في أولوية الحق القومي ديمقراطيا

 وليد حاج عبدالقادر / دبي 
لازال التاريخ يصر على كشف كثير من خفاياه وأحداثه  المتعاقبة ، ومعها المزيد من دهاء ومهارة مهندسو ومخططو آفاق المستقبل المتدرج ، وبالأخص منها خرائط ما سميت بالمسألة الشرقية ، تلك المهارات التي اخذت  تطفو باستمرار ، من بؤر لجينات عديدة كانت قد زرعت وبقيت خاملة ، وهي محملة بأنماط تنمي و تبحث عن محفزاتها الكامنة لتتنشط ، والتي زرعها مبرمجوها في الاصل ، ولغايات أخذت تتوضح بالتدريج ، في استهداف عملي لاستمرار وديمومة الازمة من جهة ، وبدفق ينبض وإن كان ببطئ ، سعيا لتتوائم مع الظروف المستجدة من جهة أخرى ، مع توفر جهوزية الإنشطار بنيويا في كل لحظة موائمة . وعلى الرغم من كل النزاعات الدولية البينية ومنها حربين عالميتين ،
 إلا أن مخاضاتها لم تنتج سوى اتفاقيات ترضية لمطامع الدول الأستعمارية المتنافسة ، وخاصة التي خرجت من أسوار حدودها وقاراتها ، ومع تبلور تلك المطامع ، انكشفت نسخ لخرائط جديدة تمت أشكلتها بقوة الانتصارات العسكرية ، فظهرت – كمثال – اتفاقية سايكس بيكو ، والتي بدورها أسست مخاضا جديدا بدأت تشق مسارها التطبيقي ، ولتصبح من اهم ركائز الأزمات في منطقتنا ، وهنا سنلاحظ تشظيات المسألة الشرقية وولادة ازمات / مشكلات جديدة ، والمشكلة السورية ، هي واحدة من أهم تجلياتها ، لابل ، وأصبحت قاعدة أساس لها ، هذه المشكلة التي أوجدت وبالجبر من مكونات كثيرة كذريعة لمعالجة إشكاليات اصبحت مزمنة ، ولكن بغلاف جديد ، ظهرت في البداية كإنعكاس لمسائل عجزت –  اتفاقية سايكس بيكو في احتوائها ، وأولى هذه المسائل كانت مجموعة من القضايا القومية التي حيكت ، ولتتحول الى معضلات تراكمت ، ووصلت لمرحلة بات تجاهلها والاستعاضة عنها في التركيز على قضايا ، أشبه ما تكون بالترف الفكري اولا ، وثانيا ، انها في الأساس وجدت كرمح يستهدف أساسا القضية القومية ، وبتغطية شعاراتية ، لم تبتدئ قط من طوباوية الطرح وصولا إلى أشكال الامميات بكل مسمياتها الديمقراطية منها والبروليتارية الى أخوة الشعوب كهدف شعاراتي ، وعليه فأنه يحق للمحيط أن يدرك بأن الإرادة الأيديولوحية  المتمركزة في قمة الهرم والداعية لهكذا توجهات ، هي بحد ذاتها ليست منسجمة مسلكا وممارسة في طروحاتها هذه ، بقدر ماهي  تساوم أصلا على حقوقها كمجموعة قومية يفترض أن لها اولوياتها ، وقد ثبت من خلال متابعة قضايا الشعوب مع انطلاقة حركاتها التحرر القومية ، أن من اهم الأسس المفترضة ان تتصدر البرامج ، هي آفاق ومراحل انجاز مهام التحرر القومي ، والتي قد تشمل الحق في الأنفصال من عدمه أيضا ، وعليه ، فأن الهدف المرحلي الرئيس يجب ان يكون هو الحامل لكل المهام النضالية التالية ، والتي يفترض بها ومن جديد ، أن ترتكز على البعد الوطني كأفق ديمقراطي يستوعب كامل مكونات وشرائح المجتمع ، ومادون ذلك ، سيبقى مجرد سفسطة مترفة ، وستتصبح عقبة رئيسية في عرقلة انجاز مهام مرحلة التحرر القومي ، وهنا بالضبط يكمن مخاطر استحداث شعارات ومصطلحات فضفاضة وحمالة لأكثر من مغزى ، ومن ثم العمل عليها وكأنها عقائد مؤسسة ، وتبنى عليها وسائل – برامج توضيحية / توجيهية لإنجاز المهام ، كل ذلك وفق سياق فلسفي – تنظيري ، دون التركيز ، لابل حتى الفهم الحقيقي لأبسط تعاريف ومضامين تلك المصطلحات ،و التي تتعرض لمتغيرات متكررة ، وفي غالب الأحيان متناقضة ! ولتبدو ، الى درجة أن المتتبع يستنتج وببساطة ، هوس الجماعة بمبدأ المصطلحات وتغييرها ، بعيدا عن مضامينها وتناقضاتها ، لابل أن خرائطهم الجديدة والمتشكلة – إن وجدت – ستكون أشبه بوظيفة اشغال لتلاميذ مبتدئين لا أكثر ! وهنا وفي الحالة الكوردية !  سيكون من حقنا أن نسأل : اين هي ثقافة الإنتماء القومي كورديا ، كما والنضال العملي لتثبيت حقوقها ؟ وبالتالي ؟ اوليس من حق الملايين تفهم خاصية العلاقة بابعادها الكوردستانية ؟ وهل يدرك العابثون بمفهوم الانتماء ، وبصورة أوضح بإلغاء مفهوم كوردستان كوطن ، خاصة ونحن تجاوزنا الخمسة قرون على اول تقسيم لها / كوردستان / ؟ . ورغم ذلك بقيت محافظة على اسمها ورونقها كوردستان ! .
