هيئة تحرير دنكى كرد *
و ستناقش في حلقات (قد لا تكون متتالية) عدة مقالات و كتابات و مقابلات تحاكي هذا الموضوع ، و خاصة تلك التي تمتلك زاوية نظر جيدة و كماً لا بأس به من الحقيقة ، لتساهم معها بإضافات قد تجعل اكتمال الصورة أكثر يسراً .
و قد تضطر في بعض الأحيان إلى تناول بعض المراحل المتأخرة من تاريخ الحركة الحزبية في سوريا و توضيح بعض النقاط التي تتعلق بحزبنا و نشأته و تبلوره كتيار وطني ديمقراطي مستقل ، لما تعانيه هذه النقطة بالذات من لغط و تعتيم ، و في بعض الأحيان تشويه متعمد .
و ستعمل هيئة التحرير على تثبيت متن الموضوع (المقالة أو المقابلة أو النص) في هذه الزاوية بقدر ما سيسمح لها بذلك المجال المتاح أمام هذه الزاوية (كاملاً أو مقتطفات) و من ثم المساهمة بإغنائه بالهوامش المفيدة .
للحقيقة و التاريخ
بقلم جنكبازى جبري
سررت و أنا أتابع الأقنية الفضائية الكردستانية و هي تلقي الضوء على الحركة الكردية في سوريا بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيس البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا لتبيان مرحلة التأسيس و المؤسسين لهذا التنظيم.
ولكن ما آلمني هو عدم الدقة في نقل الحقائق التاريخية وذلك بتغييب الدور المحوري و الأساسي لشخصية وطنية بامتياز و مدى مساهمتها ودورها في تكوين هذا التنظيم, أعني بهذه الشخصية الشيخ محمد عيسى سيدا الذي توفي بعام 2001 لذا أورد الحقائق التاريخية التالية:
1 إن فكرة تكوين تنظيم يعنى بشؤون الأكراد في سوريا قد تم تداولها بداية بين الشيخ محمد عيسى و السيد أوصمان صبري.
2- لكي يرى أي تنظيم النور لا بد له من توفر عاملين أساسين: الامكانات المادية و القاعدة الشعبية و هذان العاملان كانا متوفرين في شخص الشيخ حيث انتماؤه إلى عائلة دينية نقشبندية و استلامه مهام والده (الشيخ محمود القره كوي) المهجر قسرا من كردستان تركيا إثر أحداث ثورة الشيخ سعيد المعروفه, مما وفرّ له احترام وطاعة المجتمع.
3- تم التعارف بين الشيخ و السيد أوصمان (وهو المهجرَّ أيضا من كردستان تركيا) عندما كان الأخير يعمل في مكتب الحبوب (الميرا) في الدرباسية حيث لا تبعد عن قرية الشيخ و اسمها تليلون سوى كليومتر واحد.
4- الخبرة السياسية لدى أوصمان والذي كان يكبر الشيخ بسنوات والشعور الوطني لدى الاثنين وتجربتهما في تنظيم خويبون والتي تم حلها في 1946هي التي جمعتهما فيما بعد معا للعمل على تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا.
هنا و للتذكير فإن المير جلادت بدرخان أجرى حواراً مع الشيخ في عدد من مجلة روناهي و المحفوظة نسخة منها في المعهد الكردي في باريس و كان يسميه الشيخ الصغير لأنه كان أصغر أعضاء جمعية خويبون سناً.
5- بعد الاتفاق بين الاثنين على فكرة تكوين التنظيم سافر الشيخ بقصد الاستشارة إلى القاهرة بعام 1956 و قابل بعض الشخصيات الكردية هناك و منها أفراد من العائلةالبدرخانية حيث تأخر في العودة بسبب الحرب التي عرفت بالعدوان الثلاثي.
