وليد حاج عبدالقادر / دبي
منذ عدة عقود ، طفت على السطح معطيات عديدة ، دلت مؤشراتها وبوضوح على الخطط والمشاريع المتوقعة إجرائها في بنية خارطة المسألة الشرقية ، وذلك بالترافق مع نهاية مئويتها التقريبية ، والتي بقيت – ولم تزل – كأزمة بنيوية حادة تهدد الأمن والسلم العالميين ، بالرغم من كل الحلول الظرفية كنتاجات لحربين عالميتين ، أو حروب بينية مستعصية ، أما لماذا الآن ومنذ حوالي عقدين ؟ نشطت هذه الأزمة مجددا ؟ سؤال بديهي وسيفسرها كل طرف ، لربما – بما يتلائم ومقتضيات مصلحته القومية والوطنية ، وهنا ، ككوردي ، ولمجرد قراءتي لما جاء تصريح للرئاسة التركية بأن الغرب يدعم الكورد في سوريا لأنهم على اطلاع بأطماع ايران في شرقي الفرات .
هذه الجملة كانت كافية لتشير بوضوح على أن دوامة المسألة الشرقية لاتزال في أوجها ، هذه المسألة التي كانتةفي الأصل نتاج صراع الدول الاوروبية فيما بينها على أملاك الدولة العثمانيه التي انهكتها الصراعات في اواخر عهدها ، فكان لابد من الحوار منذ القرن ال ١٨ وال ١٩ ومطلع القرن ال ٢٠ حول مصير ومستقبل تلك المناطق ، وبدا الملمح الجغرافي يتحدد بدءا من اليونان وثورتها ضد العثمانيين ولتغطي شبه جزيرة القرم ( المتأزمة بقوة حتى اليوم بين اوكرانيا وروسيا ) وكانت صربيا العنوان الأضخم للصراع في المسألة الشرقية ، والتي عدت – ربما – ايضا حروب وتفكيك دولة يوغسلافيا ، بداية التنشيط لتفكيك تجريبي أنموذجي ، والتي حتى زمنيا ، كانت اقتربت من مئوية سايكس بيكو .. ورافق ذلك ملاحظة النشاط الواسع في التمدد الجغرافي لتنشيط الأزمة ، ولتغطي مساحات من آسيا وشمال افريقيا والسودان مرورا بالصومال حتى جنوبي جيبوتي ومضيق باب المندب ، ومعها بالتاكيد كامل ساحلي بحر الاحمر والمتوسط ومحيطي الهندي والأطلسي في بعض من أجزائه . وبإيجاز في هذا الجانب ، فقد انجزت المسألة الشرقية وتفاعلاتها قبل ومابعد الحرب العالمية الاولى مهمة تفكيك السلطنة العثمانية وأظهرت خرائط جغرافية جديدة ومحملة بجينات تشظ عديدة ، وتراكمت لعقود تبحث على محفزاتها وفرصها ، وقد ساهم التقدم العلمي وعصر المعلوماتية مؤخرا في تغيير نمط وآليات طرق التفاعل مع المتغييرات ، وأصبحت بروفا التجربة اليوغسلافية العنيفة والتفكيك الذي حصل على انقاض مجازر وفظائع كبيرة ، واحدة من النماذج الهامة ، هذا الملمح الذي لربما اصبح – الحافز – الرئيس في محاولة استنساخ تجربة وإن اختلفت عن النسخة الاصلية ، والتي يمكن تطويقها في بند وبعنوان صريح لها ب – الإستدراج الممنهج – وأيضا كحالة مطابقة لما تم عليه في استدراج محمد علي باشا وحملته المشهورة على بلاد الشام في استهداف سكتت عليها اوروبا حتى باتت اسطنبول مهددة بالسقوط فعلا ، وكذلك مناوشات واستقطاعات روسيا المتتالية في الشمال واوربا ، كل هذه المقدمات التاريخية ، تذكرنا ووفق خصوصية كل مرحلة تاريخية ، بما يجري على خارطة المنطقة منذ عقود ، من ثورات لقوميات ظلمتها الاتفاقات والتقسيمات الخرائطية ، او دول لاتزال تعيش اوهامها التوسعية الإمبراطورية والتي لاتزال خرائطها القديمة منهجا رئيسيا في تربيتها القومية لأجيالها ، وكأنموذج لذلك ايران وتركيا ، اللتان استدرجتا وبسلاسة الى السعي الممنهج في محاولة استعادة امجادهما السابقة ، ايران من خلال فتوى الخميني في تصدير – الثورة الإسلامية ! – كغلاف لنزعتها الفارسية ، وقابلها في تركيا ايضا ، احلام إحياء وبسط الهيمنة على كامل جغرافية – السلطنة العثمانية – كواحدة من اهم اهداف القوميين الترك ، وبإرتداد يقارب المشهد التاريخي أيضا من ناحية التمذهب الديني – السني والشيعي – وجاءت ممهدات الفوضى الخلاقة – بكل أشكالها – كفرصة سهلة وسلسة مهدت عمليا لإستدراج كبير ومتشعب وعلى جغرافية واسعة لإيران وصلت حتى الى قارة امريكا ، وبالمقابل تركيا التي استفتحت طموحاتها في قبرص منذ اواسط السبعينيات ، وقد تخللت هذه الصيرورة التاريخية نماذج متعددة كحروب الخليج وقبلها العراقية والإيرانية ، وكانت لثورات الربيع العربي والمتحولات العسكرية في بعض منها ، والتي أعادت الى الواجهة وكأولويات استراتيجية في مطامع تركيا وإيران ، وعلى الرغم من توفر دلائل ومعطيات كثيرة وملموسة تدل على الإستدراج الممنهج لهما ، أشار اليها اكثر من مسؤول في البلدين ( أردوغان ، ورئيس الاركان الإيراني ) ولكن ! على مايبدو ! ان تكلفة سحب اليد لن تكون قليلة خاصة على الصعيد الداخلي ، وبإيجاز شديد ، فأن كل المعطيات تؤشر وكانعكاس حقيقي لارتدادات الاستدراج الإيراني والتركي ستكون بنيوية داخل خريطتيهما ، وايران هي المرشحة الاولى بتفككها الى مجموعات ستة بالرغم مما سيشكل ذلك من تمهيد لتفكك خرائط عديدة لن تقف بالتأكيد حتى عند جزر وارخبيلات الشرق الأقصى البعيد .