التغيير الديمغرافي في عفرين

زهرة أحمد
التغيير الديمغرافي
التعريف :
الدّيموغرافيا ( Demography) المعروفة بعلم السكان: هي عبارة عن دراسة لمجموعة من خصائص السكّان، وهي الخصائص الكميّة: منها الكثافة السكانيّة، والتّوزيع، والنموّ، والحجم، وهيكليّة السكّان. والخصائص النوعيّة: منها العوامل الاجتماعيّة، كالتّنمية، والتّعليم، والتّغذية، والثّروة.
التغيير الديمغرافي : مجموعة من الدراسات التي تقوم على علم الإحصاء التي تختص الفئة البشرية من سكان العالم، حيث تشير هذه الإحصائيات إلى مجموعة من النسب التي تتعلق بحجم وكثافة السكان، ونسبة توزيع السكان في المناطق، بالإضافة إلى النسب الحيوية والتي تتمثل في عدد المواليد والوفيات في دول العالم.
التغيير الديمغرافي في القانون الدولي :
هو ذاك التحول الذي يطرأ على البنيان والقوام السكاني لرقعة جغرافية، ناجماً عن فعل أو أفعال إرادية من قبل جهة ما تجاه أفراد أو مجموعات تفقد إرادتها في ذلك التحول.
بمعنى أن التغيير الديمغرافي لايمكن له أن يتم إلا إذا سبقه فعل إجرائي آخر، كنقل جماعة أو مجموعة سكانية من مكان ما والاتيان بجماعة أو مجموعة سكانية أخرى لتحل محلها، وهذا الفعل أو الاجراء يسمي بـ “التهجير أو النقل القسري ويندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وفق قاموس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
يعرّف القانون الدولي الإنساني التهجير القسري بأنه “الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها” وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وإجراء تقوم به الحكومات أو المجموعات المتعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة وأحيانا ضد مجموعات عديدة بهدف إخلاء أراض معينة، وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلاً عنها.
يتم التهجير القسري بطريقتين: إما مباشر او غير مباشر.
مباشر : يعني ترحيل السكان بالقوة من مناطق سكناهم الأصلية.
غير مباشر : عن طريق استخدام وسائل الاضطهاد، لدفع السكان إلى الهجرة، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
في المواد ” 6- 7- 8 ” من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 : “ابعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ما ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الانسانية “.
المادة 49 من اتفاقية جينيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للاشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى تحت طائلة ارتكاب جرائم حرب.
وهذا الاحلال السكاني مكان المهجرين قسراً يسمى في القانون الدولي بالاستيطان، والذي تم تعريفه على إنه :”عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديمغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة “، وتلك المجموعة البشرية التي يتم الاتيان بها وتوطينها في تلك الرقعة الجغرافية المراد إحداث التغيير الديمغرافي فيها تسمى وفقاً للقانون الدولي “بالمستوطنين”.
إن عملية التهجير القسري وعمليات الإبادة الجماعية تتطابقان مع ما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة ” اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ” التي أقرتها الأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر عام 1948 وأصبحت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/ يناير عام 1951، والتي تعتبر الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بمثابة إبادة جماعية .
التغيير الديمغرافي في كوردستان سوريا :
شهدت المناطق الكوردية في كوردستان سوريا وخلال مراحل تاريخية متعاقبة، عمليات للتغيير الديمغرافي محاولة منها للقضاء على الهوية الكوردية وتغيير التركيبة السكانية لشعب يعيش على أرضه التاريخية، متبعاً في ذلك كل الجرائم التي تندرج وفق القوانين الدولية ضمن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أكثر عمليات التغيير الديمغرافي خطورة، كانت في مرحلة الحكم البعثي والتغيير الديمغرافي الذي رافق الاحتلال التركي لكل من عفرين وسري كانيي وتل أبيض.
أولاً: التغيير الديمغرافي في مرحلة الحكم البعثي :
مارست السلطات المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا سياسات التمييز العرقي والاضطهاد القومي بحق الشعب الكوردي، حرمته من جميع حقوقه المشروعة، كما طبقت بحقه مشاريع عنصرية وإجراءات وقرارات استثنائية منها: التغيير الديمغرافي للمناطق الكوردية.
