بهزاد عجمو
صلاح الدين الأيوبي هذه الشخصية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس في عصرها صلاح الدين الأيوبي هذه الشخصية التي كانت محط أعجاب وتقدير من الاعداء قبل الأصدقاء هذه الشخصية الأسطورية التي استطاعت تكوين إمبراطورية في أرض ليست بأرضه وبين شعب ليس بشعبه ويستطيع الكورد بكل فخر واعتزاز أن يقولوا في المحافل الدولية بأنهم أحفاد صلاح الدين الأيوبي وحاول الكثير من الشوفينين من العرب وغير العرب طمس معالم هذه الشخصية واستطيع أن اقول بكل ثقة وقناعة بأنه كان أشجع من علي وأعدل من عمر وإنه أعظم شخصية ظهرت في الإسلام بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ولكن لم ينل حقه من التقدير والتكريم وإذا لم يكن الشعراء قد ذكروا في قصائدهم في العصر الأيوبي الذي دام قرنين من الزمن لأنكر العرب والمسلمون كافة بأنه كوردي والأنكى من ذلك بأن هذه الشخصية تتعرضت للتهجم من بعض السفهاء الكورد ومردهم في ذلك بأن صلاح الدين لماذا لم يؤسس لهم دولة كوردية ولا يعلمون بأن في القرن الثاني عشر لم يكن الوعي القوي موجوداً أصلاً حتى في أوربا نفسها وأن الهجمات الصليبية كانت ذي خطاب ديني وقامت بها الكنيسة الكاثوليكية في أوربا ولا يعلم الكثير من الكورد بأن القادة والأمراء والحكام في دولة الأيوبيين كانوا من أقرباء صلاح الدين أي انهم كانوا كورداً
والانكى من ذلك بانهم لا يعلمون بان الكورد في كوردستان الحالية قد خذلوه ولم يقفوا الى جانبه في محاربة الصليبين رغم ان الصليبين قد وصلوا الى نصيبين وكانوا يبقرون بطون النساء الحوامل بحرابهم في هذه المدينة بل لقد وصلوا الى جزيرة بوطان وأمراء واغوات الكورد وأتباعهم كانوا يهددون صلاح الدين بانهم سيحاربونه إذا دخل بقواته الى أرضهم وكان باستطاعة صلاح الدين ان يقضي عليهم ولكن كان يصعب عليه ان يحارب أبناء جلدته مما اضطر لعقد معاهدة سلام معهم مقابل ألاّ يسمحوا للصليبيين باحتلال أراضيهم وهنا أمام تخاذل الكورد في مساندته وخيانة المكون العربي له اضطر الى شراء العبيد الأبيض اي المماليك من دول شتى لبناء جيشه وحتى لو كان صلاح الدين أسس للكورد دولة بل وإمبراطورية فبعد وفاته ستذهب هذه الإمبراطورية في أدراج الرياح وذلك بسبب العقلية والذهنية الكوردية التناحرية وكرههم لبعضهم البعض وصراعاتهم وميزة أنا الأعلى أي النرجسية المتأصلة فيهم وجري معظمهم وراء مصالحهم الشخصية
كما يحدث الأن وعدم امتلاكهم لعقيدة واضحة مثل تلك العقيدة التي كان يمتلكها صلاح الدين بغض النظر ان كانت عقيدة دينية أو قومية أو وطنية وفعلاً بعد وفاة صلاح الدين ظهرت الخلافات والصراعات بين أخوة صلاح الدين وأبنائه حيث كل منهم كان والياً على منطقة معينة ابتداءً من حلب ومروراً بحماه وحمص والشام ولبنان وفلسطين والأردن وصولاً الى مصر فاستغل عبيدهم المماليك حيث أن بعضهم كان قد وصل الى مراكز قيادية في جيش صلاح الدين نظراً لقلة وجود المكون الكوردي في الجيش بسبب تخاذلهم وعدم وجود المكون العربي أيضاً بسبب عدم الأئتمان عليهم ووقوف الكثير منهم الى جانب الصليبيين فاستولى المماليك على امبرطورية صلاح الدين ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الأن من هو صلاح الدين فاسمه الحقيقي هو يوسف بن