وضع الكرد في العراق وسوريا.. مقابلة مع البروفيسور حميد بوز أرسلان

كيف هو تأثير تنظيم الدولة الإسلامية على كُردستان العراق؟
عموماً ، هائل هو هذا التأثير. ففي الواقع، اعتاد الكرد  سابقاً على التعامل مع الدول ، سواء أكانت العراق أو تركيا أو إيران أو حتى سوريا. وحتى في حالات الصراع الشديد أحياناً ، كان من الممكن بالنسبة لهم تحديد محاور الدولة. ورغم ذلك ، برز تنظيم الدولة الإسلامية عبر التشكيك في الحدود (التي يحددها الكرد طبعاً) ليس من خلال الاعتماد على إجراءات الدولة ، وإنما أكثر من ذلك بكثير على التشدُّد.
 وفي عامَي 2013-2014 ، اعتقد الكرد أن النزاعات السورية والعراقية كانت طائفية ولهذا لم تكن تعنيهم. وقد تخيلوا أنهم كانوا محميّين داخل أراضيهم حقاً. واُستخدمت قواتهم المسلحة لحماية حدودهم حصراً. فجأة ، أصبح هذا الصراع  نزاعاً كرديًا ، بوحشية غير مسبوقة. ولم يعد يتم التشكيك في الحدود فحسب ، وإنما تعرض الكرد أنفسهم للهجوم كمجموعة ، لا سيما المجتمع الإيزيدي. وبالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية ، كان غزو هذه الأرض ضروريًا لتشكيل الخلافة. بينما كانت لحظة أزمة رهيبة بالنسبة إلى الكرد. على سبيل المثال ، في عام 2014 ، تقاسمت كردستان العراق حدود ما يقرب من 1000 كيلومتر مع هذا التنظيم ولا شيء تقريبًا مع العراق على هذا النحو.
وفي عامي 2013-2014 ، كانت كردستان نوعًا من أثينا بالنسبة إلى الكرد: نظرياً ، في أثينا ، لم يجر ِ استخدام العنف ؛ إنما انتشر العنف حدودياً. لهذا كان على كردستان أن تصبح سبارطة الشرق الأوسط عن طريق إعادة التسلح الشامل remilitarisant de manière massive.
وأخيرًا ، كان تأثير الدولة الإسلامية مؤثراً كذلك، لأن تركيا اتبعت سياسة ، إن لم تكن مساندَة ، فهي بالرضا الشديد تجاه تنظيم الدولة الإسلامية. وظهر أن كل هؤلاء الآلاف من الأوربيين ، وكذلك العرب ، ممَّن انضموا إلى صفوف هذا التنظيم  مروا عبر تركيا.
كيف هو وضع الكرد في سوريا اليوم؟
بعد سقوط عفرين ، أصبح الكرد في حالة من عدَم اليقين المطلق. لقد سقطت عفرين جرّاء اللعبة الروسية ، والتي تسعى إلى إثارة أزمة بين كل من تركيا والولايات المتحدة. واليوم ، تسيطر القوات العربية – الكردية على حوالي 30 ٪ من الأراضي السورية ، وحيث إن المدن الكردية مستقرة نسبياً. سوى أن السؤال كّلياً هو ما هي السياسة الأمريكية: هل سينسحب الأمريكيون ، أم سيخلّفون مساحة لقوة ائتلافية ، أو هل سيسمحون لتركيا بدخول المنطقة؟ هذه الأسئلة لم تتم الإجابة عليها اليوم. فتشير تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة إلى أن الأميركيين لن ينسحبوا. واليوم ، لا يزال وجود الأمريكيين وحلف الناتو جلياً بالفعل. وهذا يكوّن شكلاً من الخطوط الحمراء لتركيا ، ويمنعها من التدخل. ومع ذلك ، أعتقد أنه سيف ديموقليس معلق فوق كردستان السورية: فإذا اضطر الأمريكيون للانسحاب ، لن يكون أمام الكرد السوريين خيار آخر سوى الاستسلام إلى دمشق لأنهم لن يحصلوا على إمكانية القتال على الجبهتين التركية والسورية.
وماذا نعرف عن مجتمع روجافا اليوم؟
لم يستثن النزاع السوري أحداً: إذ تورطت كل الجهات الفاعلة بطريقة أو بأخرى في وحشيتها. فتتعايش ظاهرة مزدوجة في الحالة الكردية: من ناحية ، هناك استقرار معين ، على سبيل المثال مشاركة نسائية فعلية في المجتمع ؛ ومن ناحية أخرى ، ينبغي أن ترافق هذه التجربة الكردية لإضفاء الطابع الديمقراطي عليها أكثر بكثير مما هي عليه اليوم. وواقعاً ، يكون الكرد السوريون في الوقت الراهن في نطاق البقاء. وخلف الصراع السوري ما مجموعه 500000 قتيل و 7 ملايين لاجئ و 6 ملايين نازح داخلياً. عندما نقارن كردستان ببقية البلاد ، فقد تم الحفاظ على الحياة في النهاية ، وهي معجزة بحد ذاتها.
ومن الآن فصاعدًا ، إذا كانت كردستان السورية مؤمَّن عليها بالوجود الأمريكي ولم تتخلَّ عنها الديمقراطيات الغربية ، فسيكون من الضروري مرافقة هذه التجربة لتحقيقها الديمقراطي الكامل. وسيشمل ذلك تكوين مجتمع ديمقراطي حقيقي في حالة صراع لئلا يتم احتكار هذه السلطة من قبل جهة فاعلة واحدة ، وإنما يمكن بالمقابل للأطراف السياسية الفاعلة المشاركة الكاملة ؛ سوى أن كل هذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا تم ضمان بقاء هذا النظام.
كيف أعادت الحرب في سوريا وظهور تنظيم الدولة الإسلامية تحديد العلاقة بين الكرد السوريين والعراقيين؟
وجود النزاعات بين الكرد السوريين والعراقيين يرتبط بأسباب تاريخية وليس سياسية فقط. وفي الواقع ، أدى تقسيم كردستان في عشرينيات القرن الماضي إلى تمايز الثقافات السياسية والأوضاع السياسية واللغات السياسية. لهذا ظهر تعدُّد من الجهات الفاعلة الكردية على مستوى إقليمي ، مع وجود علاقات عنيفة للغاية في بعض الأحيان ، خاصة في الأعوام 1980-1990.
وما لاحظناه منذ الألفية الجديدة (قبل وقت طويل من تنظيم الدولة الإسلامية أو الصراع السوري) هو أنه قد تشكَّل نوع من الفضاء السياسي الكردي العابر للحدود الوطنية. ولا يشكّك هذا الفضاء في وجود حدود ، إنما ينبني في الوقت نفسه على قاعدة الديناميات العابرة للحدود. وتتكون هذه المنطقة ، التي لا تحتفظ بأي ميزة قانونية أو اعتراف ما، عموماً من لاعبين رئيسين: من ناحية الحكومة الكردية الإقليمية في كردستان العراق التي يسيطر عليها البارزاني بشكل رئيس ، ومن ناحية أخرى حزب العمال الكردستاني. وهو حزب كردي من تركيا. ولهذين الحزبين علاقات متضاربة ، والتي يمكن أن تكون إيجابية ، وإنما علاقات منظمة كذلك، لأن كل جهة فاعلة تعلَم أنه يجب علينا تجنب تحوُّل هذه الصراعات إلى العنف. وبالتالي ، لم يكن هناك عنف بين الكرد منذ 2000، مع استثناءات نادرة. وكلما حدث تضارب ، تدخل آلية تنظيمية وتحكيمية في الاعتبار. وواقعاً، فإن الأميركيين على جانبي الحدود ، على الأقل راهناً ، يسمحون ببعض السيولة كذلك. والشيء الرئيس هو أن هذه التعددية موجودة – وأعتقد أنه يجب الحفاظ عليها – وأنها تصبح عنصراً في هيكلة العالم الكردي وتهدئته لعقود قادمة.
كيف هو موقف بشار الأسد من الكرد السوريين؟
يجب فهم هذا الموقف من بشار الأسد عبر دمج العامل الروسي ، وهو مثير للسخرية بشكل استثنائي. فقد انسحب بشار الأسد من كردستان ” سوريا ” في 19 تموز 2012. وفي ذلك اليوم ، بترت سلسلة من الهجمات رأس النخبة العسكرية في البلاد ، بما في ذلك صهر بشار ، بينما أصيب شقيقه بجروح خطيرة. ومنذ تلك اللحظة ، قرر الرئيس السوري استخدام الطيران ، وكذلك إسناد المدن الكردية إلى PYD. وكان لديه سببان للقيام بذلك: أولاً ، لم يتمكن من السيطرة على كامل أراضيه ، فكانت السيطرة على دمشق والممر الذي يربط المدينة بالبحر مركزيين ، من أجل خلق نوع من كيان علوي “Alaouistan”. بالإضافة إلى ذلك ، كانت مسألة “معاقبة ” تركيا التي سلّحت المعارضة ودعَّمتْها.