تجسدت عمليات التغيير الديمغرافي من خلال الحزام العربي وسلسلة متكاملة من الإجراءات والقرارات الاستثنائية وفق سياسة ممنهجة هدفت إلى طمس الهوية الكردية وصهر الكرد في بوتقة القومية العربية.
-الحزام العربي :
“الحزام العربي”: مصطلح يُطلَق على عملية استيلاء الحكومة السورية على أراضٍ زراعية تعود للفلاحين الكورد ومنحها لفلاحين عرب قدموا من محافظتي الرقة وحلب وتوطينهم في “الجزيرة”، على طول الشريط الحدودي مع تركيا.
اتخذ المؤتمر القطري الثالث لحزب البعث العربي الإشتراكي في سوريا عام 1966 أخطر القرارات بحق الشعب الكردي في سوريا وحسب الفقرة الخامسة من توصياته والتي نصت على مايلي :”إعادة النظر بملكية الأراضي الواقعة على الحدود السورية التركية، وعلى امتداد 353 كم وبعمق 13-15 كم واعتبارها ملكاً للدولة، وتطبق فيها أنظمة الاستثمار الملائمة بما يحقق أمن الدولة”.
وفي 24 / 06 / 1974 بدأت الحكومة السورية وبقرار يحمل الرقم ( 521 )الصادر عن المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بتنفيذ مشروع الحزام العربي.
بطول يصل إلى نحو يتراوح طوله ما بين 350 ـ 370 كيلومتر، وعمق يتراوح من 10 ـ 15 كيلومتر
من الحدود العراقية في الشرق إلى سري كاني “رأس العين” في الغرب.
اغتنمت السلطات فرصة بناء سد الفرات ومشروع إعادة توزيع الأراضي الزراعية كي تستولي على أراضي الفلاحين الكورد لإقامة مزارع نموذجية مزودة بالمياه والمدارس والحماية الأمنية وتمليكها لفلاحين عرب غمرت مياه السد قراهم.
تم توطين أكثر من(4000) أربعة آلاف أسرة عربية في الشريط الحدودي وتوزيع أكثر من (700 ) ألف دونم من الأراضي المصادرة عليهم.
بذلك تمت مصادرة حوالي 5250 كم2 من أراض شمال الجزيرة وجعلها ملكاً حصريا للدولة بهدف تحويلها إلى مزارع فمستوطنات زارعية تستوعب العنصر العربي فقط.
تمخّض عن هذا القرار الشوفيني إنشاء 36 قرية نموذجية (1974-1975) بعد القرى العشرة في المرحلة التجريبية (1959-1960)، كتطبيق عملي للخطة المقترحة، وقد بُنيت تلك القرى بجانب القرى الكردية الموجودة بعد تغيير اسمها لتصبح المستوطنات التي أشار إليها محمد طلب هلال في مقترحاته الاثنتي عشرة للقادمين الجدد من العرب بعد مصادرة كافة الأراضي الزراعية فيها والاستيلاء عليها من مالكيها الحقيقيين من الفلاحين الكرد وتوزيعها على المستوطنين الجدد.
بعد ذلك، تفرعت عشرات القرى من هذه القرى، وقام القادمون الجدد أنفسهم ببناء عدد كبير من القرى ضمن الأراضي الزراعية التي منحتها الدولة لهم، فتحولت كل قرية من القرى المذكورة على الأقل إلى ثلاث قرى.
أما سلسلة القرارات الاستثنائية التي رسخت عمليات التغيير الديمغرافي، فلم تنقطع أبداً.
منها على سبيل المثال:
– القانون رقم 161 لعام 1958 قانون الإصلاح الزراعي، حيث تم توزيعها الأراضي في عفرين على عائلات عربية تم استقدامها من مناطق أخرى.
– القانون رقم 41 لعام 2004 وتعديلاته المرسوم التشريعي 49 لعام 2008 الذي ينص على قوانين خاصة لملكية المناطق الحدودية في المناطق الكوردية ووضع العوائق أمام استملاك الكرد لأوراق تثبيت ملكيتهم لتلك الأراضي وعقاراتهم وضرورة الحصول على الترخيص القانوني في المناطق الحدودية.
