الأزمة السورية تَدخل عتبة عامها العاشر وآفاق الحلول مازالت مسدودة

نوري بريمو
أكملت الأزمة السورية عامها التاسع ودخلت عتبة العاشر من عمرها المُلطّخْ بدماء كل السوريين المكتوين بنيران هذه الدوامة العنفية المستمرة بلا رحمة والتي لا تزال رحاها تدور وتطحن الحاضر رغم أنّ التضحيات أضحتْ جسيمة وبلغت ذروتها وتجاوزت توقعات كل المعنيين بهذا الشأن المتأجج والذي أحرَق الطبخة السورية بكل مكتنفاتها البشرية والمادية.
وفي هذا السياق فإنّ الشعب الكردي الذي يعيش منذ آلاف السنين على أرض آبائه وأجداده في كردستان سوريا، والذي يُعتبَر ثاني أكبر قومية في الدولة السورية التي تشكلت حديثاً على أنقاض الإمبراطوية العثمانية -أي قبل مئة عام من الآن- بموجب اتفاقية سايكس بيكو التي قسّمَتْ الكعكة بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، قد كان طرفاً مساهماً لدى إندلاع الثورة السورية التي تحوّلت فيما بعد إلى أزمة تعمّقتْ وتجيَّشَتْ بفعل عوامل داخلية وخارجية خلَّفت وراءها واقعاً مريراً مكتظاً بويلات البلاء الأعظم الناجم عن عسكرة الثورة وتحويلها إلى صراع مسلح بين مختلف الأطراف، وما بين هذا الطرف المستقوي بالخارج وذاك جرى إستهداف البلد وتحوّل إلى ركام على أبواب التقسيم إلى مناطق نفوذ للآخرين.
 ومع إستمرار مأساة العصر هذه وفي ظل إنعدام خيار الركون للحلول السياسية السلمية وطغيان مسار العسكريتاريا، تعمّقتْ جراح السوريين التي يبدو أنها لن تندمل بعد بلوغ تعداد الشهداء والمعوّقين والمعتقلين والمهجّرين والمتضررين بالملايين، وأما عن الخراب والدمار والجوع والتشرد والتهجير والقتل على الهوية والمجازر الجماعية والقصف بالكيمياء والصواريخ والبراميل المتفحرة وحملات التطهير الطائفي و…إلخ فحدِّث بلا حرج في ظل رعونة وإرهابية الآلة العسكرية للنظام ولغالبية الميليشيات المحسوبة على المعارضة.
ومها إختلفت الآراء حول إنزلاقات هذا المسلسل العنفي الذي كثُرَتْ حلقاته وطال أمده وطفح كيله وبلغ سيله الذبى، وحتى وإن إنحرفت الثورة السورية عن مسارها وتحوّلت إلى مستنقع للعنفْ والعنفْ المضاد الذي حوَّل البلد إلى جُزُر أمنية متحاربة، فإنّ هذه الآراء لن تغيّر من جوهر الحقيقة التي مفادها هو أنّ هذه الثورة التي إنبثقت من رحم المجتمع السوري الذي تأثّر بالربيع الشرق أوسطي والتي طالبت بالحرية والكرامة وبإسقاط النظام قد كانت سلمية قبل تعكير الأغراب لصفوة حراكها المدني. 
ورغم أنّ ثمة توازنات دولية ومصالح إقليمية وإصطفافات طائفية، قد لعبَتْ لعبة كسب الوقت لصالحها على حساب أنهرٍ من الدماء السورية، ورغم أنها أطالت أمد الأزمة وأفسحت المجال واسعاً أمام النظام وساندته وحالتْ دون زواله حتى الآن، لكنْ يبدو أنّ السوريين وخاصة الأكثرية العربية السنية قد عقدوا العزم على المضي قُدُماً في هذا المسار التغييري ولن يتراجعوا مهما كلّف الأمر وسيواصلوا العمل بشتى السبل والوسائل لإسدال الستار على المشهد الأخير من هذه الحقبة البعثية التي أضرمتْ بنيرانها الفاشيّة أخضر ويابس سوريا التي بات منَ المؤكد بأنها لن تعود لا شكلاً ولا مضموناً إلى ما قبل يوم 15 أذار 2011 م، مادام الحبل على الجرار  ومادامت مصالح الآخرين تقتضي التدخل في الشأن السوري دون رادع.
12-4-2020

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أحمد خليف* بعد انتهاء حقبة بيت الأسد، تلوح في الأفق تحديات جديدة، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة انتقادات وأسئلة مشروعة من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين، حول مدى التزامها بالشفافية في منح المشاريع والمناقصات، في وقت تنتظر فيه البلاد إعادة الإعمار والانطلاق نحو المستقبل. يبدو أن غياب الإعلان الرسمي عن بعض المناقصات والمشاريع، وتوجيهها بطرق غير واضحة، يُثير مخاوف…

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…