نجم الدين بن ايوب أما مكان ولادته فيخطأ الكثير من المؤرخين بانه ولد في تكريت ولكن الحقيقة انه ولد في ( دوين ) ونزح بعد ذلك مع والده وعمه شيركو الى تكريت حيث قضى مرحلة الطفولة والصبا في هذه المدينة وقد حاولنا كثيراً معرفة اين تقع دوين هذه القرية الصغيرة فلم نفلح فربما أسماء بعض القرى قد تغيرت مع مرور الزمن وبعد أن اصبح نور الدين الزنكي والياً على بلاد الشام في عهد السلاجقة هاجر صلاح الدين مع والده وعمه الى الشام فاستقبلهم نور الدين الزنكي استقبالاً رائعاً واكرمهم وذلك بسبب صلة القرابة القوية التي كانت تربط بين عائلة نور الدين الزنكي وعائلة والد صلاح الدين فهنا نستنتج بان نور الدين الزنكي كان كوردياً وليس تركياً سلجوقياً كما يكتب المؤرخين وبسبب هذه صلة القرابة القوية بينهما عندما توفى نور الدين الزنكي وتزوج صلاح الدين من زوجه نور الدين أعترض بعض رجال الدين على ذلك وقالوا بأن لا يجوز شرعاً بسبب هذه القرابة ونعود هنا الى بدايات صلاح الدين لأنني لا أود ان تكون هذه المقالة سرداً تاريخياً بقدر ان تكون القاء الضوء على هذه الشخصية فبعد مرحلة الطفولة والصبا ودخوله مرحلة الشباب كان معظم الاحيان برفقة عمه شيركو سواء بعد مجيئهم الى الشام وتعيين شيركو والياً لبعلبك أو بعد أن بعث نور الدين نجم الدين وشيركو وصلاح الدين الى مصر لأنه قد سمع بانه يوجد فيها قلاقل فوالد صلاح الدين وعمه كانت صفاتهم مختلفة فشيركو كان يمتاز بالشجاعة والاقدام أما والد صلاح كان يمتاز بالحكمة والعقلانية .
لذا فأن صلاح الدين قد اقتبس الحكمة من والده والشجاعة من عمه لانه في كثير من الاحيان كان برفقته لذا فأن سبب بروز هذه الشخصية هو المزج بين الشجاعة والاقدام والحكمة والعقلانية فكان يعلم متى يستعمل الشجاعة ولكن ليس لدرجة التهور ومتى يستعمل الحكمة ولكن مع عدم التنازل عن مبادئه وعقيدته وعلى ذكر حكمة والده فعندما استلموا ولاية مصر بعد وفاة واليها وصلت الاخبار الى نور الدين الزنكي بان الأيوبيين يريدون أن يفصلوا ولاية
مصر عن ولاية الشام وتكوين دولة مستقلة لهم فجهز جيشاً عرمرماً لمحاربتهم فوصل الخبر الى الايوبيين فاجتمعت العائلة فهنا قال شيركو بأنه سيحارب جيش نور الدين فتدخل والد صلاح الدين وكان الاخ الأكبر فقال لشيركو لا لن نحارب جيش نور الدين فأجمع لي كبار القوم وأعيانهم حيث كان يعلم بان بعضهم هم جواسيس لنور الدين وينقلون اليه الاخبار فعندما اجتمع كبار القوم وقف نجم الدين وخاطبهم قائلاً : (( سمعت بان والينا وسيدنا نور الدين قد جهز جيشاً لمحاربتنا فنحن لن نحارب سيدنا فبدل ان يبعث بجيش ليبعث فارس واحد ليقيد ايدينا ويجرنا وراء فرسه من مصر الى الشام حيث يوجد سيدنا نور الدين الزنكي )) فسمع نور الدين بذلك عن طريق جواسيسه في مصر فغض النظر عن محاربة الأيوبيين فعادت المياه الى مجاريها بين نور الدين والأيوبيين وعمد والد صلاح الدين الى هذه الفكرة لسببين السبب الأول لم يكن يريدون ان يفتحوا جبهة مع نور الدين الزنكي وخاصة بأنهم في مرحلة البداية ويريدون ان يوطدوا ًحكمهم في مصر وأن تقوى شوكتهم والسبب الثاني ان جحافل الصليبيين كانوا قد وصلوا الى المنطقة واستولوا على المدن التي تقع على سواحل فلسطين وسواحل مصر مثل الاسكندرية وغيرها فلم يكن يريد ان يحارب اقربائه والعدو اصبح على الابواب وعندما اتى صلاح الدين الى مصر كان يحكمها الفاطميون حيث كان الدعاء من قبل أئمة الجوامع لحاكم بغداد حيث كان يحكمها الشيعة في تلك الفترة وعندما استلم صلاح الدين الحكم أمر أئمة الجوامع بان يكون الدعاء لحاكم الشام نور الدين الزنكي والذي كان على المذهب السني لذا حول أهل مصر من المذهب الشيعي الى المذهب السني .