ومنذ ذلك الحين ، تغيرت الأمور بشكل كبير. ليطالب بشار الأسد اليوم بالاستسلام التام للكرد ، خاصة أنهم أصبحوا عملاء للأمريكيين. وقد شهدنا انعكاسًا تامًا للسياسة التركية. ويتم تعريف هذا الأخير ، المناهض جداً لسوريا ، المناهض لروسيا ومعاد إيران اليوم بقربها الشديد من روسيا ، والتي تأخذ نظرة حذرة من هذه المنطقة الكردية ، ليس في معارضة كردستان ولكن بسبب الحكم الذاتي المكفول من قبل الأميركيين.
كيف نلخّص موقف روسيا في هذا الصراع؟
مثير للسخرية إلى أبعد حد، هو موقف روسيا. ففي عام 2015 ، أثار الجميع احتمال حدوث حالة حرب باردة مع روسيا. وكان لدى تركيا معارضة شديدة لبشار ، وبالتالي ضد روسيا. ووصلت الأزمة إلى ذروتها عندما أسقط الأتراك طائرة روسية في تشرين الثاني 2015. وعلى العكس من ذلك، فإننا بدءاً من عام 2016 ، نشهد تقاربًا وثيقًا للغاية مع تركيا ، والذي يبقي السؤال الرئيس هو المسألة الكردية. واليوم ، تقع سياسة تركيا في المنطقة على عاتق الكرد. فلا يزال يُنظر إلى وجود مجتمع كردي باعتباره تهديداً لتركيا. وفي عام 2012 ، حسِبت تركيا أن الوقت قد حان لإعادة ، وليس الإمبراطورية العثمانية ، وإنما شكل من أشكال تحالف الأحزاب الإسلامية المحافظة التي سيتزعمها حزب العدالة والتنمية. وتداعى هذا الحلم مع الحرب الأهلية في ليبيا ، وسقوط محمد مرسي في مصر وتلاشي قوة النهضة ” 1 “في تونس ؛ لتبقى سوريا فقط.
وفي سوريا ، تشكلت السياسة التركية بشكل متزايد وفقًا للسؤال الكردي. حيث أدى ذلك إلى تقارب مع روسيا ، التي سمحت باستخدام سلاح الجو التركي على نطاق واسع في عفرين. ولم يكن هذا القرار مرة أخرى ، ضد الكرد بشكل رئيس ، إنما كان مناسِبًا للسخرية من فلاديمير بوتين. وبدون السلاح الجوي ، لم تكن عفرين لتسقط. وكان يمكن للكرد الدفاع عن المدينة.
النقل عن الفرنسية: إبراهيم محمود
إشارة:
1-حزب تونسي سياسي إسلامي محافظ ، فاز بأغلبية المقاعد في الجمعية التأسيسية لعام 2011.*
*- نقلاً عن موقع   www.lesclesdumoyenorient.com  
حميد بوزأرسلان دكتوراه في التاريخ والعلوم السياسية ومدير الدراسات في كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS). مهتم بمسألة عمليات العنف ، قام بنشر الأزمة والعنف وإزالة الحضارة من خلال تحليل هذه العمليات في “الزوايا الميتة في المدينة les angles morts de la cité  ” ، والتي نشرتها CNRS ، في عام 2019. واليوم ، يعمل على مسألة مكافحة ديمقراطيات القرن الحادي والعشرين.
ونشِرت المقابلة في 13-5/ 2019 ، أما عن التي أجرت المقابلة، فهي كلير بيليدجيان، وهي طالبة علوم الاجتماعية .
والهدف من نقل هذه المقابلة عن الفرنسية، هو الوقوف على طبيعة تفكير باحث استراتيجي، وكردي، ويقيم في فرنسا، منذ سنوات طوال، ومدى دقة تحلياته ذات البعد المستقبلي، على الأقل، بين زمن المقابلة، ومستجدات ما منتصف الشهر العاشر لعام 2019 وتالياً .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…