المستقلون في الحراك الكردي

د. محمود عباس
 يخطأ من يقول إن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، وجريدتينا (بينوسا نو) بنسختيها الكردية والعربية، مستقلة، فهي إشكالية في الوعي السياسي والاجتماعي، مثلما يخطأ من ينتقدنا عندما لا نشارك في السلبيات الناتجة عن الصراع الجاري بين طرفي الحراك السياسي، فلنا خط فكري ثقافي واضح؛ نسير عليه، وعلى الأغلب هناك من لا يتوافق مع الكثير مما نطرحه، وفي مقدمتهم مجموعتي الأحزاب السياسية والشرائح الثقافية التابعة لهما.
  فكما نعلم لا يوجد كردي مستقل، وهي جدلية خاطئة، وهنا وفي ظروف الحراك الكردي تعني الابتعاد عن القضية، لذلك كنا واضحين منذ بداية الصراع السوري، أن الطرفين المتنازعين في الحراك السياسي الكردي( أنكسي وتف دم) يمثلان قطبي النزاع الفاشل والمهين للمجتمع الكردي، ومع الزمن أصبحا مرفوضين من أغلبية الشعب؛ وخاصة من الحركة الثقافية الواعية، وهناك من كان له مصلحة في إظهارهما كممثلين عن المجتمع والحركة الكردية وفي مقدمتهم قوى خارجية، فطاب لهما الترويج لمفهوم الاستقلالية (تعني في منطقهم التقاعس عن النضال) بين الشعب.
  يحق تبني وتتبع هذا المصطلح كمفهوم ومنهجية، عندما تكون القوى المتنافسة الموجودة على الأرض، لها هيبتها الفكرية والنضالية؛ ولها مكانتها بين الشعب، وعند الاختلاف معهم يحق تبيان الذات كمنظمة أو كحراك مستقل عن الطرفين المتعارضين، وعن منهجيتهما أو أيديولوجيتهما. لكن في واقع القطبين الكرديين في جنوب غرب كردستان والمصنوعين خارجيا، يطرح المفهوم كأنه لا منطق أو دروب نضالية إلا من خلال مسيرتيهما الغارقة في السلبيات، فطابت لهما المصطلح، وتمسكوا بها للتغطية على مصائبهم، وعلى أثرها رفضنا ورفض أغلبية المجتمع مشاركتهما، والتي على أثرها خسروا مصداقيتهما وتاهوا في الدروب، ولا يعني هذا أنهما خصمين للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، بل جل خلافاتنا معهم نابعة من محاولات تصحيح المسارات، والتقارب بين الأطراف، وتنقيتهم من ثقافة السلطة والتسلط. 
 ويخطأ من ينادي بالخط الثالث، المشابه لمنطق الاستقلالية، فهو اعتراف مباشر بالطرفين الحزبيين؛ المتخاصمين تحت إملاءات خارجية، علما أن الاستقلالية تعرف كمنهجية منفتحة على كل الأطراف. فما ننتهجه، لا تعني الانطواء والابتعاد عن الأطراف الكردية السياسية، بل هو الخط القومي-الوطني، حيث لا مكان للصراع الكردي-الكردي فيه، ولا تعني تركيزنا على النقد البناء خلق التجافي بيننا وبين الأطراف السياسية، بل نسخرها لتصحيح المسارات، وتوعيتهم والمجتمع، وعلى أساسها رفضنا الجهتين ودعواتهما وإملاءاتهما، رغم أننا لم نتقاعس يوما في دعم الإيجابيات، وبالمقابل تجاوزنا ولا زلنا نتجافى السلبيات البسيطة؛ ليس تهاونا، بل من باب الحكمة، لئلا نزيد الشرخ ضمن المجتمع الكردي، ولنخفف من الصراع الفاشل. 
 لا شك لم يكن لنا مكان، كحراك ثقافي عند الطرفين الحزبيين، لأننا لم نجد فيهما قدرة الاحتضان، ولا سعة الوعي والإدراك على الاستماع وتقبل المشورة، وبالمقابل أدركنا أننا لا نملك الإمكانيات الكافية لتصحيح مساراتهم؛ والتي معظمها ترسم من جهات غير واضحة المعالم، ولم تكن لدينا قدرات المواجهة من داخل تنظيماتهم فيما لو انضممنا إليهم، بل وكنا سنخسر الكثير ما نملكه، وعليه فضلنا وعن وعي العمل خارج الأطر الحزبية الموجودة، وجل من انضموا إليهم أو أتبعوهم من الحراك الثقافي بل لم يتم تقديرهم بما يتناسب ومكانتهم، بل استخدموا كأدوات لأجندات حزبية، إلى أن خسروا الكثير من قدراتهم مع الزمن. 
  الطرفان الحزبيان يمثلان قطبي النزاع البائس في مجتمعنا، لكنهما ليستا بوصلة أو مؤشر يقاس عليه الأطراف الأخرى من الحراك الكردي، ومن الجهالة نعت أي طرف ثقافي لا يتماشى معهم على أسسه، ووصفهم للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا بالمستقلين، سلبية منهجية؛ وتعكس عداوة أكثر مما تعني طرح مفهوم للمجتمع، لأنها تعني في منطقهم التقاعس عن أداء الواجبات القومية. وفي الواقع ظهورهما كقطبين متنافرين، ومساندة بعض الجهات الثقافية لهم على هذه المنهجية، نتجت عنها الكثير من السلبيات، وقد تزداد مستقبلاً. 
  فالمستقل وليست الاستقلالية في واقعنا الكردي جدلية مطعونة فيها، تنشرها الشرائح التي لا تريد مجابهة القوى المهيمنة على المجتمع بشكل صحيح ومناسب، وفي واقع الحراك الكردي في جنوب غرب كردستان، استخدمه طرفي النزاع كتهكم، وعلى سوية مفهوم لا يختلف عن المفهوم الذي نشرته السلطات الشمولية، عندما لم يكن هناك قطب أخر ينافسه (من لا يكون معنا فهو ضدنا). 
 فالإتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا، كطرف من أطراف الحراك الثقافي، بشخصيته هذا تمكن من الحفاظ على نقاوة جريدته (بينوسا نو) رغم شحة الإمكانيات المادية، وما تعرض له من الانتقادات الحادة ومن عدة أطراف والتي لم تكن غياتهم تصويب الأخطاء، بل الطعن والإيذاء، مع ذلك حافظ على الأبواب مفتوحة على مصارعيها مع جميع الأطراف الكردية الثقافية والسياسية، وكان سباقا في عرض مشاريع لتنسيق العمل معهم، ولا يزال متمسكا بهذه المنهجية وسيظل كذلك حتى مع الأحزاب التي تكاد أن تنقطع منهم الأمل.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
26/4/2020م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس   إن حملة وحماة القومية النيرة والمبنية على المفاهيم الحضارية والتنويرية لا يمكن أن يكونوا دعاة إلغاء الآخر أو كراهيته. على العكس، فإن القومية المتناغمة مع مبادئ التنوير تتجسد في احترام التنوع والتعددية، وفي تبني سياسات تعزز حقوق الإنسان والمساواة. ما أشرت (هذا المقال هو بمثابة حوار ورد على ما أورده القارئ الكريم ‘سجاد تقي كاظم’ من…

لوركا بيراني   صرخة مسؤولية في لحظة فارقة. تمر منطقتنا بمرحلة تاريخية دقيقة ومعقدة يختلط فيها الألم الإنساني بالعجز الجماعي عن توفير حلول حقيقية لمعاناة النازحين والمهجرين قسراً من مناطقهم، وخاصة أهلنا الكورد الذين ذاقوا مرارة النزوح لمرات عدة منذ كارثة عفرين عام 2018 وحتى الأحداث الأخيرة التي طالت مناطق تل رفعت والشهباء والشيخ مقصود وغيرها. إن ما يجري…

المهندس باسل قس نصر الله ونعمٌ .. بأنني لم أقل أن كل شيء ممتاز وأن لا أحداً سيدخل حلب .. فكانوا هم أول من خَرَج ونعم .. بأنني كنتُ مستشاراً لمفتي سورية من ٢٠٠٦ حتى الغاء المنصب في عام ٢٠٢١ واستُبدل ذلك بلجان إفتاء في كل محافظة وهناك رئيس لجان افتاء لسائر المحافظات السورية. ونعم أخرى .. بأنني مسيحي وأكون…

إبراهيم اليوسف بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا…