صفقة القرن واحتمالات الشرق الأوسط

بلقاسم إدير – المغرب 
هي صفقة وليست اتفاقا ولا خارطة طريق كما في المراحل السابقة للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بدءا من اتفاق أوسلو مرورا بعروض سياسية قدمتها الولايات المتحدة كشكل من أشكال الحل السياسي لقضية عمّرت عقودا من الزمن لا تزال إلى حد الآن لا تبرح مكانها الأزلي، تقديم مسودة صفقة القرن في البيت الأبيض بحضور رئيس وزراء إسرائيل ومسئولين عربا من البحرين وعمان والإمارات  في الوقت الذي لم يدع لحضور مراسيم تقديمها أي مسئول فلسطيني يؤكد بجلاء أن الحلّ النهائي لقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما تعرضه صفقة القرن ليس موضوع مفاوضات ولا يحتمل خيارا آخر هو حل جبري سيفرض كواقع بوسائل جديدة مخالفة تماما لما هو معروف في معجم الصراعات البينية للدول .. لفظة ” صفقة ” تحتمل في معجم الاقتصاد بيع وشراء وبالتالي فصفقة القرن تقدم عروضا اقتصادية مغرية ليس للفلسطينيين وحدهم بل لمعظم الدول العربية والتي حملت لواء العداء لإسرائيل وتصف وجودها في فلسطين بالاحتلال .
 هي عروض اقتصادية ومالية بغطاء سياسي تظهر الذي كان مستحيلا في ثوب الممكن . عند تقديم الرئيس الأمريكي ترامب لصفقة القرن تحدث بوضوح وبأسلوب لم نعهده من قبل من كل رؤساء أمريكا السابقين : عن علاقة الحكومات العربية بالنزاع وقال بأنها تمارس الاتجار السياسي بالقضية وأن الشعب الفلسطيني هو الضحية الأول والأخير . هنا ترامب يضع يده على مكمن الداء ويرسل رسالة إلى كل شعوب المنطقة ليقول لهم أن الإعلام الموجه كذب عليكم فإسرائيل ليست دولة محتلة ولا غاصبة للأرض وأن بإمكان الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني لأمكنهما أن يعيشا ويتعايشا معا لولا تدخل الدول العربية التي جعلت من قضية الصراع بقرة حلوبا ؛ وأن رفاهية الفلسطينيين وأمنهم لم تكن أبدا في حسابات الذين يدعون عن هذا الشعب الذي يستحق العيش كغيره من الشعوب .
صفقة القرن كما قدمتها الولايات المتحدة بكلفة تقدر ب 50 مليار دولار ستتحمل  دول عربية بعينها تنفيذها على شكل استثمارات وقروض حيث قال ترامب بوضوح : “ينبغي على مصر والأردن، بالذات، أن يشاركا بصورة فعالة وإيجابية في صياغة حل إقليمي متعدد الأطراف، وليس هناك منطق يقول بأن تقف الدول العربية مكتوفة الأيدى في انتظار أن تقدم تل أبيب الحلول على طبق من ذهب أو فضة”  وإذا كانت خطط السلام لها عناوين مثل : الأرض مقابل السلام فإن صفقة القرن  هي خطة  ” بيزنيس ” عنوانها الأرض مقابل المال والاستثمارات ، تمويل بسيولة 50 مليار دولار تستفيد منه السلطة الفلسطينية ماديا وبشكل مباشر وجغرافيا بتقطيع 1000 كلم2 من جزيرة سيناء المصرية بدءا من حدود غزة الجنوبية إلى حدود ميناء العريش بمتنفس بحري وضمان تصرف الفلسطينيين في مبادلاتهم مع الخارج بكل حرية ؛ بينما مصر والأردن ستستفيدان من وضع جديد ومن جغرافيا جديدة ومنافذ جديدة وأفق مبادلاتي واسع وجديد مثل إحياء خط قطار الحجاز الدولي . فمصر ستستفيد من توسعها شرقا في صحراء النقب إضافة إلى امتيازات أخرى . أما الأردن فله حصة الأسد مما ستسفر عنها خطة ترامب مثل أنبوب النفط ، ومنظومة الطرق، والسكك الحديدية،  التي ستربط الميناء الدولي في غزة الكبرى عبر النفق المصري الأردني بدول الخليج. وهكذا تحصل الأردن، مجانا، على إطلالة مثمرة على البحر المتوسط (ميناء غزة) ومن ثم تحقق تواصلاً مازال مقطوعا مع أوروبا. الجدير بالذكر أن معظم دول الخليج العربية ستستفيد على المدى المتوسط من عائدات هذه الصفقة .وأيضا سيكون للفلسطينيين والذين سيضطرون إلى التخلي عن أحلامهم القديمة ؛ سيكون لهم موعد مع دولة جديدة بكيان سياسي موحد وساحل طويل ومطار وسكك حديدية وتبادل حر مع العالم الخارجي .
لكن ماهي احتمالات الشرق الأوسط في حالة نجاح الصفقة وقبولها من طرف الفلسطينيين الرافضين لها حتى قبل أن تعلن رسميا  وتنقلها وسائل الإعلام مباشرة من البيت الأبيض ؟ الرئيس الأمريكي قال بوضوح أن هذه الخطة / الصفقة هي بمثابة الحل النهائي للصراع السياسي وأنها الفرصة الأخيرة للفلسطينيين إذا ما قرروا العيش في رفاهية ؛ وفي حالة رد الفلسطينيون بإيجاب فإن الخاسر الأكبر هم المنظمات التي تغذيها الحكومات العربية والتي تسترزق تحت يافطة الدفاع عن الشعب الفلسطيني . كذلك فإن الجماعات الإرهابية والتي تتنفس من أوكسجين القضية الفلسطينية مثل المنظمات التابعة لإيران والتي ستلفظ أنفاسها نهائيا من هذه المنظمات حزب الله اللبناني وستكون لبنان مع موعد آخر مع الرفاهية الاقتصادية والثقافية والسياحية كما كانت قبل 1980 إي قبل الثورة الخمينية و زرع بذور العمائم السوداء بلبنان .ومن نتائج الصفقة أيضا انهاء النزاعات التي تقف وراءها ايران سواء في العراق وسوريا .أما الاحتمال الأكيد فهو انقلاب شامل على النظام الملالي وظهور نظام ديموقراطي جديد في ايران ، هذا النظام الذي يقف بكل ما أوتي من قوة ضد استقلال كوردستان الجنوبية. وهو الذي يقف ضد استقلال روجافا عن سوريا وهو الذي يقف وراء مجازر النظام السوري ونظام أردوغان في حق الشعب الكوردي في شمال وشرق سوريا .
إن الجماعات الإرهابية والتي تقف وراءها معظم الحكومات العربية أضيفت إليها مؤخرا تركيا ستقف بكل ما لديها من وسائل إرهاب دعاية وإعلاما حتى لا يكون هناك حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي .. لكن إلى متى ..؟؟؟ 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…