بمناسبة مساعي توحيد الصوت الكوردي.. 2 ـ بدهيات نجاح الحوار*

د. ولات ح محمد
 ما يجري بين الأطراف الكوردية من لقاءات وحوارات بعيداً عن عيون الإعلام استقطب الكثير من الكلام حتى قبل صدور نتائجه الأولية؛ فهناك من يرى في أي حوار من هذا النوع تضييعاً أو كسباً للوقت قياساً لتجارب سابقة، بينما يرى آخرون أن هناك فرصة جديدة (وربما أخيرة) كي تتفق الأطراف المعنية ولو على الحدود الدنيا من القواسم المشتركة، فذلك أفضل من الخلاف والتشتت القائمين، ومن شأنه توحيد الخطاب استعداداً للمرحلة القادمة، وكذلك توحيد الموقف مما يجري للكورد ولمدنهم وقراهم من تهجير وتطهير عرقي قد تمتد آثاره لعشرات سنين قادمة. ولكن من أجل بناء حوار ناجح والخروج بنتائج مأمولة ثمة بدهيات يجب أن تتوفر لدى الأطراف المتحاورة، هي في الوقت ذاته مؤشر على جدية الأطراف المتحاورة لإنجاز حوار حقيقي وجاد ومنتج. وعلى رأس تلك البدهيات:
1ـ وجود رغبة حقيقية وصادقة لدى جميع الأطراف في إيجاد خطاب وموقف كوردي موحد بوصفه الهدف الأول من هكذا حوار، وعدم اتخاذ أي طرف عملية الحوار كحاجة آنية وخطوة تكتيكية يتخذها تجاه الآخر لأن حاجته تتطلب ذلك.
2ـ وضع كل طرف مصالحه الحزبية جانباً، والتحاور فقط لإيجاد صيغة للعمل تخدم المصلحة العليا للكورد بما يتوافق مع إطار المشهد السوري العام.
3ـ (وهذا مهم جداً) وضع كل طرف مصالح حلفائه ورغبات أولئك الحلفاء خارج قاعة الحوار وأجنداته وإقامة حوار كوردي كوردي خالص ضمن إطاره السوري فقط والتخلص (على الأقل في هذا الحوار) من كل ارتباط خارجي سواء أكان هذا الارتباط بطرف كوردي أم غير كوردي، لأن أي حسابات لأطراف غير موجودة حول الطاولة ستفشل الحوار حتماً.
4ـ جعل لحظة البدء بالحوار هي نقطة البداية وليس ما قبلها، لأن العودة إلى ما قبل الآن ستنسف المشروع برمته قبل البدء به، إذ لكل طرف من الارتكابات والأخطاء والتجاوزات والتقصير والتهاون ما يكفي لعدم قيام أي حوار حتى بعد عشرين سنة، ناهيك عن استحالة التوصل إلى نتائج مرجوة في تلك الحالة.
5ـ عدم اتخاذ الحوار فرصة لتصفية الحسابات وتحميل المسؤوليات وتسجيل نقاط كل طرف على الآخر لإظهار الذات بمظهر البريء والملاك والوطني والحريص على حقوق الناس وإظهار الآخر بمظهر الشيطان والانتهازي الذي تنازل عن حقوق الناس وأدى بهم إلى الهلاك أو سكت على هلاكهم. لأن الدخول في هكذا نوع من الحوارات سينهي الاجتماع منذ ساعاته الأولى.
6ـ أن تكون الطاولة مستديرة يتساوى حولها الجميع وتدير الحوار حولها شخصيات كوردية مثقفة ومستقلة غير منتمية لأي حزب، لأن الغاية المعلنة ليست توزيع المناصب والثروات بل إنقاذ مصير شعب وإيجاد حلول ورؤية مشتركة للدخول بها إلى المرحلة القادمة. وفي هذه الحالة لكل طرف رؤيته وقيمته وكلمته على تلك الطاولة التي يجب أن تسودها روح الأخوة والمسؤولية والتكامل، لا ثنائيات التابع والمتبوع أو الناجح والفاشل أو المصيب والمخطئ.
7ـ إيقاف كل أشكال التراشق الإعلامي، والتخاطب ـ بدلاً من ذلك ـ بلغة دبلوماسية أساسها الاحترام والتقدير. ويجب ألا يقتصر هذا على الأعضاء والقيادات بل يجب أن تبدو آثاره واضحة على لغة الأنصار والموالين لكل الأطراف سواء أكان ذلك في الشارع أم على مواقع التواصل.
    هذه أبسط المبادئ التي يجب أن تتوفر لدى كل الأطراف لانطلاق حوار ناجح ومثمر، والتي بدونها ستبقى المسألة في إطار المزايدات والتكتيك وتسجيل النقاط، بينما يدفع الكوردي من دمه وحياته وأرضه وكرامته ويمضي ما تبقى منه نحو المجهول. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشارة: هذه السلسلة من المقالات بخصوص الحوار الكوردي الكوردي كتبتها أوائل هذا العام، لكن هيمنة موضوع كورونا المفاجئ على الكتاب والقراء والعالم على حد سواء جعلني أتراجع عن نشرها آنذاك. قبل أيام قمت بنشر الجزء الأول من تلك المجموعة، وهذا هو الجزء الثاني، مع إدخال عبارات كي تتناسب مع ما يجري في الوقت الراهن.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…