6- بعد العودة التقى السيد أوصمان و بوشر بالخطوات اللازمة لوضع فكرة التنظيم موضع التنفيذ و أولى هذه الخطوات الاتصال مع بعض الشخصيات الكردية و الطلبة, و كمثال اتصل الشيخ بالسيد عبد الحميد درويش و هو طالب ثانوية في دمشق وابن عشيرة معروفه في منطقة الدرباسية رغبة من الشيخ برفد التنظيم بعناصر تستطيع التحرك ضمن شريحة الطلاب.
7- تم عقد المؤتمر التأسيسي بعام 1957 و كان الشيخ و أوصمان من المؤسيسن و عضوين قياديين و أُعلن البارتي الديمقراطي الكردي في سوريا.
8- موّل الشيخ جميع نشاطات البارتي في البدايات من أمواله الخاصة حتى أن الكوادر الحزبية المتفرغة كانوا يتقاضون رواتب شهرية منه إلى أن استطاع البارتي الانتشار و تغطية نفقاته.
حتى أنه اشترى دارا في مدينة القامشلي وكانت بمثابة بيت للبارتي.
إضافة إلى الدار الكائنة بحي الأكراد في دمشق و التي كانت محطة للساسة الكرد من سوريا و البعض من كردستان العراق.
9- للدلالة على الدور المحوري للشيخ و في عام 1958 و إثر عودة الزعيم الملا مصطفى البارزاني إلى العراق أُوفد الشيخ من قبل البارتي في أول مهمة خارجية للالتقاء بالزعيم البارزاني حيث التقاه في بغداد وأمضى فترة معه وترسخت بينهما علاقة متينة.
10- في عهد ما سمي بالانفصال عقب انهيار الوحدة بين سوريا و مصر جرت انتخابات نيابيه و كان مرشحا البارتي هما الشيح محمد عيسى و الدكتور نور الدين ظاظا ( الذي التحق بالبارتي بعام 1958).
واهالي مدينة عامودا يتذكرون كيف حملوا سيارة المرشحين على الاكتاف و إلقاء الشيخ خطابا في هذا الجمع باللغة الكردية.
ذلك الحدث الذي أزعج السلطات و أدى إلى توقيفه لإيام.
11- بعد قيام ثورة البعث في عام 1963 حكم على الشيخ بالسجن فلجأ إلى لبنان و مكث فترة في بيروت و حينها التقى الكاتب الأمريكي (دانا آدم شميت) مؤلف كتاب ((رحلة إلى رجال شجعان في كردستان)) حيث دار الحديث حول الشعب الكردي فاختتم الكاتب كلامه بأن الشعب الكردي لن يتمكن من الحصول على حقوقه إلا إذا تحوّل العالم إلى قطب واحد !!!!!…
12- بعد صدور العفو العام رجع الشيخ إلى سوريا ومن ثم في أواخر عام 1969 راسل الزعيم البارزاني مبديا رغبته بالقدوم إلى كردستان العراق فبادره الزعيم البارزاني برسالة يرحب فيها بقدومه.
و فعلا فقد سافر الشيخ إلى كردستان العراق في حزيران 1970.
ومكث في ضيافة البارزاني لمدة أشهر حيث الإقامة بالقرب من المقر و الزيارات شبه اليومية له و لنجله السيد ادريس البارزاني ,و السيد الرئيس مسعود البارزاني يتذكر هذه المرحلة وخلالها كلف الشيخ بالاعداد لمؤتمر للبارتي في سوريا يعقد في كردستان العراق.
و فعلا تم ذلك و تشكلت القيادة المرحلية و التي كان الشيخ فيها عضوا قياديا.
13- في المؤتمر الثاني الذي عقد في كردستان العراق وكان ممثل الزعيم البارزاني فيه السيد أسعد خوشوي .حضر الشيخ المؤتمر و تقدم بطلب إعفاءه من العمل الحزبي فلم يوافق المؤتمر عليه بداية و بإلحاح من الشيخ تمت الموافقة على طلبه و منح العضوية الفخرية مدى الحياة.
و هكذا اختتمت حياة الشيخ محمد عيسى تنظيميا و ظل إنسانا وطنيا إلى أخر يوم في حياته.
