اللُّحى بين الاعتدال والتَّشديد

بلند حَسَـن

  إيران وتركيا دولتان معروفتان بتاريخهما الديني منذ اعتناق شعوبهما الدين الإسلامي بعد سقوط الإمبراطورية الساسانية على يد جحافل الإسلاميين .
  دخلت الدولة الفارسية – العدو اللدود للرومان والبيزنطيين – مرحلة الانهيار الحضاري الخاص بها ، لتندمج بالحضارة العربية الإسلامية ، ومعها حضارة الشعوب الآرية فيها ، وتفقد مقومات القيام ثانية حتى القرن الخامس عشر ، حيث سقوط الدولة العباسية على يد المغول

لتنافس الدولة العثمانية الصاعدة على مربعات الشرق الأوسط، وخاصة على العراق الذي انهار إثر قدوم المغول عليه ، لكن خضوع شعوب الشرق الأوسط (الكرد والعرب وغيرهم) تحت الراية العثمانية أكسبَتْها قوة ، لتحكمها ، حتى المغرب العربي ، وباسم الخلافة الإسلامية والدين الإسلامي .

فكانت القرون الأربعة تلك من أحلك الزمان وبالاً على المنطقة وأكثرها جموداً ، لأن الاستعمار العثماني الإسلامي من أشدّ أنواع الاستعمار تخلفاً.
  كان التنافس بين الصفويين (الشيعة) والعثمانيين (السنة) قوياً ، حيث صمد الصفويون في وجه العثمانيين وحافظوا على جغرافيتهم ، رغم انكماشهم من مناطق كثيرة في العراق .
  ويبدو أن الدولتين باتتا الآن تتنافسان مرة أخرى على تركة العراق بعد انهيار النظام البعثي الاستبدادي فيه .

وفي الحالتين (القديم والحديث) يكون النظام سبباً في استقدام المحتل ، من الشرق قديماً ومن الغرب حديثاً ، وفي الحالتين تحاول الدولتان الإيرانية والتركية العمل تحت العباية الإسلامية ، وإن اختلف لون اللحية وطولها .
  فتركيا تبرز إسلاميتها بالاعتدال والوسطية ، مستفيدة من التجارب الفاشلة في أفغانستان ، ومن التنظيمات والحركات المتشددة في الجزائر ومصر وفلسطين ولبنان ، التي تلقى الرفض من الغرب ، فتبرز إسلاميتها – تركيا – لتلقى الدعم والمساندة من الأوربيين والأمريكيين ؛ بينما تُظهِر إيران إسلاميتها بالتشدّد والتطرف، وتستخدم تنظيمات متشددة كأوراق سياسية في اللعبة الإقليمية  دون إيلاء أي اهتمام لتطورات العصر الفكرية والسياسية ولا لرأي الغرب ومحاربته للتطرف الديني .

ويبدو أن محاولة النظام الإيراني استحضار قيم المجد الصفوي القديم وبالتفسير الفارسي القوموي من خلال القراءة الخاطئة للخريطة السياسية العالمية لن تنفعها الآن ، فالاتكال على استعداد الناس للموت من أجل الفوز بالجنة سريعاً لن ينقذ الاستبداد الديني القائم والمختصر في ولاية الفقيه كأسلوب في الحكم ، لأن ذلك لن لا يتوافق مع هذا العصر.
  كما أن حزب العدالة والتنمية التركي ، الساعي إلى استعادة المجد العثماني الإسلاموي والتوسع الجغرافي عبر نقض الاتفاقات القديمة المبرمة بين القوى الدولية قبل الحرب العالمية الأولى مع الحفاظ الإرث الأتاتوركي العلماني القوموي ، لن يفلح في ذلك ؛ بل لن تتمكن في الحفاظ على مكانتها السياسية ووزنها الاقتصادي ولا في الحصول على تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوربي  ما لم تحاول الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان ، وبالديمقراطية في نظام الحكم مع وضع خصوصية المكونات القومية (الكردية والتركية) في عين الاعتبار .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…