نظام مير محمدي*
إن قيام قوات الدفاع الجوي في قوات حرس نظام الملالي بتحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية بصاروخين وتستر جميع مسؤولي نظام الملالي على هذه الجريمة البشعة، وجّه صدمة شديدة للرأي العام، خاصة وأن أقارب الضحايا ما زالوا يتساءلون عن سبب إطلاق الصواريخ على الطائرة المذكورة، ولماذا أُصيبت بصاروخين، ولماذا سمحوا للطيران المدني بالقيام برحلاته في تلك الليلة الحرجة والظروف الحربية الاستثنائية. بالإضافة إلى العديد من الأسئلة الأخرى التي لا تزال قائمة.
إن تحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية ومقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176 راكبًا وأفراد طاقمها يحمل في طياته الكثير من التفاصيل المبهمة.
وبعد فشل النظام الإيراني في خداع الرأي العام مفترضًا من باب الجدل أن تحطيم الطائرة يرجع إلى ”أسباب تقنية“؛ لجأ إلى افتراض جدلي وهمي طائش يقول فيه إن إطلاق الصواريخ على الطائرة يرجع إلى ”خطأ بشري“. إلا أن هذا الافتراض أيضًا لم يلق قبولًا، خاصة وأن الخبراء والمتخصصين في مجال الدفاع الجوي وإطلاق الصواريخ أعلنوا استشهادًا بمعلومات القمر الصناعي الدقيقة أن وحدة الدفاع الجوي في قوات حرس نظام الملالي أطلقت الصواريخ على الطائرة الأوكرانية عن عمد مع سبق الإصرار والترصد. ومن الأدلة القوية على تعمد إطلاق الصواريخ على الطائرة المذكورة هو أن الفترة الزمنية بين إطلاق الصاروخ الأول والثاني 30 ثانية مما يعني أن مشغل نظام إطلاق الصواريخ كان لديه الفرصة لتجنب إطلاق الصاروخ الثاني.
والدليل الآخر هو أن قائد القوة الجو فضائية في قوات حرس نظام الملالي قال في مؤتمر صحفي في اليوم التالي لهذا الحادث المؤلم المروع، للصحفيين في تفسيراته المخيفة إن نظام إطلاق الصواريخ هذا مرتبط بنظام إطلاق الصواريخ العام. وبناءً عليه، حتى لو افترضنا أن مشغل نظام إطلاق الصواريخ هذا ارتكب خطأً ما، فإن المشغلين الآخرين كانوا جميعًا في أقصى درجات الاستعداد للدفاع ولديهم الفرصة لمنع إطلاق الصاروخ الثاني. وفي تبريره لإطلاق الصواريخ على الطائرة المدنية الأوكرانية قال إن هذه الطائرة غيرت اتجاهها نحو مركز عسكري حساس. في حين أن تغيير اتجاه الطائرة جاء بعد إصابتها بالصاروخ الثاني عندما كانت مشتعلة في الفضاء وتدور هاوية نحو الأرض، لأن جميع طاقم الطائرة فارقوا الحياة في كابينة الطيار جراء إصابتها بالصاروخ الأول وفُقدت السيطرة على قيادة الطائرة.
وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد الخبراء العسكريون أن نظام إطلاق الصواريخ”تور – إم 1″، وهو نظام صاروخي روسي، مزود بكاميرات قوية للغاية، مما يسمح لمشغل نظام إطلاق الصواريخ بتحديد هدفه بدقة ومن ثم إطلاق النار عليه. وبناءً عليه، فإن الادعاء المثير للسخرية بقصف طائرة مدنية ضخمة من باب الخطأ البشري بصاروخ كروز ذو الأبعاد الأصغر للغاية، وتأييد بعض عناصر نظام الملالي لذلك الإدعاء العبثي، كذب محض بما تحمل الكلمة من معنى.
وعلى الرغم من كل هذه التسريبات، لم تصدر الحكومة ولا السلطات العسكرية ولا القضائية في النظام الإيراني أي تقرير دقيق حول السبب الرئيسي في هذه الكارثة، ولم تتم إقالة أي مسؤول من منصبه حتى الآن.