لذا أتمنى على كل الذين يوثقون الأحداث التاريخية في الحركة الكردية توخي الحذر والدقة في الرواية انصافا لمن قدموا التضحيات في سبيل قضيتهم.
الهوامش
– من الثابت لدينا بأنه تم التعارف بين الشيخ محمد عيسى و أوصمان صبري في مدينة عاموده ، حيث كان قد أرسله والده (الشيخ محمود القره كوي) لإتمام تحصيله العلمي و الديني لدى الملا عبد الحليم ، و هذه عادة متعارف عليها لدى كبار المشايخ ، و هناك انضم مع رشيد كرد و حسن هشيار و أوسي حرسان و آخرين إلى جمعية خويبون و تعرف فيها على أوصمان صبري ، و قويت علاقته معه إلى درجة كان يتعبره فيها قدوة له في الكردايتي .
و من ثم عندما جاء أوصمان إلى الدرباسية كرئيس لمركز الميرا أسكنه الشيخ محمد عيسى في دار له في مدينة الدرباسية لفترة طويلة من الزمن بناءاً على تلك العلاقة المتينة التي توطدت بينهما في عاموده سابقاً.
– وجود الشيخ محمد عيسى في مصر عام 1956 و تأخره في العودة لم يتح له حضور اجتماع المؤسسين لاتخاذ القرار الفعلي و النهائي بتأسيس التنظيم ، و هو ما أحدث بعض اللغط و أتاح المجال للبعض لتجاهل الشيخ محمد عيسى من بين المؤسسين ، بينما حقيقة الامر هو أن الشيخ محمد عيسى كان الشخص الثاني في عملية التأسيس و من أكثر المؤسسين قرباً من أوصمان صبري و اكثرهم استحواذاً على ثقته و إلتزاماُ معه ، و هذا يفسر اصطفاف الشيخ فيما بعد إلى جانب أوصمان صبري في خلافه مع الدكتور نور الدين ظاظا ، و تسنمه منصب السـكرتير أثناء الاعتقالات الاولى في الحزب في العام 1960.
– لم يعقد أي مؤتمر تأسيسي في العام 1957 ، بل حدث أن تركت أربع شخصيات كردية من منطقة عفرين الحزب الشـيوعي السوري ، فعملت قيـادة البـارتي التي كانـت لا تزال مؤلفة من أربعـة أشـخاص هم (أوصـمان صبري – الشيخ محمد عيسـى – حمزه نويران – عبد الحميد درويـش) إلى كسـب هؤلاء ، لعلمها أن أحد أسـباب تركهم للحزب الشيوعي هو إصرارهم على أن تكون بعض نشرات الحزب في المناطق الكردية باللغة الكردية.
و عندما نجح أوصمان صبري شخصياً في إقناعهم ، و هم (رشيد حمو – محمد علي خوجه – خليل محمد – شوكت حنان) تم ضمهم إلى قيادة الحزب و قبول إشتراطهم بأن يكون أول اجتماع للقيادة الجديدة هو بمثابة اجتماع للهيئة التأسيسية لينالوا بذلك شرف المشاركة بتأسيس الحزب و لذلك تعتبر معظم التنظيمات الكردية تاريخ 14 حزيران 1957 تاريخاً لتأسـيس الحزب ، و هنا أيضاً يتكرر الوضع مجدداً حيث لم يحضر الشيخ محمد عيسى هذا الاجتماع ، فقط لكونه في السعودية لإداء فريضة الحج.
– لم يكن الشيخ محمد عيسى يمول جميع نشاطات الحزب ، على الرغم من أنه كان يساهم في ذلك بقوة نظراً لوضعه المادي و الاجتماعي القوي .
و لم تكن هنالك كوادر متفرغة برواتب شهرية في الحزب إلا في وقت متأخر نسبياً (أواخر الخمسينات أو بداية الستينات) حيث كان أول ثلاثة كوادر حزبية متفرغة برواتب شهرية هم حمزه نويران و خليل سـور (جاغربازار) و إبراهيم خالد (شرفيه) ، إلا أن الصحيح أيضاً هو أن الشيخ محمد عيسى في تلك الفترة كان متكفلاً تماماً و ملتزماً ب أوصمان صبري من الناحية المعاشية ، إضافة إلى كونه المرتكز الرئيسي في دعم تحركات و نشاطات الحزب مالياً.