– الإهمال المتعمد للمناطق الكوردية التي اتبعتها سلطات البعث وفق سياسة ممنهجة لدفع السكان إلى ترك مناطقهم والبحث عن العمل وسبل العيش في المدن الكبرى، أهملت كافة الخدمات فيها.
ما تتمتع به عفرين من موقع استراتيجي ومواقع آثرية هامة وغابات طبيعية وانتشار الينابيع والجبال والمناطق الخضراء، تؤهلها لتكون مركز سياحي هام، إلا أن الإقصاء المتعمد كانت جزءاً من السياسة الممنهجة للحكومة السورية.
– الاستيلاء على آلاف العقارات الزراعية العائدة للمواطنين الكورد في منطقة عفرين وتسجيلها باسم أملاك الدولة بحجة ملاصقتها للأراضي الحراجية أو لكونها تحتوي على أراض حراجية أو بحجة عائدية ملكيتها للدولة، وذلك بموجب عمليات المسح الجغرافي والتحديد والتحرير في عفرين.
– قرارات تعريب القرى والبلدات الكوردية في المناطق الكوردية :
– هناك العديد من القرارات للحكومات السورية المتعاقبة لتعريب المنطقة كقرار580 لعام 1998 التي تنص على تعريب 329 قرية وبلدة مزرعة في عفرين، ومنع تثبيت المواليد الجدد بأسماء كردية وحصرها باللغة العربية لسنوات طويلة، وقرار عام1865 الذي منع التكلم باللغة العربية وغيره من القرارات»
– قرار وزير الإدارة المحلية رقم 4524 تاريخ 20/12/1997 تم فيه تعريب اسم 104 قرية كوردية في منطقة الجزيرة.
– قرار وزير الإدارة المحلية رقم 2123 تاريخ 5/5/1998 تم فيه تعريب اسم 120 قرية كوردية في منطقة الجزيرة.
– قرار محافظ الحسكة رقم 334 /لعام 1998 تم فيه تعريب اسم 209 قرية ومدرسة كوردية في منطقة الجزيرة.
– تعميم وزير الداخلية رقم 122 تاريخ تشرين الأول 1992 القاضي بمنع تسمية المواليد الجدد بأسماء كوردية.
– تعميم سري من محافظ الحسكة مستند إلى قرار القيادة السياسية يحمل رقم 1865/س/25 تاريخ 1/11/1989 يمنع فيه التكلم باللغة الكوردية وخاصة للموظفين، مؤكداً على ضرورة تنفيذ قرار سابق صدر بهذا الخصوص يحمل رقم 2013/س/25 تاريخ 11/11/1986.
هناك العديد من المراسيم والقرارات الاستثنائية والتعاميم الأخرى بحق الكورد تستهدف جميعها اضطهاد الشعب الكوردي وقمع هويته القومية وإحداث تغيير ديمغرافي في المناطق الكوردية.
ثانياً: التغيير الديمغرافي في مرحلة الاحتلال التركي:
تعتبر هذه المرحلة من أخطر مراحل التغيير الديمغرافي التي شهدتها منطقة عفرين عبر التاريخ.
بدأت باحتلال تركيا لعفرين في 18/3/2018 ومارافق ذلك من انتهاكات جسيمة وعمليات ممنهحة للتغيير الديمغرافي استهدفت الوجود والهوية القومية للشعب الكوردي.
التغيير الديمغرافي في عفرين :
عفرين: تقع عفرين الكوردية في أقصى شمال غرب سوريا، تتميز بخصوصيتها الكوردية تاريخياً، تقع على سلسلة جبلية بمحاذاة الحدود السورية التركية.
تتبع عفرين إداريا محافظة حلب، ومركزها مدينة عفرين التي تبعد عن حلب 63 كم.
تتألف عفرين من سبع نواحي وأكثر من 366 قرية ومزرعة إضافة إلى عفرين المركز :
” شيه – جنديرس –معبطلي – راجو – بلبل –شران– شيراوا ” .
بقيت عفرين شامخة في خريطتها الديمغرافية بالرغم من عمليات التعريب وقوانين ما يسمى بالإصلاح الزراعي وغيرها من وسائل التغيير الديمغرافي التي مارسته النظام البعثي.
حافظت على تركيبتها السكانية وهويتها القومية، بلغت نسبة السكان أكثر من 98% من نسبة سكان المنطقة.
