خليل خلالكي
بادىء ذي بدءٍ و لمن لا يعلم فإن حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا مناسبة موضوعنا هذا هو امتدادً و أصلٌ طبيعي أصيل لأول حزبٍ كردي في سوريا، و كانت التسمية الحالية نتاج مرحلتين من التوحد و الاتحاد بين عدة أطراف أو أحزاب كردية .
و هو حزب يعتمد و يلتزم النضال السلمي منهجاً ثابتاً له في بلوغ أهدافه المتمثلة في إطارها الموجز العام في نيل الكورد في سوريا حقوقهم القومية المشروعة في إطار وحدة البلاد أو الدولة السورية .
حقيقةً ..لايمكن لأحد مهما كان موقفه من هذا الحزب أن ينكر أو يتجاهل الشعبية الكبيرة التي يحظى بها، أضف الى ذلك نقطة اخرى أهم و هي نوعية المنتمين اليه المميزة و التميزة صراحة، لدرجة أنه بقناعتي يعتبر من بين الأحزاب الأكثر جودةً في نوعية و مؤهلات قاعدته الشعبية إن لم يكن أولهم على الإطلاق.
كل ذلك و غيره دفع بي صراحةً و من باب الحرص أولاً و بوابة حقي وحريتي ثانياً في إبداء رأيي كمعني و متابع قريب و متأثر بالأحداث بصورة عامة و بدور الحزب اجتماعياً و سياسياً و سواه بصورة خاصة إلى ضرورة تسليط الضوء على بعض أهم و أبرز الملاحظات و المآخذ و العيوب المتعلقة بدور الحزب و أداءه و تقييمي المتواضع لمستوى نهجه و خط سيره ، و تحديداً في العقد الأخير و الوضع الراهن ، فأرجو من القارئ ولا سيما من مناصري الحزب و المنظمين داخله أن يتسع صدرهم لما سوف أطرحه ، مبيناً حرصي الشديد على هذه النقطة من منطلق أن الكثيرين منهم هم أخوة و أصدقاء أعزاء أكنّ لهم بالغ التقدير و الاحترام .
حزب الوحدة أعزائي و بإيجاز شديد لم يخفِ مع بدء الأحداث والانتفاضة الشعبية في سوريا دعمه و تأييده و احترامه لمطالب الشعب المشروعة و ضرورة تلبيتها ، و لكن و في الوقت عينه ظهر و بدا عليه نوع من التخبط في التعامل مع تلك الأحداث و مجرياتها و ارتداداتها ، حيث اتضح ذلك أكثر مع ظهور محوري اربيل و قنديل و نشاطهما و تفاعلهما مع الأحداث و اتفاقية دهوك و ما الى ذلك ، بمعنى أنه حدث نوع من التردّد و التوهان لدى الحزب بشأن انتقاء الضفة التي تناسبه و التماهي معها ، حتى أن ذلك ظهر جليّاً داخل صفوف الحزب و في اختلاف الميول و المواقف إزاء ذلك و في ردود الأفعال ، كما ظهر بوضوحٍ أيضاً من خلال أنه لعب دوراً مؤسساً للمجلس الوطني الكوردي و من ثم أظهر رويداً رويداً انحيازه لمنظومة و محور قنديل ، مع التأكيد على أننا لسنا بوارد الوقوف كثيراً على مبررات و حجج كل طرف ( حزب الوحدة و باقي أحزاب المجلس ) في مسألة ابتعاد أو إبعاد حزب الوحدة من المجلس الوطني الكوردي درءاً للإطالة ، و كل ما يمكن قوله بأن المجلس برر ذلك بانحياز حزب الوحدة الواضح من ما يمكن تسميته اختصاراً بمحور قنديل و وجود اتفاقات مسبقة بينهما و ما الى ذلك ، بينما رأى الوحدة في المقابل سلبية التبعية المطلقة للمجلس لاربيل و سياساتها على حساب الخصوصية السورية و مقتضياتها .
المهم و بالنتيجة ، أن حزب الوحدة رست سفينته بالقرب من الادارة الذاتية و حزب الاتحاد الديمقراطي تزامناً مع رسوخ سلطة هذا الأخير و سيطرته على المناطق الكردية في سوريا كسلطة أمر واقع في ظل الفوضى و فراغ السلطة .
بطبيعة الحال و رغم تأكيد الكثيرين على أنّه سبقت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية حالة إتفاق خفي على أعلى المستويات بينه و بين النظام السوري ، حيث منح النظام بموجبه الحزب صلاحية إدارة المناطق و إطلاق يدها فيها و دعمها بمختلف أوجه الدعم مقابل تحمّل الحزب و تكفّله بمسؤولية النأي بالكورد و المناطق الكوردية عن ( الثورة ) و قمع مظاهرها في تلك المناطق ، فقد ذهب البعض الى أبعد من هذا ، عبر أنهم لا يستبعدون دور و تمثيل شخص سكرتير حزب الوحدة ذاته في تلك الاتفاقية ، على الرغم من أنني غير مقتنع بذلك قطعاً .
و لعل أبرز ما برّر به و من خلاله حزب الوحدة تعاطيه و تقبّله وبناءه للعلاقة مع حزب الاتحاد و مع منظومة الادارة الذاتية ككل هو أن ذلك نابع من دوافع حرصه على السلم الاهلي و عدم انجرار الكورد و مناطقهم الى مستنقع الحرب الأهلية و ضرورة البحث عن حلول سلمية للوضع القائم ، و التبرير أيضاً بأنه تبقى الادارة الذاتية رغم كل مساوئها حالة أفضل من الفوضى ، إضافةً الى انها من الممكن أن تساهم و تلعب دورا في الحدّ من تلك المساوئ .
و هنا و كجانب نراه الأهم على الإطلاق في موضوعنا فإنه :
قد يبدو لنا للوهلة الاولى بأنّ كل تلك المبررات و غيرها التي ساقها حزب الوحدة حيال علاقته مع الادرة الذاتية مقنعة و منطقية ، و لكن و بمقارنة ذلك مع الواقع العملي و اسقاطه عليه ، لا يمكننا القول و للأسف إلا بأن الحزب و طوال فترة تلك العلاقة إلى حد اللحظة ، قد وقع في سيلٍ أو جملة من الأخطاء و المتاهات و المحظورات التي لا تليق و لا تتناسب البتة مع تاريخه و برنامجه السياسي و مبادئه و أخيراً مع حجم و نوعية قوامه و بنيانه التنظيمي .
فالحزب صراحةً و بدل أن يلعب دور الواعظ و المساعد للإدارة و القائمين عليها و دور المساهم و الساعي الى تطوير و تحسين أداء تلك الادارة و توجيهها و الارتقاء بها نحو الأفضل ، نراه على العكس من ذلك ، غرق معها في العيوب و السلبيات و السياسات الخاطئة الى أبعد مدى و ما تزال .
لا يعني ذلك بأننا نقصد أنه لم يحاول أو لم يبذل جهداً في المشاركة في الادارة و معها أو أضعف الايمان تصحيح مسارها ، بل فعلت قدراً من ذلك أمانةً ، و لكن العقلية الإقصائية و الاستحواذية للمحور الذي يتعامل معه كانت له بالمرصاد دائما و بعنادٍ شديد حتى مع أقرب شركائه .
أي أننا ندرك طبيعة و حقيقة من يتعامل معه الحزب و بالتالي ندرك بأن المهمة ليس باليسيرة و السهلة علبه ، و لكننا في الآن ذاته ندرك في المقابل حقيقة أخرى و لا يجب السهو عنها و إغفالها أبداً و هي أن لكل ذلك حدّه و حدوده و سقفه .
فعندما أرى بأنّ شريكي أو شركائي لا يتعاملون معي إلا بمنتهى الاستصغار و الانتهازية و لا ينظرون إلي إلا كتابع و أسير لمصالحهم و أجنداتهم البحته ، و لا يقودانني إلا من كبوةٍ الى فضيحةٍ إلى هزيمة مراتٍ و مرات و سنوات ، فما الذي يجبرني و يرغمني حينها على المضيُ و الإستمرار ؟
فالشراكة أو العلاقة بينهما قاربت العشر سنوات و لم تعد المسألة تحتمل أن نختزلها في خانة أن ما حدث طوال تلك العلاقة هي أمور و أخطاء متوقعة و يمكن قبولها أو القفز عليها أو أنها مجرد أخطاء فردية أو سياسة خاطئة أدت الى نتائج سلبية ليست ذات ضرر كبير و يمكن تلافيها و ما الى ذلك ، بل أنّ تلك الادارة و سياساتها جلبت الكوارث و الويلات على شعبنا و أوصلته حدود فقدان كل شيء و حدّ الفناء ، فهل بقي ما هو أبعد .
كفانا مكابرةً وتهرّباً من الحقيقة و الواقع و إقناع أنفسنا برمي و إلقاء كل أسباب و مسببات ما نحن فيه و عليه على غيرنا ، سواء أكان هذا الغير هو في الاطار الكوردي من تنظيماتٍ و احزاب ، أم كان في إطار المعادين و المستعمرين لنا أو إلقاءه على انها عواقب الدول و مصالحها و تخاذل المنظمات ازاءها ، و آن أن نلتفت الى أنفسنا و مراجعتها و مساءلتها و أن نكشف بأن العيب الأكثر و الأعظم يكمن فينا نحن قبل أي أحدٍ آخر ، و سوف نجد بأن دلالات ذلك كثيرة و كثيرة جداً .
خلاصةً ..أرى بأن حزب الوحدة مطالب اليوم و أكثر من اي وقتٍ مضى بإجراء مراجعةٍ عميقة شاملة للمرحلة التي عاشها في العقد الاخير و كيف أنه فقد الكثير من وزنه و دوره و ثقة المحيطين به ، و كيف أنه خرج أو ابتعد كثيراً عن مساره بشهادة و دلالات خسارته لجهود أبرز الشخصيات و الكفاءات ممن كانوا أعضاءً في الحزب و ابتعادهم عنه ، هؤلاء المخلصين الذين كان ترك أغلبهم الهادىء للحزب في غاية الرقي و الاحترام و المسؤولية ، لذلك فمن المؤسف جداً خسارة الحزب لهم و لجهودهم .
أضف الى ذلك و من جانب آخر بأن من المؤسف استمرار مساهمة الحزب في التستّر و إصباغ المشروعية على طرفٍ لم يزل لم يتعظ قيد أنملة من كل ما جناه بل مواظباً على ذات الخط و العقلية. بل امتدت مسؤولية حزب الوحدة و انغماسه درجة أنّه و مثالاً بات اصحاب الاختصاص في القانون داخل الحزب مجرّد أدوات تحت الطلب لهم و لإعلامهم و لأجنداتهم على حساب استقلالهم و حياديتهم .
يبقى نهايةً ذكر أنّ العيب الأكبر و الأعظم الذي يجمع كل تنظيماتنا السياسية و الواقع السياسي لمنطقتنا برمّتها يكمنّ في أننا نعتبر الأعتراف بالخطاّ أو الأخطاء و الرجوع عنها عارٌ ما بعده عار و غير ممكنٍ على الاطلاق مهما كلفنا الأمر .
١٧/١/٢٠٢٠