وبموجب دستور الولي الفقيه، فإن خامنئي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، والمسؤول عن كافة الأحداث المتعلقة بهذه القوات، قد اتخذ موقفًا مثيرًا للاشمئزاز للغاية تجاه هذه الحادثة المأساوية. حيث أنه عندما كان يتحدث في مصلى طهران في صلاة الجمعة في 17 يناير قال بوقاحة، في إشارة إلى تحطيم الطائرة المشار إليها على يد قواته : إن تحطم الطائرة المدنية الأوكرانية كان حادثة مروعة، لكن وسائل الإعلام، وخاصة قنوات التلفزة الأمريكية والبريطانية، مهدوا لإساءة تناول هذه الحادثة للتغطية على ما وصفه بـ ”يوم الله“ لشهيدينا (يقصد هلاك قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس العراقي). ووصف خامنئي المحتجين على هذه الجريمة التي ارتكبتها حكومة الملالي وتحطيم الطائرة المدنية الأوكرانية بأنهم مخدوعون.
وبالنظر بعين الاعتبار إلى تصريحات خامنئي، تحاول العناصر الحكومية الأخرى إبقاء الصندوق الأسود لهذه الجريمة البشعة خارج نطاق الفحص الفني من أجل تجنب تسريب المزيد من الأكاذيب والمزاعم العبثية التي فبركوها، على الرغم من إقرارهم بمسؤولية نظام الملالي عن تحطيم الطائرة الأوكرانية.
ووصف رئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو إعادة فحص معلومات الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية المحطمة بأنه المفتاح الرئيسي للتحقيقات في سبب تحطمها. وتطالب كندا والسويد وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وأوكرانيا المشاركة في التحقيقات.
وبعد اعتراف المسؤولين بتحطم الطائرة، قال حسن رضائي فر، رئيس مكتب الكوارث بالخطوط الجوية الإيرانية: ” لقد فعلنا كل ما في وسعنا لتقييم الصندوق الأسود، ولكن نظرًا لأن الطائرة المنكوبة بالكارثة من طائرات بوينج الحديثة والمتطورة، فإن إيران ليست لديها تكنولوجيا تحميل معلومات الصندوق الأسود لهذه الطائرة، وقد تتأثر المعلومات عند البدء في إعادة تجميع هذا الصندوق”. وقال أيضًا إن المسؤولين في إيران طلبوا من كندا وفرنسا وأمريكا تزويد إيران بالمعدات والبرامج الإلكترونية لتحميل المعلومات. ويأتي طلب إيران هذا في وقت يعلم فيه مسؤولو نظام الملالي جيدًا أن الحصول على هذه المعدات ليس متاحًا في ضوء العقوبات المفروضة على هذا النظام. لذا فإن الحل الوحيد هو أن يقوم النظام الإيراني بتسليم الصندوق الأسود للطائرة المحطمة للدول التي لديها المعدات اللازمة لإعادة فحص معلومات الصندوق الأسود امتثالًا لما تنص عليه معايير وأنظمة المنظمة العالمية للملاحة الجوية.
إن عدم تسليم الصندوق الأسود للطائرة المحطمة وعدم تعاون النظام الإيراني في هذه القضية يعزز بشكل غير مسبوق فرضية استمرار محاولة نظام الملالي التستر على السبب الأساسي لتحطيم الطائرة الأوكرانية وأنه لا يريد تحديد السبب الحقيقي لقصف الطائرة المعنية بالصواريخ وتحطيمها.
واستنادًا إلى القانون الدولي، فإن عدم تسليم الصندوق الأسود للطائرة من شأنه أن يعرض النظام الإيراني المنتهك للقانون إلى عواقب قانونية. هذا وكان رئيس الوزراء الكندي قد تحدث في وقت سابق ليس ببعيد عن إحالة ملف هذه القضية إلى مجلس الأمن للحيلولة دون تكرار الحادثة. هذا ويعتقد بعض المحللين فتح هذا الملف في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ومحاكمة المسؤولين العسكريين المتورطين في هذه القضية في المحكمة المذكورة.
وفي هذا الصدد، أصدرت رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية السيدة مريم رجوي بيانًا بتاريخ 11 يناير طالبت فيه بتدخل المجتمع الدولي لكشف الستار عن تفاصيل هذه الجريمة البشعة ومحاكمة المسؤولين المتورطين فيها ومعاقبتهم، مؤكدة على أن الفاشية الدينية ما زالت تلجأ إلى التمويه وتلفيق الأكاذيب بشأن كارثة الطائرة الأوكرانية.
*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني