موسى عنتر
الترجمة عن الكردية: إبراهيم محمود
على مدى مئات السنين، كان عمل أعداء الكرد يتلخص في دك الإسفين فيما بينهم. لقد جوَّعونا بحيث قسَّموا كل عشيرة إلى اثنتين، أو ثلاث عشائر. مثال، في كردستان، تأتي عشيرة أومريان من حيث العدد بعد برزان، كانت تحكم تسعين قرية، كانت مساحة تواجدها أكبر من لوكسمبرغ.سوى أن الحكومة العثمانية، ومن ثم ” الجمهورية التركية ” مارست تشطيراً في هذه العشيرة، وحوَّلتها إلى أعداء لبعضها بعضاً.
ليكون هناك محمودكي وعتمانكي، وهم مع آغواتهم كانوا أبناء عمومة، إنما كانوا معادين لبعضهم بعضاً.كما في حال عائلة اوصمان، عائلة سليمان، عائلة اسماعيل، وعائلة طاهر.
لأجد أن علَّة حكومتنا الحالية تنبع من هذه النقطة.فالكرد تنبَّهوا، حيث لم يعودوا يتبعون الملالي، لم يعودوا يتبعون العشائر كذلك. لقد توحَّدوا، أصبحوا شعباً. والعداوة التي ما بينهم تحولت إلى أُخوَّة .
سابقاً، حين كنت أتأمل وضع الشعب الكردي، فأتذكر هذه الحكاية. الحكاية ترِدُ بالشكل التالي: يقال أنه في مدينة ما، ظهرت فئران ضخمة ” جرابيع “، مهدّدة إياها. لم تستثن شيئاً: الزروع، البساتين. وقد عجز حاكم المدينة عن القضاء عليها.
يتوجه إليه صوفيٌّ، قائلاً له ” أستطيع القضاء على هذه الفئران “.
يرد عليه الحاكم “هيا انصرف، كيف ستقضي عليها ؟ ” يرد الصوفي ” يا رجل، أنا لا أطلب منك نقوداً. ما أطلبه منك فقط، هو أن تصنع لي قفصاً حديدياً كبيراً. وعلى القرويين أن يأتوا بالفئران حيَّة، يبيعونك إياها. وسوف نضعها كما هي، حيَّة في القفص ” فيتم صنع قفص بشبابيك صغيرة، ويضع الصوفي فيها ألف فأراً، ويغلِق عليها باب القفص.
تمضي أيام معدودات، فتجوع الفئران، فتبدأ بافتراس بعضها بعضاً. في البداية، تُفترَس الفئران الصغيرة، فالكبيرة ومن ثم المريضة.وشيئاً فشيئاً يتناقص عدد الفئران .
في بعض الأحيان، كان الصوفي، يرمي إليها بعض فتات الطعام، فتلتهمه الفئران وهو في الهواء. إلا أنه بعض فترة، لم تعد الفئران تأكل الطعام القادم من الخارج،سوى أن الصوفي حين يقتل فأراً في الخارج، ويرميه إلى داخل القفص، بينها،تثبُ إليها مجتمعة وتلتهمه.
وأدرك الصوفي أن الفئران قد تعلَّمت التهام بعضها بعضاً، فيفتح باب القفص، وكان قد بقي من ألف فأر، ما بين 40-50 فأراً، سوى أنها اكتسبت طبيعة القطط، وقد دخلت دفعة واحدة إلى المدينة، ولم تهرب منها الفئران الموجودة، حيث حسبت أنها فئران بدورها، إلا أنها في طبيعتها تحولتْ إلى قطط.
بالطريقة هذه باشرت بقتل الفئران في المدينة، وقضت عليها كلياً.
بمقدار ما أنظر إلى وضع الكرد تاريخياً، منذ أيام الخلفاء الأمويين، العباسيين، السلجوقيين والعثمانيين، أجد أن هذه الدسيسة تمارَس في الكرد، حيث علّمونا كيف نأكل لحوم بعضنا بعضاً. ولهذا ، وكما أسلفتُ القول بداية، فإن علَّة الترك، العرب، والفرس، هي في هذه، وهي أننا لم نعد نأكل لحم بعضنا بعضاً .
18-24 نيسان 1992
*-المقال مأخوذ من كتابه ” شجرة دلبي ” والذي نوهَّت إليه لأكثر من مرة سابقاً ” أي في مقالات أخرى مترجمة منه، وهذا المقال الجديد، في الصفحة ” 21- 22 “، وقد غيَّرت العنوان الذي كان: بعد الآن لن يستطيع أيٌّ كان أن يدفعنا لنأكل لحم بعضنا بعضاً .
وإذا كان لي من تعليق صغير، تجاه هذا المقال الجميل، أطرح هذا السؤال، تُرى، لو أنه عاش إلى اليوم، ونظر في وضع الكرد، أكان يكتب مقالاً بهذه الهيئة ؟