احتلال تركيا لعفرين لم يكن وليد المصادفة، بدأت بشكلها الممنهج وبمشروعها العدواني من قطع أشجار الزيتون وبناء الجدار التركي الإسمنتي إلى حشد قواتها العسكرية وتهديدها بين الحين والآخر باجتياح عسكري كلما أرادت بذلك أن تحقق مآربها.
وفي السبت 20-1-2018 أعلن الرئيس التركي بدء الأعمال العسكرية ضد مدينة عفرين باستخدام كافة صنوف الأسلحة بما فيها الطائرات المقاتلة، والتي بدأت بقصف طيراني وحشي هدمت البيوت وقتلت المدنيين فتبعثرت الأشلاء في كل بلدة وقرية في عفرين، مما اضطر أهالي عفرين إلى ترك قراهم وبيوتهم والنزوح إلى أماكن أخرى خوفاً من تعرضهم لإبادة جماعية، فاتخذوا من الجبال ملجأ لهم، افترشوا العراء وعانوا ظروفاً معيشية صعبة جداً كانت السبب في موت الكثير من الأطفال والشيوخ.
وفي 18 من شهر آذار/مارس، أعلن الجيش التركي احتلاله لمدينة عفرين الكوردستانية بعد عمليات عسكرية شملت استخدام كافة صنوف الأسلحة وبمشاركة فصائل مسلحة تابعة لما يسمى بالجيش الوطني السوري.
اتبعت تركيا والفصائل المتعاونة معها سياسة ممنهجة من أجل التغيير الديمغرافي في عفرين وفق الخطوات التالية :
1-العمليات العسكرية
2- التهجير القسري
3- منع العودة
4- التوطين
اتبعت تركيا وبالتعاون مع الفصائل المسلحة التابعة لها خطوات ممنهجة للتغيير الديمغرافي في عفرين عبر أساليب عديدة، وذلك من خلال العمليات العسكرية المباشرة وتحت مسميات مختلفة، أو من خلال العنف الممنهج والانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين من أجل إجبارهم على التهجير القسري.
تركيا كدولة احتلال لم تلتزم بالواجبات التي فرضتها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ومن جهة أخرى اعتمدت على الفصائل العسكرية العربية التابعة لما يسمى بالجيش الوطني لاستهداف الوجود الكوردي التاريخي في منطقة عفرين بغية إحداث تغيير ديموغرافي فيها، لذلك عمدت إلى :
– تهجير سكانها الكورد الأصليين وذلك بارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين في منطقة عفرين وممتلكاتهم من قتل واعتقال واختطاف واغتصاب وسلب ونهب وطلب للفدية وفرض الأتاوات وغيرها من الانتهاكات الجسيمة.
لتغيير البنية الثقافية والتراث الحضاري لعفرين: حفروا المزارات والمقابر والتلال والأماكن الأثرية لجرف تربتها وتخريبها وسرقة آثارها لبيعها بسوق الآثار العالمية.
تدمير البيئة الطبيعية لعفرين : من خلال إحراق مئات الآلاف من أشجار الزيتون وقطعها المصدر الاساسي لرزقهم وباقي الأشجار الحراجية والغابات لبيعها.
بغية القضاء على سبل الحياة والعيش في المنطقة لإجبار سكانها على التهجير القسري.
” تم قطع أكثر من “200” ألف شجرة زيتون،
حرق أكثر من “10” آلاف شجرة زيتون وأشجار حراجية متنوعة” .
الاستيلاء على بيوت الكورد وممتلكاتهم الخاصة.
قامت ولا تزال بأكبر عملية نهب وسلب في عفرين، ما لا يمكن سرقته، تم تدميره وتخريبه ليتم إفراغ المنطقة من كل ما يمكن أن يعتبر وسيلة عيش واستمرارية الحياة وبث حالة من الذعر بغية إجبار ما تبقى من الكورد لترك منازلهم و أملاكهم في عفرين.
وهذا يتطابق مع المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية 9/12/1948 خاصة الفقرة الثالثة منها والتي تنص على “إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً” .
– تهجير الكورد الايزيدين من قراهم ومزارعهم وتدمير مزاراتهم ودور عبادتهم وفرض الدين الاسلامي على الباقين عنوة والاستيلاء على بيوت وأموال المهجرين منهم.
استكمالاً لخطوات التغيير الديمغرافي:
منع الجيش التركي والفصائل المسلحة المتعاونة معها، السكان الكورد المهجرين قسراً بفعل العدوان التركي من العودة إلى منازلهم ووضع العراقيل أمام عودتهم وإغلاق المنافذ أمامهم والمخاطر التي ستشكل خطراً على حياتهم في حال عودتهم إلى عفرين.
مع استمرار عمليات التوطين لمهجري الغوطة الشرقية ومدن سورية أخرى في عفرين وفق خطط معدة مسبقا، حيث بدأت بالتطبيق الفعلي من خلال توطين عائلات الفصائل المسلحة للجبيش الوطني السوري، ومنع عودة النازحين من أهالي عفرين بالقوة وقتل واعتقال كل من يطالب ببيته وممتلكاته.
بالاضافة إلى المخاطر المحدقة التي تستهدف الآلاف منهم في حال عودتهم لكونهم مطلوبين من قبل دولة الاحتلال فإنه يشكل جريمة التهجير القسري بدلالة المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام م1949 والتي ترتقي إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
كما عمدت إلى إغلاق عشرات القرى والمزارع أمام سكانها الكورد بمبررات تحوّلها إلى مناطق أمنية وعسكرية، وتجريف قرى كاملة وتحويلها الى مقرات عسكرية للجيش التركي ” جلبل ، كيمار ” .
” تم نزوح أكثر من (300000) مدني بتاريخ /18/ آذار 2018 وحتى الآن من عفرين”.
أما التوطين: فقد بدأ مع احتلال عفرين وما رافقه من نزوح جماعي للمدنيين لتوطين سكان المناطق السورية الأخرى في عفرين وفق مقايضات وبازارات سياسية.
كل منطقة سورية عندما تكون ضحية لنيران المقايضات والبازارات السياسية، تكون عفرين ضحية للتغيير الديمغرافي وذلك من خلال توطين سكان تلك المناطق في عفرين.
لا يزال تدفق النازحين السوريين القادمين من إدلب إلى عفرين مستمراً، حيث يتم توطينهم من قبل الفصائل المسلحة في منازل الكورد عنوة، بالإضافة إلى توطين عائلات مسلحي الفصائل في بيوت المهجرين قسراً.
“تم توطين قرابة “400” ألف مستوطن في عموم قرى ونواحي عفرين المستقدمين من مناطق النزاع في سورية” .
بعد احتلال عفرين ارتكبت فيها جرائم وانتهاكات صارخة للقوانين والأعراف الدولية من قبل الجيش التركي والفصائل المسلحة التابعة لما يسمى بالجيش الوطني استهدفت أغلبها الوجود التاريخي والقومي للشعب الكردي في عفرين وهويته وثقافته ورموزه المقدسة وفق خطط ممنهجة، معدة مسبقاً من أجل التغيير الديمغرافي.
“على سبيل المثال لا الحصر ” :
– عشرات المجازر ارتكبها طيران العدوان التركي من خلال الغارات الجوية التركية والقصف المدفعي والتي استهدفت المدنيين راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى، وما رافق ذلك من تدمير للبنى التحتية والمرافق العامة، وتهجير وتشريد الأهالي.
– إلحاق تدمير واسع النطاق بالمواقع الأثرية وأماكن العبادة من معابد وجوامع وكنائس.
استهداف المواقع الأثرية في عفرين انتهاك لاتفاقية جنيف الدولية الرابعة لعام 1949 التي تدعو الى حماية المواقع والأوابد الأثرية.
” استهداف معبد “عين دارة” وإلحاق أضرار به بنسبة ” 60%” ، وهو من المواقع المسجلة على لائحة اليونسكو من التراث الانساني والحضاري”.
– تدمير المراكز التعليمية والمستشفيات، ورفع العلم التركي وصور الرئيس التركي على المدارس وفي كل مكان في عفرين.
تعليم اللغة التركية في المدارس، ووضع العلم التركي على ألبسة الأطفال محاولات ممنهجة لتتريك التعليم في عفرين.
