ماجد ع محمد
قبل أيام تداول ناشطون مقطعاً مصوراً لآلا طالباني وهي بكل جوارحها تستمع إلى النشيد العراقي “موطني موطني”، وهو ما يبدو للمتابع بأن ولاء هذه السيدة للدولة العراقية كبير جداً، والسؤال الذي يطرح نفسه فبما أن السيدة آلا مؤمنة بالنشيد والعلم والقانون فهذا يعني بأنها مؤمنة أيضاً بالمؤسسات المنبثقة عن الدولة العراقية ككل، لذا أليس من المفروض أن تكون من أولى المؤمنات بدستور تلك الدولة باعتباره بمثابة العمود الفقري لها، خصوصاً وأن ملامح طالباني الدالة على الانتشاء والعزة والفخار أثناء الاستماع للنشيد الوطني تقول للناظر بأنها لم تكن مجرد حركة استعراضية كما يفعل الكثير من الساسة عادةً، خاصةً وأنها في نهاية المقطع وبعد تقديمها الشكر والامتنان لفرق الصد الأول والصد الثاني من القوات الأمنية والشرطة توجهت بكلمتها للإنسانية جمعاء،
فهل إنسانيتها يا ترى ستدفعها للعمل على محاسبة من سلموا لاجئاً سياسياً فاراً من نظام الملالي في إيران إلى سلطاتها الأمنية ليتم إعدامه بعد استلامه من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (أي حزبها هي)، أم أن القانون العراقي هو معني فقط بمحاسبة بسطاء الناس، أولئك الذين لا سند لهم أو لا مسؤولين لديهم في الحكومة والبرلمان العراقي، وبالتالي سيغض القضاء العراقي الطرف عما اقترفه الجهاز الأمني التابع لحزب آلا طالباني باعتبار أن القضية متعلقة بعلية القوم وليس بالعوام، وذلك تأكيداً لمقولة الكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك بأن “القوانين شباك عناكب يجتازها الذباب الكبير ويعلق فيها الذباب الصغير”.
وباعتبار أن السيدة آلا طالباني عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني، فهذا يعني بأنها تعرف جيداً جميع مواد الدستور العراقي وملتزمة بتطبيقه بنداً ببند، وهي بكل تأكيد مطلعة على ما ورد في البند الثاني من الباب الثاني (الحقوق والحريات) المادة 21 من الدستور الذي ورد بالحرف فيه: “ينظم حق اللجوء السياسي إلى العراق بقانون، ولا يجوز تسليم اللاجئ السياسي إلى جهةٍ أجنبية، أو إعادته قسراً إلى البلد الذي فرّ منه” وهو لا شك الدستور الذي آمنت به الست طالباني، كما وافق عليه العراقيون في استفتاء شعبي في تشرين الأول 2005 أي بعد عامين على الغزو الأمريكي للعراق في بيسان 2003 وحيث صوّت عليه العراقيون بنسبة تجاوزت 78% من الأصوات.
وبما أن الست آلا إنسانية ومصرة على تطبيق القوانين وحريصة كل الحرص بألا يفلت أي مجرم من شناعة ما اقترفه، وذلك حسب ما كتبته يوم أمس على صفحتها في وسائل التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) عن قضية “ملاك حيدر الزبيدي” التي تعرضت للحرق عن عمد في مدينة النجف الأشرف قائلة عن الحادثة: “نتابع بقلق وأسف بالغين تداعيات قضية حرق الفتاة في محافظة النجف والتي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، يجب أن لا يفلت مرتكبو هذا العمل البشع غير الانساني من طائلة القانون”، فبما أنها معنية بحقوق الناس وتطبيق القانون وخطابها يتجاوز تخوم دولة العراق وموجه للإنسانية جمعاء، وبما أن الإنسانية لا تتجزأ ولا تنقطع ولا تنفصل وهي حالة شاملة الزمان والمكان، وبما أن السليمانية أقرب إليها من النجف الأشرف، لذا أليس من المفروض عليها أن تسأل نفسها ورفاق ورفيقات الحزب في السليمانية بأي حق وقانون يا ترى قام جهاز الآسايش التابع للاتحاد الوطني الكوردستاني بتسليم اللاجئ السياسي الإيراني مصطفى سليمي إلى السلطات الإيرانية، بينما الدستور العراقي يقول صراحةً وبدون أي لبس أنه “لا يجوز تسليم اللاجئ السياسي إلى جهةٍ أجنبية، أو إعادته قسراً إلى البلد الذي فرّ منه”، وحيث كان اللاجئ السياسي مصطفى سليمي قد تمكن بعد 17 عاماً قضاها في معتقلات سقز بكوردستان إيران، من الفرار من السجن، ووصل إلى قرية هنگژال التابعة لقضاء “بينجوين” في محافظة السليمانية، وأمضى ما يقارب الاسبوع بين مسجد القرية وأحد المنازل، وفيما بعد اتصل صاحب المنزل بالآسايش وقام بإبلاغهم ضمن إطار تعليمات مكافحة “كورونا” لإجراء الفحص الطبي له، وبحجة إجراء الفحص لمصطفى سليمي أخذته الأجهزة الأمنية، ومن ثم وبكل وضاعة قامت بتسليمه للسطات الإيرانية، بينما قامت الأخيرة بإعدامه كما هي عادتها في شنق المعارضين لبطشها وجبروتها.
على كل حال لا نعرف إن كان ضمير آلا طالباني سيؤنبها أم لا، ولا نعرف إن كانت حريصة على محاكمة من سلّم الفاعل للعدالة كما تطالب بمحاكمة المعتدين على “ملاك حيدر الزبيدي” أم لا، ولكن رغم ذلك تبقي الكرة حالياً رهن إنسانية الست آلا طالباني، وكذلك في ملعب القضاء العراقي وحراس دستوره والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في تلك الدولة، إضافة إلى الجهات المعنية بتطبيق مواد ذلك الدستور على الجميع وليس فقط على الغلابة، لذا فإن كانوا حقاً مؤمنين بما جاء في الدستور وكانوا من حُماته ومعنيين بتطبيقه على الكل، فينبغي بناءً على مواده معاقبة كل من تورط بتسليم اللاجئ لسلطات الملالي، أما إذا كان القانون خاضع لقاعدة “الخيار والفقوس” أي خاضع لآلية التفرقة في التعامل، فهذا يعني بأن كلام الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا مناسب تماماً لمقامه ومقام من سنوه ومن يتدثرون به وذلك في قوله إن: “القانون الذي لا يطبق على الجميع ويُستثنى منه أحد يجب أن لا يحترم”.