انتفاضة آذار.. ووحدة الصف الكوردي

عزالدين ملا
الكورد شعب ذو تاريخ عريق، يعود بهم الزمن إلى إمبراطوريات وممالك حكمت المنطقة لمئات السنين ، وكانت تلك الإمبراطوريات لها شأن كبير في تلك العصور، والحضارة الكوردية قدمت للإنسانية إنجازات كبيرة وكثيرة في كافة نواحي الحياة، ففي المجال الاجتماعي كان الكورد خير جيران مع الشعوب والأمم الأخرى، قدموا لهم يد العون، واعتبروا تلك الشعوب أخوة في العيش المشترك، وفي المجال الاقتصادي كان الكورد يعتبرون الأقوام الجارة شريكة لهم، يقدمون لهم ما يقدمونه لأنفسهم، وفي المجال العلمي كان للكورد بصمة عظيمة في الحضارة الإنسانية، فقد برعوا في مختلف العلوم من الطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك وخاصة في العصر الاسلامي، فالكورد من أكثر الشعوب الذين حافظوا على الدين الاسلامي واستمراريته حتى الآن.
هذه هي صفاتهم، الاخلاص والوفاء والمحبة والتسامح، والكورد في كوردستان سوريا وكما هم في أجزاء كوردستان الأربعة، تجمعهم هذه الصفات، كانوا أوفياء للشعب السوري، قدموا الكثير من الانجازات والتضحيات على المستوى الوطني، وكان لهم بصمة عظيمة في بناء سورية الحديثة، هم من قارعوا الاستعمار إلى جانب أخاه العربي، وقد برز من الكورد شخصيات كانوا رؤوساء وعلماء وفنانين خلال السنوات السبعين الماضية، ورغم ذلك كان رد الجميل من قبل أخاه العربي، بالنظرة الدونية العنصرية الشوفينية وخاصة في عهد النظام البعثي، حيث طُبق في حقه ممارسات وأساليب عنصرية رهيبة بدءًا من الإحصاء الجائر إلى الحزام العربي وغير ذلك من الأساليب الظالمة، والأكثر من ذلك هو إعتبارهم للكوردي مواطن من الدرجة الثانية. وما حصل خلال الانتفاضة الكوردية في عام 2004، أظهر بشاعة وحقد النظام على الكورد، لِيُفرغ حقده وكره لما تحقق من انفراجات وانجازات كوردية في كوردستان العراق بعد إسقاط نظام الصدامي البعثي على كورد سوريا، والتي حصلت في مدينة قامشلو، مدينة الحب كما وصفها الراحل سعيد يوسف، فكانت الشعارات الحاقدة التي رُفِعّت بأصوات حناجر العرب القادمين من مدينة ديرالزور، والتي طالت الرموز الكورد، لإهانة واستفزاز العاطفة الكوردية، ورغم ذلك اتسم الكورد بضبط النفس وعدم التعرض لهم، ولكن تلك الشعارات لم تُشفي غليلهم، فقاموا برمي الحجارة التي حملوها سلفاً معهم بالتواطؤ مع قوات الأمن التابعة لنظام الأسد المجرم قبل دخولهم ملعب الجهاد، ولكن الكورد لم يتحملوا تلك الإهانة وعلى أرضهم، فأخرج الكورد نار الثأر لظلمه الذي تحمَّله لسنوات طويلة، فواجه  هذه الآلة الأمنية المجرمة بصدور عارية، وبقوة الغريزة الكوردية الذي لا يقبل الذل والإهانة، فكسرت جميع القواعد الدكتاتورية من خوف وترهيب، وكانت بداية نهاية النظام البعثي الشوفيني في سوريا، حيث وضع هذا الحدث الكورد تحت الاختبار، فأثبت الكورد في كوردستان سوريا جدارتهم، وعشقهم للحرية والانعتاق، فكان الطوفان الكوردي الذي هزّ عرش النظام في عقر داره بدمشق، جعله يعيد حساباته ألف مرة، الانتفاضة الكوردية كانت فوق كل الأفكار الايديولجية والحزبية، وحدت كلمة الكورد، فكانت قوة لا يستهان بها، هذه الانتفاضة التي أعطت درساً لكل من يستهان بحقوق الكورد.
الآن وبعد مرور الذكرى السادسة عشرة على الانتفاضة، وخاصة في هذه الظروف المرحلية والحساسة التي يمر بها الكورد، ان نستفيد من دروس وعبر تلك الانتفاضة، فالموقف القوي يأتي من وحدة الصف والكلمة، لنكن على قدر المسؤولية ونوفي شهداء انتفاضة آذار حقهم بالحفاظ على دمائهم الزكية وعدم اهدارها. ويتطلب من الأطراف الكوردية ترك كل الخلافات وفتح الطريق أمام المناخات الوحدوية، والجلوس على طاولة واحدة، ولتكن انتفاضة آذار عنواناً لقوة الكورد في وحدة صفهم.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…