وعندما بسط سيطرته على الشام فقد عاصر الامام الغزالي لذا بعض المثقفين العرب يقولون بانه قد تأثر بأفكار الأمام الغزالي ولكن الحقيقة هي غير ذلك حيث أن الغزالي لم يصدر فتوى بإعلان الجهاد على الصليبيين بعكس صلاح الدين الذي اعتبر ان محاربة الصليبيين هو جهاد مقدس لذا فإن صلاح الدين من ناحية افكاره الدينية لم يكن متأثراً بأفكار احد سوى ما ورد في القرآن الكريم حيث كان يقرأ القران بشغف وكان يعتبر كل ما ورد فيها هي خارطة طريق له في مسيرته الجهادية حتى في اثناء الحرب عندما كان يحاصر الصليبين في مدينة ما لم يكن ينام الليل بل كان يحوم حول المدينة المحاصرة وهو ممتطياً صهوة جواده لعله يجد ثغرة لاقتحام المدينة ويعود عند الفجر الى خيمته يصلي الفجر ثم يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم قبل ان ينام وقد تعرض لثلاث محاولات اغتيال ليس من الصليبيين وإنما من العرب المسلمين وكان في كل مرة ينجوا منها بقدرة قادر حتى ان في المحاولة الثالثة حاول سنان بن راشد الدين شيخ الطائفة الاسماعيلية ويسمونهم البعض دولة الحشاشيين .
حيث كانوا يقيمون في جبل سمعان شمال حلب فبعث أحد عناصره وفعلاً دخل هذا العنصر الى معسكر صلاح الدين ليلاً بل وحتى دخل الى خيمته وهو نائم وغرس بخنجره في الأرض قرب رأس صلاح الدين وفي نصل خنجره ورقة مكتوبة عليها ما يلي : (( كنت استطيع ان أغرس هذا الخنجر في صدرك وأنت نائم ولكني لم ارد قتلك بأمر من شيخنا سنان بن راشد الدين الذي رأى في حلمه بان في اليوم الذي تموت فيه سيموت هو أيضاً في نفس اليوم )) فأي قدرة ربانية جعل هذا الشيخ يحلم بهذا الحلم ولم نستطع معرفة هذا الحلم تحقق أم لا وبهذا نستنتج ان صلاح الدين كان يحارب الصليبيين من جهة والعرب المسلمين كانوا عبارة عن خنجر في خاصرته كل هذا أمام تخاذل الكورد له وعدم وقوفهم معه ومناصرتهم له وعلى ذكر محاربته للصليبيين فلم يكن الأيوبيين يسمونهم بالصليبيين بل كانوا يسمونهم بالفرنجة نسبة الى الفرنسيين لان الحملة الصليبية كانت مؤلفة من عدة دول أوربية وتقودها الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تحكم أوربا في القرون الوسطى وكانت لغة الكنيسة هي الفرنسية لذا سموهم الأيوبيين بالفرنجة
وان الفرنجة هم كانوا يسمون أنفسهم بالصليبين وانها أتت من الكلمة الفرنسية ( CROISENT ) وتعني المسيحية وترجمتها الحرفية هي الصليبية أما بالنسبة لشجاعة صلاح الدين فلم يكن يشق له غبار وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء حيث في كل معاركه كان يسير في مقدمة الجيش بعكس الخلفاء الراشدين الذين كانوا جالسين في مكة ويبعثون الجيش بقيادة اما خالد بن الوليد أو عمر بن العاص أو ابا عبيدة الجراح وغيرهم واستطاعوا احتلال هذه المنطقة لأنه لم تكن يوجد جيش قوي يقف في وجههم .
