في جدلية الفهم أللاقومي وثقافتها

 وليد حاج عبدالقادر / دبي
بين الفينة والأخرى يتحفنا بعضهم وفي خلط متعمد لمفاهيم – أكاد اجزم – بانهم لا يستوعبون – عمليا – ما يقولون ، وذلك لعوامل متعددة منها مثلا ، أن تكون مروية او منقولة عن إناس ينظر إليهم على انهم من المستحيل ان يخطأوا ، في تناس عملي بأن اولئك ايضا قد لا يدركون حقيقة ماقد يكون التبس عليهم جميعا ، او لعلهم يدركون كل ماهياتها ويتقصدونها ، وكمثال على ذلك ، نقد الفكر القومي كجوهر ، مع ان كل الخطوات العملية المتخذة تستهدف وكنتيجة لإستئصالها / نفيها لا تقويمها ، و بغطاء غوغائي يرافقه ضيج مرياعي لا يستوعب حقيقة جذور القضية القومية من جهة ، ولا ضرورات التماهي بها صعودا للإرتقاء بها ومعها لصيغ أفضل كبنى وطنية على ارضية ديمقراطية فعلية ،
 وفي غياب هذه الحالة ، بديهي ان يطفو على السطح نزعات مواربة  لصالح توجهات قومية اكبر – اقوى ، فيتقزم فيه هو كفرد او جماعة ، وعلى أساسه يوهم نفسه ومجموعته على ان تنازله الاكبر ستحوطه بقوة وتلف وتدور معه و .. ليعود من جديد الى نقطة الصفر ، وبهدير قومي مزعوم – من جديد – ليس اكثر ، وهنا وامام هذا التوجه ! اوليس من حقنا ان نطرح عليهم جملة من الاسئلة : هل هي أزمة هوية ضاعت في اتونها مفهوم الإنتماء ؟ أم هو طغيان الإنتماء التائه في خضم اولويات مطاطة تستخدم لتطويع الهوية الرئيس باختلاق اساسيات ومعها هرولة أشباح / حتى لا أقول أشباه / المثقفين ! ومن جديد بين ( مزدوجتين ) ، هذا المصطلح الذي اصبح بدوره عبئا لا دافعا !! للملمة الممكن والقابل صرفها لتجاوز ازمة الهوية وتصقيل بنائها ؟! … وعليه ! أو ليست الثقافة والمثقف هي من أكثر المصطلحات المستهلكة حتى من السجائر وفناجين القهوة بانواعها ومعها طلاطيش غرامشي او استظهارات بعض من المعسول منقولا عن طرابيشي ومن دون فهم ! ونتناسى جميعا ومن دون استثناء : أننا من سلالة / طبقة اولئك الفرسان الذي رأوا وفهموا من الماركسية اللينينية  ذات يوم بأنها تعني ان ماركس هو ابن انجلز وإنجلز ابن لينين وان برامج احزابنا يلزمها قطيع كامل من البغال والحمير لتنقلها من مكان الى آخر ؟! . وبالتالي وفق أية صيغة سنرتقي في الفهم القومي الذي لم نزل نسع بدون كلل في انجاز مراحله ، فنقفز عليها الى – براديغما – تخلى عنها صاحبها بعد ان اعتذر ؟ .. إن المشكلة الرئيسية في أية دولة متعددة القومياتة هي في الأساس تلك العقدة التي تأصّلت ـ حسب الرائع الكواكبي ـ وتلبّست الطبقة اوالفئة التي تسلبطت على الحكم وبالتالي صارت نخبة حاكمة ، والتي تجرم بكل بساطة ، أية فئة – فرد يسعى الى نزع أية ريشة من جلالة استبدادها ، فتعتبرها خرقا و تجاوزا لها ، والغاية الأساس القضاء عليها وزوالها ، كإنعكاس حقيقي لفهمها وتفسيرها لمبدأ نفي النفي ، وتجاهل ديكتاتوري قمعي لمفهوم وحدة وصراع الأضداد ، وطبيعي ان يكون كل ذلك ـ بتكراره ـ أي ببساطة شديدة ، هو ردّ فعل طبيعي وكإحساس باطني لمسلكهم النفيوي للآخر أصلا . وعليه ، فأن البحث في جذر المسألة النظرية التي تستطيع لابل تخلق ظروف التعايش مع كل القوميات حتى التي مارست طبقتها الحاكمة الإضطهاد ، هو امر حيوي وهام جدا ، ولكن المشين فيها هو ان يكون على حساب بعثرة حقوق ذات المجموعة المضهدة سابقا تحت يافطات مختلفة كحسن النوايا مثلا ، وبالتأكيد سيبقى همها الرئيس ان يصبح التأزم دائما سيد الموقف . وهنا في الشأن الكوردي في سوريا ، يمكننا القول وبكل أريحية ، لو أن عفلق والأرسوزي وامين حافظ وقبلهم ميني وطلب هلال والسراج مرورا بلجنة اعمار مزارع الدولة المتبوعة كانت للقيادة القطرية البعثية ، يضاف عليها كل مشاريع ضابط الامن محمد منصورة وبالتوافق مع جهاز امن الدولة ، والأهم في كل ذلك المذكرة المعروفة بإسم كاتبها العميد عبدالرحمن النهار رئيس فرع امن الدولة بالقامشلي لسنين طويلة ، تلك المذكرة التي نال الموافقة عليها ، والتي استهدفت البنية التحتية لغالبية المناطق الكوردية ، من خلال الإستنزاف الفوضوي لركائز استراتيجية اساسية في كوردستان سوريا / الآبار الإرتوازية أنموذجا / وكان الهدف واضحا في دفع الناس نحو الهجرات الكبيرة صوب الداخل في تنفيذ حرفي / مهني / لمخطط محمد طلب هلال ، تلك السياسية التي انتجت مفعولها قبل الثورة السورية ، وكانت الهجرة الكوردية الداخلية من اضخم الهجرات ، حيث وصلت حتى مدن الداخل السوري والدول المحيطة ! . لكن وبرغم حجمها لم ترتق الى قطع جذور التواصل البيني ، بعكس ما مارسته ومن جديد كتطبيق عملي وبصيغ شرسة سلطة الأمر الواقع من دفع جبري وبممارسات عديدة أنتجت موجات هجرة خارجية وبكارثية ! والتي تستحق عليها بالفعل جائزة إيزو الممتازة في اختراع أنجع السبل وأسرعها في تفريغ المنطقة من كوردها .
وعود على بدء ، ان خلع الرداء / الصفة القومية عن مجموعة ، وتسخير ذلك الخلع كأداة في رفع وتيرة الإنتماء لأي توجه آخر ، لن يكون في الواقع العملي سوى بروباغندا رخيصة قد تستمر لفترة ، ولكنها بالتأكيد وكتحصيل حاصل ان الذين سيسعون الى القضاء عليها وانهائها ، هم اولئك المنخرطين فيها بمسمياتهم غير القابلة أصلا في إيجاد توازن مجتمعي متكافئ ، ولا الى حلحلة البينيات المتراكمة ، والتي تزداد حدة في الضغط الممنهج التي تمارسها الجهة الزاعمة في انسلاخها تطويعا لسراب عملي لا اكثر ! . وفي الواقع فان تجربة اللا إنتماء القومي الخاصوي غير المستندة اصلا على ثقافة مواطنة حقيقية ، لن ترتقي اطلاقا الى درجة الخروج من شرنقة ازمة الذات البنيوية وتراكماتها ، وبشكل خاص المحدثة منها – كهوس السلطة – وفخامة اللقب ، وبإيجاز مكثف : ان البديل العملي لتجاوز كل هذه العقلية النفيوية يمكن التاسيس لها على ارضية سلسة تكون ركيزتها الأساس : تأطير وعي جمعي يخدم / تخدم الهوية الرئيسة وعلى قاعدتها نبني ما ننوي ان نبنيه في إطار البعدين القومي الذاتوي والجمعي الوطني ودائما تكون الركيزة الديمقراطية هي القاعدة الأساس

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…