– أوفد الشيخ محمد عيسى في العام 1958من قبل الحزب إلى بغداد للالتقاء بالبارزاني الخالد (مصطفى البارزاني) و ذلك بعد زيارة قام بها ما عرف بوفد البيكوات الذي ترأسه قدري بك جميل باشا.
و تمكن الشيخ من إقناع البارزاني للاعتراف و التعامل مع الحزب ، مما ساهم في تقوية دور الحزب بين أكراد سوريا .
كما أوفد في نفس العام (محمد باقي الشيخ) و هو شقيق الشيخ محمد عيسى إلى كردستان تركيا بمهمة استطلاع إمكانية تأسيس حزب كردي هناك .
و هذا يدل أن الشيخ محمد عيسى كان حتى ذلك التاريخ الشخص الأهم في الحزب بعد أوصمان صبري.
– تم توقيف الشيخ محمد عيسى فقط إلى ما بعد إنتهاء عمليات التصويت في إنتخابات العام 1961 أثناء عهد الانفصال.
– بعد استلام البعث السلطة عام 1963، لم يلجأ الشيخ محمد عيسى إلى لبنان نتيجة الحكم عليه بالسجن ، بل لأنه كان ملاحقاً أمنياً و قضائياً.
– مراسلات الشيخ محمد عيسى مع البارزاني الخالد لم تكن في أواخر العام 1969 ، بل كانت في النصف الأول من العام 1970 و تحديداً بعد توقيع اتفاق 11 آذار بين قيادة ثورة أيلول و نظام البعث في بغداد و الذي عرف ببيان 11 آذار ، و كانت المراسلات عن طريق السيد جميل محو رئيس الحزب الديمقراطي الكردي في لبنان.
و بعد ذهاب الشيخ إلى كردستان العراق إثر هذه المراسلات مكث فيها أكثر من عام و نصف تخللتها عدة زيارات إلى سوريا لضرورات العمل السياسي حيث كان عضواً في القيادة المرحلية المنبثقة عن المؤتمر الوطني المنعقد في 21 آب 1970 بمبادرة من البارزاني الخالد ، و لم يكن الشيخ مكلفاً بإعداد هذا المؤتمر بل كان أحد محاوره الرئيسية و كان مطروحاً بقوة ليكون سكرتيراً للحزب في عملية التوحيد إلا أن الأطراف الحزبية عارضت ذلك لتراكمات سابقة لها مع الـشيخ محمد عيـسى (منها شخصية و منها حزبية) و استعيض عنه بالحاج دهام ميرو كشخصية تزيل هواجس اليمين و اليسار من خشية التحكم بأمور الحزب المنشود من قبل شخصية قوية كالشيخ محمد عيسى.
– بعد المؤتمر الوطني الكردي (مبادرة توحيد الحزب) في 21 آب 1970 في ناوبردان ، عقد مؤتمر آخر في أيلول من العام 1972 و هو المؤتمر الحزبي الأول الذي عقد في بناء مدرسة بقرية الداودية قرب قصبة (بامرنى) و كان ممثل البارزاني في هذا المؤتمر هو رشيد سندي و ليس أسعد خوشوي ، و بعد الاستجابة لطلب الشيخ محمد عيسى بإعفائة من العمل الحزبي منح العضوية الفخرية من قبل المؤتمر دون ذكر عبارة مدى الحياة.
و أخيراً ننوه بأن الهوامش في هذه الحلقة لم تسترسل في الموضوعات المطروحة ، بل اكتفت بالتدقيق في المعلومات الواردة في متن المقال حصراً.
——-
* جريدة يصدرهــا الحـزب الديمقـراطي الكــردي الســوري ( P D K S )