عند أيّ جدل أو كتابة تقرير أو مادة مرئية مُثارة، يتم تراجع العديد منهم عن مواقفهم، لا بل يلعبون دوراً سلبياً في احتدام النقاش وفتح المجال لتصدُر الإساءة من الناس العاديين الذين ليس لهم دراية بقواعد الإعلام، هل يجوز الادعاء وفق «البعض» بأن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة، أو الادعاء بأن قتلانا «شهداء» في أعلى مراتب الجنة (أي في عليين) وقتلاهم ليسوا كذلك، سواءً أكان الجواب بنعم أم لا فأنت تختار المصطلح الديني، وهذا ليس موجوداً كلياً في علم الإعلام. ثم لماذا لا يكون العكس هو الصحيح، وتتم اعتبار القتل هذه مُدانة بالمقاييس الإنسانية كافة.
لذلك لا بد من الالتزام بالموضوعية الإعلامية والمصداقية والحيادية في التعامل مع مسألة «القتل» و«الموت» أياً كان القائم بالقتل وأيَّاً كان المقتول. علماً أن هناك إمكانية لاستخدام مصطلحات مهنية تُزيل التشنج المباشر لكلمة القتل مثل قضى أو فقد حياته… من هُنا نُطالب الرئاسة المُشتركة بالعدول عن قراراتها السابقة والحالية التي تخصّ هذه الجزئية إيماناً منّا بحُرية الصحافة والرأي، والبحث عن آليات حقيقية في التعامل البناء مع جميع الزملاء الإعلاميين ولتكن هذه العقوبات صادرة من مؤسساتهم أو من الجهات القانونية وليست من مجلس الإعلام الذي يجب أن يكون مدافعاً عن حقوقنا أمام الجهات التنفيذية.
اتحاد الصحفيين الكُرد السوريين
مكتب رصد وتوثيق الانتهاكات
قامشلو 13/5/2020