– إهانة الرموز الكردية المقدسة من قبل الفصائل المسلحة التابعة للائتلاف فعل جرمي نابع من تراكمات الاستبداد والكراهية المتجذرة في عقولهم البعثية الشوفينية ضد القومية الكردية. ” تحطيم تمثال كاوا الحداد وحرق العلم الكردستاني “.
” بتاريخ 22/5/2018 داهم مسلحون منزل مصطفى عبدو شاهين في حي الزيدية بعفرين وأثناء محاولة شاهين الدفاع عن بيته، تعرض لإطلاق النار، نجم عنه استشهاد مصطفى عبدو شاهين من قرية كوبك موباتا” .
– اختطاف الفصائل المسلحة للآلاف من المدنيين، ولا يزال مصيرهم مجهولاً.
“تم اختطاف أكثر من (6200) مدني خلال عامين، ومصير أكثر من (3400) مدني لا يزالون مجهولي المصير، ناهيك عن تعرض المدنيين الكرد للاختطاف المتكرر بغية طلب الفدية المالية” .
– حكمت الفصائل أواسط شهر كانون الأول 12-2019 الحكم المؤبد على تسعة مدنيين من أهالي المنطقة.
– استشهاد شكري مصطفى 60 عاماً من قرية حوسي ناحية موباتا بتاريخ 3-10-2019 بعد عشرين يوماً من تعرضه للتعذيب من قبل الجبهة الشامية.
– عائشة حنان 80 عاماً – من قرية برج عبدالو التابعة لمركز مدينة عفرين – استشهدت بتاريخ 8/11/2018 على يد مسلحي الحمزات.
– استشهاد المسنة حورية محمد بكر زوجة محي الدين أوسو بتاريخ 6-9-2019 متأثرة بجروحها جراء التعذيب الذي تعرضت لها من قبل مجموعة مسلحة في حي الأشرفية بتاريخ 25_8_2019.
– منعت فصائل المعارضة السورية نازحي مدينة عفرين مــن العودة إلى المدينة وريفها في حاجز كيمار بقوة السلاح، وإرغامهم على العودة إلى منطقتي نبل والزهراء الواقعة تحت سيطرة النظام السوري.
– تعذيب المواطن فرج الدين محمد عثمان من أهالي ناحية جنديرس، لمطالبته بإعادة ممتلكاته المسروقة، وخروج المسلحين من منزله” .
– حملة الاعتقالات والتعذيب طالت الصحفيين والناشطين والأكاديميين، وإعدامات للفلاحين في مزارعهم، والتمثيل بالجثث بوحشية داعشية لا مثيل لها.
– التنقيب عن الآثار وسرقتها وبيعها في تركيا.
في الـ10 من أغسطس من عام 2019 ، قيام عناصر مسلحة تابعة لفصيل “السلطان مراد” الموالي لتركيا، بعمليات حفر وتجريف للتربة في ناحية “بلبل” بريف عفرين شمال شرق حلب، بحثاً عن الآثار.
” تم تخريب وتدمير أكثر من (28) موقع أثري ومستودع، وأكثر من (15) مزار ديني لمختلف المذاهب والأديان، بالإضافة إلى تجريف العديد من المقابر” .
– إعادة تسجيل العقارات في “عفرين”، بغية حرمان المهجرين الكرد من ملكية أراضيهم، حيث تجري عمليات إحصاء للعقارات والأملاك وعدد القاطنين في كل قرية والأعراق التي ينتمون إليها، ضمن عمليات التغيير الديموغرافي التي تستهدفها تركيا في المنطقة.
– تغيير أسماء الساحات الرئيسية في مركز مدينة عفرين.
“تغيير اسم ساحة كاوا الحداد إلى غصن الزيتون “.
– تغيير اسم قرية قسطل مقداد إلى سلجوق أوباسي، تغيير اسم قرية كوتانا إلى ظافر أوباسي، وكرزيله إلى جعفر أوباسي.
– باشرت أمانات السجل المدني ” دائرة النفوس” المعينة من قبل الوالي التركي بإصدار الهويات الشخصية (بطاقات تعريف)، حيث يتم تسجيل قيود النازحين في هذه البطاقات سواء كانوا عسكريين أو مدنيين على قيود توطينهم الحالي سواء في القرى ومراكز النواحي والمدن العفرينية وليس على قيودهم الأساسية الأصلية.
وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية نشرته تحت عنوان “استعراض حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2019”,
بتاريخ 18 شباط / فبراير 2020, رقم الوثيقة: MDE 01/1357/2020
حول منطقة عفرين: وثّق التقرير استمرار فصائل المعارضة السورية المسلحة التابعة لتركيا منع سكان عفرين من الوصول إلى ممتلكاتهم ومقتنياتهم التي استولى عليها أفراد تلك الجماعات المسلّحة وعائلاتهم, واستُخدم بعض تلك الممتلكات التي تم الاستيلاء عليها كمرافق عسكرية للجماعات المختلفة”.
ووفقاً للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، “فإن بعض السكان دفعوا أموالاً لاستعادة مركباتهم وغيرها من مقتنياتهم المسروقة، ودفع مزارعو الزيتون ضرائب على محصولهم للجماعات المسلحة”.
حمّل التقرير تركيا وفصائل المعارضة السورية المسلحة التابعة لها المسؤولية عن الكثير من حالات احتجاز تعسفي لمدنيين بهدف تحصيل على فدى.
التقارير التي أصدرتها المنظمات الدولية حول حجم الانتهاكات المستمرة في عفرين تشير بوضوح الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد تم ارتكابها من قبل تركيا والفصائل المسلحة المتعاونة معها، ومن الممكن التحدث عن تقديم مرتكبي تلك الجرائم الى محاكم جنائية دولية.
تناولت القوانين والمواثيق الدولية مسألة التغيير الديموغرافي تحت مسمّيات التهجير أو الإخلاء أو النقل القسري ودرجتها ضمن جرائم الحرب و جرائم الإبادة الجماعية و الجرائم ضد الإنسانية.
لذلك فلابد من أن يؤدي المجتمع الدولي التزاماته القانونية، وواجباته الأخلاقية من خلال وضع حد لعمليات التغيير الديمغرافي ومحاكمة مرتكبيه.
والضغط على تركيا وأدواتها من الفصائل المسلحة على ايقاف الانتهاكات والجرائم المرتكبة بحق الكورد واخراجهم من منطقة عفرين وباقي مناطق كوردستان سوريا،و كري سبي، سري كاني ” والعمل على العودة الآمنة لمهجري عفرين قسراً إلى مناطق سكناهم الأصلية لممارسة حياتهم الطبيعية .
والعمل لتحقيق حل سياسي عادل للقضية الكوردية في سوريا وفق الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية.
بعد مضي عامين من احتلال عفرين، لا تزال رحى الاحتلال تسحق الأرواح، ولا تزال الانتهاكات تعصف بالحياة والوجود.
ولا يزال التغيير الديمغرافي مستمراً بكافة أشكاله وأركانه.
لكن ؟؟
إرادة الشعوب ستنتصر في النهاية..
لا بد أن ترجع عفرين لأهلها ويرجع أهلها لعفرين..
وسيبقى جياي كورمينج كما كان، شامخاً أبداً.
المصادر:
– القانون الدولي الإنساني.
– نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998
– اتفاقيات جنيف الاربعة لعام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977
– موقع وثائق الأمم المتحدة
– موقع : Kirdistan history
– التغيير الديموغرافي في منطقة عفرين (رؤية قانونية) المحامي حسين نعسو
مجلة الحوار- السنة 25- العدد /72/ -2018
– كتاب : الحزام العربي في الحزيرة – سوريا للكاتب عبد الصمد داوود
– القانون رقم 41 لعام 2004 وتعديلاته المرسوم التشريعي 49 لعام 2008
– كتاب عفرين نامه للكاتب والباحث زكريا الحصري
– الإبادة الجماعية ” حلبجة – شنكال – كوباني -عفرين “ لزهرة أحمد.
– مؤسسة آرك الاعلامية في تقريرها بتاريخ 17 آذار 2020 .
– المرصد السوري لحقوق الانسان
– تقرير المرصد السوري لحقوق الانسان في 18 مارس,2020
– تقرير الفيدرالية السورية لمنظمات وهيئات حقوق الإنسان.
– تقرير لمنظمة العفو الدولية “استعراض حالة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2019”. بتاريخ 18 شباط / فبراير 2020, رقم الوثيقة: MDE 01/1357/2020

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…