نوري بريمو
يوماً بعد آخر يصبح وضع كردستان سوريا أكثر تعقيداً مما كان عليه، نظراً لإبتلائها ببلاوي تتحدّف عليها من كل حدْب وصوْب، فما تكاد تنتهي بلوة حتى تظهر أخرى وتفرض نفسها على بلاد الكرد التي تحوّلت إلى ملعب للصراع بين النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى وبين هذه الجهة الإقليمية المتربصة أو تلك الدولية المتدخلة لمحاصصة الكعكة السورية التي باتت تقاسمها يُطهى على صفيح ساخن.
وللأسف يبدو أنّ إحدى أهم أسباب هذه البلاوي هو هشاشة البيت الكردي في ظل إغراقه بكمّ هائل من الأجندات الإقليمية الغازية لديارنا عبر سيناريوهات مؤامراتية متعددة الأشكال والألوان والتي يبدو أنها ستواصل تدخلاتها وتبثّ سمومها وتثير الفتنة وتغذي إختلافاتنا وتحاول أن تعزز حالة التشرذم كلّما شعرتْ بأن الجانب الكردي صار يدرك المخاطر المحدقة به ويحاول أن يتدارك لوأدها أو بالأحرى يسعى للإحتكام لجادة صواب التلاقي وتوحيد الصفوف، والأنكى من ذلك هو أنّ شرارات هذه الفِتَنْ البينية قد باتت شبه متأصلة في جسد حركتنا الكردية بفعل فاعل خارجي يؤجج الصراع (الكردي- الكردي) لأغراض غير كردية مؤذية وضارة للغاية.
أما الحل الأنسب فقد بات يعرفه كل المعنيين بهذا الشأن وهو وجوب الركون للغة الحوار لوضع الأصبع على الجرح وللخوض في التفاوض وإبرام إتفاقية جديدة تستمد قوتها ومشروعيتها من إتفاقيات هولير ودهوك التي أُنْجِزَتْ برعاية الزعيم والقائد الوطني الكردستاني مسعود بارزاني، ولكنْ وللأسف ورغم إدراك الجميع لهذا المخرج الآمن فإنه لم يتم التوصل حتى الآن إلى أي إتفاق (كردي – كردي) جدّي يتماشى مع المساعي الدولية للتوصل لحلول ترضي كافة الأطراف، ورغم أنّ الحاجة للتلاقي باتت ملحّة في ظل كل هذه البلاوي التي تحدّفَتْ علينا كصفقات عفرين وسري كانية وتل أبيض التي قصمت ظهر الكرد وهزّت ولا تزال تهزُّ كيان كردستان سوريا، ورغم أنه ينبغي علينا الإستفادة من الدروس والعِبَر لتنعكس إيجابياً على مجريات ونتائج اللقاءات الجارية برعاية أمريكية بين المجلس الوطني الكردي (ENKS) وحزب الإتحاد الديمقراطي (PYD) كطرفين رئيسيين متواجدَين وفاعلين في ساحة كردستان سوريا.
وبانتظار تصاعد الدخان الأبيض من سماء المفاوضات العسيرة التي تجري بين المجلس (ENKS) المتعامل مع هذه اللقاءات بمنتهى المرونة والإيجابية وحزب (PYD) الذي يبدي قدراً من المرونة السياسية ولكنه يتصرف كسلطة أمر واقع ويعطي الحق لنفسه بمواصلة الإمساك بقرارات الحرب والسلم والإستفراد بكل شاردة وواردة، ستبقى أبواب كردستان سوريا مفتوحة على مصراعيها وعرضة للمخاطر وستصبح مُشْرَعة على كافة الاحتمالات المنوطة بمدى قدرة الكرد على توحيد صفوفهم وبحجم ونوعية المتغيرات التي ستجري في سوريا التي باتت على مشارف التقسيم إلى مناطق نفوذ بين أمريكا وروسيا وبعض دول الجوار، ولكنْ وفيما إذا لم يتم التوصل إلى إتفاق بين هذين الطرفين فقد يتدحرج الملف الكردي في هذه الحالة المخيفة إلى أتون المجهول، ولكنْ وفي كل الأحوال سيبقى هنالك بصيص من التفاؤل والأمل المعقود على مدى قدرة المجلس الوطني الكردي بإعتباره حاملاً للمشروع القومي الكردي على إدارة هذا الملف في هذه المرحلة بنجاح شريطة أن يكف الآخرون بلاءهم عن كردستان سوريا التي باتت على كفوف عفاريت إقليميين لا يكفّون عن مواصلة وتنفيذ مخططاتهم الشوفينية الرامية لصهر الكرد وتشتيتهم وإلغاء وجودهم القومي والإبقاء على القضية الكردية عالقة وبلا أي حلّ.
(13-5-2020)