أوجه التّناقض والتّشابه بين الموسيقارين: ريشارد فاغنر وشفان برور :

زاغروس آمدي
ريشارد فاغنر 1813- 1883موسيقي ألماني أبهر العالم بموسيقاه الخالدة، لكن عداؤه للسامية كان الجانب المظلم لحياته. أعجب به النازيون وأولهم هتلر غاية الأعجاب ليس فقط بسبب موسيقاه وإنما بسبب كراهيته واحتقاره لليهود التي لم يخفها، بل أعلنها صراحة في احدى مقالاته: “في طبيعته غير كفء في التعبير عن نفسه فنيّا سواء من خلال مظهره أو عبر لغته وخاصة من خلال طريقته في الغناء”. ويضيف قائلا: اليهودي لا يستطيع إلا أن يقلّد” ومع ذلك كان لايمانع أن يستقبل بعض اليهود الأثرياء المعجبين بموسيقاه الذين كانوا يملؤون خزانته ذهبا.
شفان برور لا يقل عن فاغنر أو بيتهوفن بفنه الموسيقي بل وبصوته وأدائه الفريد والمميز والذي أمسى مدرسة موسيقية فريدة.
أول ما تدخل المكتبة الوطنية في فيينا ستجد صورة كبيرة لشفان معلقة على الجدار إلى جانب صور موتزارت وبيتهوفن (لا أعلم ما ذا كانت موجودة إلى الآن) ويعتبر هذا العبقري الموسيقي، أول كردي وصل مرحلة العالمية بموسيقاه وغنائه. لكن على ما يبدو أن العظماء أيضا لهم جانب مظلم في حياتهم كغيرهم. 
اعتنق شفان الماركسية مع رفاقه في الحزب (ب ك ك) وأشعلت موسيقاه واغانيه حماسا متقدا ليس فقط عند رفاقه بل عند غالبية الشعب الكردي، كان يعتقد أن شمس كردستان ستشرق من موسكو، الجو العام في ذلك الوقت كان الإفتخار بمثل هذه الأفكار عادي جدا، نظرا لتلقف معظم او اكاد اقول كل المثقفين الكرد تلك الأفكار التي جاءت من بلاد الصقيع والبرد الشديد، إلا أن وهجها بدا دافئا لهم 
التطرف لا يعالج التخلف
إلا أن التطرف بدا واضحا في أغانيه وكان إنعكاسا لتلك الأفكار وسياسة حزبه الراديكالي، وخاصة تلك التي حرضت على قتل الإقطاعيين والآغاوات والبكاوات ورجال الدين وقد مارس الراديكاليون الماركسيون رفاق شفان تحت قيادة عبدالله أوج آلان القتل الممنهج لتلك الشرائح من المجتمع الكردي وكان أكثر ضحاياهم من الأطفال والنساء. مما أدى إلى ظهور حراس القرى ،الذين وصل عددهم عشرات الآلاف واحيانا أكثر.للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات الماركسيين الكرد المتشددين.
انشق شفان عن الحزب، لا أعلم الأسباب، لكني أعتقد أن العبقري تضيق به المساحات، وعشقه للحرية من طبيعته، لأن العبقري لايمكن أن يبدع دون حرية.
.
خروجه من الحزب جذب القوميين الكرد إليه بعد أن خسر جمهوره الآبوجي، لكن المهم أنه أبدع في أغانيه التي انتشرت في كردستان ولم يبق بيت إلا وفيه شفان يغني.
في الآونة الأخيرة بدا شفان وكأنه يريد أن يمتهن السياسة ويرتقي بها كما أرتقى بالفن
.
لكن يبدو أنه ليس سهلا ان يكون الإنسان عبقريا في أكثر من مجال، مبادراته في تقريب الكرد لبعضهم تعتبر محمودة بغض النظر عن أمكانية تحقيقها من عدمها.
لكن ما أثار بعض اللغط هو إثارته بحماس أكثر من اللازم لموضوع أغانيه القديمة التي حرض فيها على قتل شرائح معينة سبق ذكرها سالفا، والتي كانت نتائجها وخيمة. مما حدا بأوج آلان التوقف عن ممارستها.
والمفارقة أن شفان قبل أن يزور البرزاني في الآونة الأخيرة أنتقد العشيرة والشيوخ والدين وأشاد بالماركسية وأفاض من مدحه لآوج آلان بشكل مبالغ فيه وكأنه المخلص للشعب الكردي، وهذا غير مهم لأن ذلك لا يقدم ولا يؤخر، فالشعب الكردي واع تماما من هو عبدالله اوج آلان الذي يصلح ليكون أي شيء إلا أن يكون زعيما لإفتقاره إلى الشجاعة.
قبل أيام، كتبت بوستا بعنوان: “سقطة شفان الكبرى” بسبب عودته إلى جاهليته الأولى. وهذا مجرد رأي، وعنيت به شفان الراديكالي المؤدلج، لكن هل يمكن أن يسقط شفان الفنان؟ طبعا لا، لأن فنّه ترسخ في وجداننا ونحن فخورون بفنه، وأعتقد بأن هذا الفن سيبقى خالدا وفي قمة المكتبة الموسيقية الكردية، مثلما بقيت موسيقى فاغنر.
لكن يجب أن نعلم أنه مهما بلغت عبقرية الفنان أوالعالم أو القائد فهذا لا يعصمه عن الخطأ.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين من المعلوم انتهى بي المطاف في العاصمة اللبنانية بيروت منذ عام ١٩٧١ ( وكنت قبل ذلك زرتها ( بطرق مختلفة قانونية وغير قانو نية ) لمرات عدة في مهام تنظيمية وسياسية ) وذلك كخيار اضطراري لسببين الأول ملاحقات وقمع نظام حافظ الأسد الدكتاتوري من جهة ، وإمكانية استمرار نضالنا في بلد مجاور لبلادنا وببيئة ديموقراطية مؤاتية ، واحتضان…

كفاح محمود مع اشتداد الاستقطاب في ملفات الأمن والهوية في الشرق الأوسط، بات إقليم كوردستان العراق لاعبًا محوريًا في تقريب وجهات النظر بين أطراف متخاصمة تاريخيًا، وعلى رأسهم تركيا وحزب العمال الكوردستاني، وسوريا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في هذا السياق، يتصدر الزعيم مسعود بارزاني المشهد كوسيط محنّك، مستفيدًا من شرعيته التاريخية وصلاته المعقدة بجميع الأطراف. ونتذكر جميعا منذ أن فشلت…

خوشناف سليمان في قراءتي لمقال الأستاذ ميخائيل عوض الموسوم بـ ( صاروخ يمني يكشف الأوهام الأكاذيب ) لا يمكنني تجاهل النبرة التي لا تزال مشبعة بثقافة المعسكر الاشتراكي القديم و تحديدًا تلك المدرسة التي خلطت الشعارات الحماسية بإهمال الواقع الموضوعي وتحوّلات العالم البنيوية. المقال رغم ما فيه من تعبير عن الغضب النبيل يُعيد إنتاج مفردات تجاوزها الزمن بل و يستحضر…

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…