حيث كان يحتل هذه المنطقة الفرس والرومان وكان نتيجة الحرب التي دامت عشرات السنين بينهما قد وصلا الى مرحلة الانهاك والاستنزاف الكامل في قوتيهما فكانا لقمة سائغة للعرب المسلمين بعكس صلاح الدين الذي وقف في وجه كل أوربا وهي في أوج قوتها واستطاع ان يلحق بها الهزيمة ومن ثم اجبارها على الانسحاب من هذه المنطقة بقوة أيمانه وصلاحه عزيمته وحكمته وعدالته وعلى ذكر عدالته .
1- فقد كان يخصص يوماً في الاسبوع على الأرجح كان يوم الثلاثاء وكان يسميها يوم المظاليم فكان يأتي إليه الناس الذين تعرضوا للظلم ويستمع الى شكواهم ثم يقوم بإرجاع الحق الى نصابه او يأتي طرفين متخاصمين فيحكم بينهما بالحق
2- في أحدى المعارك اختطف أحد جنوده طفل امرأة فرنجية فأتت هذه المرأة الى معسكر صلاح الدين وهي تبكي وتولول فسألت الناس عن ابنها فقالوا لها لا يستطيع أحد ارجاع طفلك سوى صلاح الدين فردت ولكن أين صلاح الدين فقالو لها أنه في الحرب وسيعود مساءً وعند المساء عندما عاد صلاح الدين ذهبت اليه تلك المراة وأمسكت برسن فرسه وقالت له أريد ابني يا صلاح الدين فقال صلاح الدين لها ما به ابنك أيتها المراة فردت لقد اختطفه اجد جنودك فألتفت الى جنوده وقادتهم وقال لهم : (( والله لن أنزل من ظهر هذا الحصان حتى تأتو بابن هذه المرأة الفرنجية ) وفعلاً ما هي الى لحظات حتى أتو بأبن هذه المرأة وسلموه لها فاستلمت المرأة ابنها فشكرت صلاح الدين وعادت من حيث أتت .
3- سمع صلاح الدين بان قائد الحملة الصليبية ريتشارد قلب الأسد قد مرض فتنكر وغير ملامح وجهه وأخذ طبيبه الخاص وذهب الى معسكر الصليبيين فعاين طبيبه ريتشارد و وصف له الدواء ثم عادا .
4- عندما كان يحكم مصر أمر جنده وقادتهم بان لا يأخذوا شيئاً مجاناً من اصحاب الدكاكين بل حتى لا يفاصلوهم على السعر ويعطوهم السعر الذي يطلبونه فاستغل اصحاب الدكاكين ذلك وكانوا يأخذون اسعار مضاعفة فيدفع لهم الجند طواعية وعندما يأتي احد المصريين الى الدكان يطلب منه صاحب الدكان سعر مضاعف يرد عليه الزبون المصري ( أيه انت تستكردني ) اي تراني مغفلاً لا اعرف بالأسعار ولكن الحقيقة ان جنود صلاح الدين لم يكونوا مغفلين وإنما كانت اوامر من صلاح الدين لأنه كان يريد رضى الناس عن جنوده وعنه .
لان بذلك تكون الجبهة الداخلية قوية وعندما تكون الجبهة الداخلية قوية فتصبح الجبهة الامامية قوية وسيحقق الانتصارات .
5- عندما رحلت روح صلاح الدين الى الباري الاعلى لم يكن يوجد في بيته سوى /56/ درهماً وكان يوجد أكثر من هذا المبلغ بكثير في بيوت افقر فقراء المسلمين في تلك الفترة بل ويقول بعض المؤرخين لم يكن يساوي ثمن الكفن الذي دفن به والسؤال الذي يطرح نفسه الان .
كم يملك قادة وزعماء المسلمين والعرب وحتى الكورد من مليارات الدولارات فشتان بينهم وبين صلاح الدين الايوبي
6- وأود أن تختم بوصية صلاح الدين لابنه حيث قال له : (( لا تظلم الناس يا بني فأن ظلم الناس أعظم من عصيان الله سبحانه وتعالى لأنك ان عصيت الله فربما يغفر الله لك بينما أن ظلمت الناس فلن يسامحوك )