إن جميع النظريات التي بنيت بتراكبية وخلطة غرائزية تجريبية ، هي تستهدف في الأساس ، تفكيك البنية المجتمعية وتعمل بكل جهودها ، على نفي كل ماضيها الخاص ، بعد ان تكون قد أصدرت حكمها – فتواها على جميع التجارب السابقة بالفشل ، وذلك كمبرر لدعم هدفها في فكفكة المجتمع واعادة تركيبه وفق ما تراه هي لا المفترض . إن الشموليين وإن اختلفت طرائقهم وأشكال تقياتهم ، هم في المحصلة ليسوا سوى شموليين ! . وهنا ، أوليس من البداهة أن يطرح السؤال التالي ذاته ؟ ما الفرق بين من يدعي بأنه يعمل من أجل الله و يحارب من اجل الله بينما كل ممارساته يستدل منها عكس ذلك ؟! . وذات الأمر نلاحظه عند المنادين لتحرير الشعب والوطن ، وكمقدمة اولية لها ، وحدة حركة ذلك الشعب ، الذي وعلى ارض الواقع وكانعكاس لممارساتهم يزدادون تشتتا ! .. 
أن ما تقوم به بعض الأطر الكوردية ، هي أشبه ما تكون بالخطوات التمهيدية الساعية الى تتويه القضية القومية الكوردية ، وخلطها انتقائيا في فضاءات تمهد الى انتفاء الخاصية القومية لشعب وأرض ، كما والعبث بصدقية وقدسية كوردستان الوطن ، ومن جديد في تغليفها بوابل من الأيديولوجيات المتلونة التي تحاكي الكوسموبوليتية / العدمية القومية / رغم تجاربها الفاشلة على مر المراحل ، وهذه – العدميات – كلها مجرد عناوين لم تنتج سوى التخبط ، وايضا عرقلة الجهود الحثيثة والعملية لإنجاز مهام المرحلة التاريخية المفترضة ، وأقصد بذلك ، بالانحياز العملي للقضية القومية ، على النقيض مما كان يمارسه الشيوعيون الكلاسيكيون الكورد ، والذين رحلوا ، وبقيت كوردستان والقضية القومية الكوردية . وعليه ، فأن القضية القومية لأي شعب محتل ومضطهد ، يفترض بها ان تكون العنوان الديمقراطي الأبرز ، لابل وأن تكون هي المحرك  التي يجب ان ترتكز عليها كل المفاعيل الأخرى ، وأن تكون هي القطب الجاذب ، ونقطة الإستقطاب الأساسية لا المتلونة برفاهيات نظرية ، والتي عليها تم التعويم وبناء أشكال الإستبداد المتعددة ! . أن غالبية النظريات التي تعرضت لمفاهيم النضال القومي التحرري ، تجزم وبقوة على اولويتها كعمل ذي خاصية للشعب / القوم ، وأن اية خطوة ، وتحت اية بعد أو مفهوم تحالفي – جبهوي ، يجب ان ترتكز على نقطة مركزية تعتبر الأساس ، خاصة في بيئة متعددة القوميات والفئويات ، وعلى ارضية ذلك يتم التأسيس لقضايا اوسع وأشمل ، وبديهي أن المعيار  هنا سيبقى ذاته البعد الديمقراطي وجدية الإقرار بذلك ، حينها وعلى ارضيتها ، يمكن التقدم صوب خطوات اخرى جديدة ، فكل الثورات الوطنية ، والتي اثبتت نجاعتها ، التزمت بهذا المبدأ ، ومع انجاز هذه المرحلة ، سيكون الانتقال الى مراحل هامة وأوسع سلسة جدا ، مما سيؤدي وعلى قاعدة البناء الديمقراطي التحول الى بناءات وطنية عامة ، ويمكننا التذكير وكمثال : التجربة الساندنية بنيكاراغوا ، حيث قاد الساندنيون ثورة استهدفت شكل النظام ، استولدت ثورتهم ثورة مضادة عليهم ، لكن ومع دوران عجلة الديمقراطية ، تشكلت رؤية ساندنية واضحة في تقبل فكرة التخلي عن الحكم رضوخا لإرادة صناديق الانتخابات !! . لا العودة الى الحروب المقدسة والإستخدام العنيف للقيود والطماشات وفتح ابواب المعتقلات على مصراعيها .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…