خليل خلالكي
حقيقةً تعجز الكلمات للتعبير عن امتناني الشديد و تقديري البالغ لما تبذلونه من جهود و تضحيات في سبيلنا و سبيل خدمة الأمة الكردية ، فهاهم مقاتلوكم و عقلاؤكم يملأون كردستان سوريا و يستبسلون فيها مقاومةّ و كفاحا و عطاءا .
حيث ما أن ضاق الحال بنا و بدت ملامح الفوضى و فراغ السلطة في سوريا حتى لبيتم النداء ، لا بل لم يكن هناك نداءٌ من أصله و انما بادرتم بأنفسكم الى الوقوف فوق رأسنا و نحيتمونا جانباً و استلمتم زمام الأمر و النهي من بابه إلى محرابه ، من منطلق أنكم حريصون أشد الحرص على أن تقفوا على كل صغيرة و كبيرة ، فالخبرة و العلم و الثقافة كلها مطلوبة و نحن أناسٌ بلا حولٍ و لا قوة و دون ذلك كلّه .
أدرتم كل شيء بأنفسكم و أشرفتم و أمرتم بما يجب أن يؤمر به و نهيتم عما يجب النهي عنه ، و لم تكلفونا إلا ببعض الأمور الروتينية السلسة البسيطة التي لا تحتاج الى خبرة و معرفة و دراية . و منحتمونا راحةّ لا يمكن إلا للجاحد أن ينكرها ، لدرجة أن الكثير منّا بات مطمئناً على الأوضاع في مناطقنا أشدّ الاطمئنان فخرج يسعى سياحةً في طول العالم و عرضه .
عاشت مناطقنا بفضلكم نعيماً و رخاءّ لا يمكن انكاره و نسيانه فتأسست الادارات و المؤسسات و الوزارات و الكومينات ، و لم تنسوا أدق الشؤون و التفاصيل و الحسابات إلا و كنتم حاضرين ، لدرجة انكم حملتم على عاتقكم بأمثلة بسيطة هموم الخلافات الأسرية و مشاكل أطفالها و لباسهم و علاقاتهم و تربيتهم ، فهل من أحدّ ينسى تضحيات الشهيد جكدار في هذا مثالاً ، و حرصتم أشد الحرص على عمل القضاء و القضاة ، حيث كان للهفال القادرو اشرافا مباشرا على عمل القضاة و كل عمل مانحاً خبرته للقاضي في القبض على من يجب أن يقبض عليه و اطلاق سراح من يجب أن يطلق سراحه و في الايعاز له بالقرار المناسب الذي يجب أن يتخذه عموماً ، أضف الى انكم لم تغفلوا حتى عن حفظ ثقافتنا و تراثنا و آثارنا ، و لم تتركوها مهملة منسية دفينة الأرض و التراب ، بل اخرجتموها و وضعتموها في الحفظ و الصون بحيث لا يدري مكانها و مصيرها أحد خشية و حرصا عليها .
لقنتم الخارجين عن الطاعة و النظام و القوانين دروسا قاسية ليكونوا عبرةً لمن لا يعتبرون ، فقتلتموهم و قمتم باعتقالهم و تعذيبهم أشد التعذيب و أودعتموهم السجون و دور التأهيل و الإصلاح و ملأتموها ، حتى أنكم تحسبا و احتياطاً فرضتم تلك العقوبات على من تظهر على ملامح وجهه مظاهر احتمال العصيان و التمرّد و الخروج عن النظام ، ليس نظامكم فحسب بل النظام السوري ككل ، من مبدأ اللي ما بيحسب ما بيسلم .
ذلك كله ليس إلا غيض من فيض طوفان جمائلكم و انجازاتكم .
بطبيعة الحال و بلا أدنى شك كان كل ذلك متابعاً و مراقباً من الأعداء و المتربصين بكم و حتى من غير الأعداء أيضاً و من اوربا و سويسرا تحديدا ، سعياً منهم و منها لأن ينهلوا من التجربة و أفكارها و فلسفتها و تطبيقاتها ليسقطوها على بلدانهم .
أما العدو و بالتحديد تركيا ، فبلا شك أيضاً بأنه شعر بحرجٍ و غيظٍ شديدين ، لذلك جنّ جنونه و فقد صوابه و أعلن الحرب بأي ثمن ليضع حداً لتلك المكتسبات و الانجازات و ليسقط خطر اجتياح التجربة لبلاده .
فأعدّت تركيا ما استطاعت من العدة و العتاد و اجتاحت مناطقنا ،
هنا و في هذه اللحظة المفصلية و العصيبة علينا جداً ، أيضا لم تتخلوا عنا ، بل استمر منحكم و عطاؤكم لكل ما تملكونه من ثقافةٍ و خبرة ، و لكن هذه المرة في مجال مقاومة الاعداء و الخطر الخارجي ، حيث تركتم لنا مطلق الحرية في تعلم شكل الدفاع عن انفسنا و الإتكال على الذات و مقاومة الأعداء ، و الأعظم من هذا هو أنكم منحتمونا ثقتكم المطلقة بقدرتنا على مجابهة العدو و الانتصار عليه ، لدرجة أنكم تركتمونا لوحدنا في جبهات القتال و على خطوط التماس و حرصتم في الوقت نفسه أشد الحرص على أموالنا فحملتموها معكم بعيداً الى حيث لا يصل العدو ، كي لا تقع تلك الأموال بيد الأعداء و ينعموا بها .
و لكن وااااا أسفاه و وااااا خجلتانا منكم يا كورد تركيا ، نحن الذين لم نكن بحجم ثقتكم و تضحياتكم الجسام تلك لأجلنا ، و أفسدنا في بضع أيام كل ما بنيتموه و قدمتموه لنا و كل ما علمتونا إياه ، حيث لم نستطع الدفاع عن انفسنا و الحفاظ على مكتسباتنا ، فوقعنا و وقعت مناطقنا بيد الأعداء الأتراك و المرتزقة من العرب ، ليعيثوا بنا و بها فسادا و تدميراً و اجراما ، و لكن الجيد في الأمر بأننا لم نخسر سوى بضع آلافٍ من أبنائنا في تلك المعارك .
الأهم و رغم كل ذلك و كل ما حصل و ما جنيناه نحن على أنفسنا ، لم تغضبوا علينا و بقيتم رحماء كرماء معنا ، و بنيتم و وفرتم لنا الخيم و المساكن و حرصتم شديد الحرص أن لا يتعرض أي منا للهلاك و الخطر فمنعتمونا من العودة الى المنطقة حيث رائحة الخطر و الموت في كل مكان ، كما ناشدتم على الفور الدول و المنظمات لإغاثتنا و أشرفتم بأنفسكم على المعونات و الاغاثة كي لا تحدث عمليات و حالات الهدر و التبذير ، فالمرحلة تتطلب التقشف الشديد .
كما ان كل ذلك لم يثنيكم عن التفكير و العمل و إعداد جيلٍ جديد من المقاومة و التحرير بطريقةٍ لا تعبر إلا عن ذكاء خارق و بعد نظر عميق للمستقبل ، حيث جعلتم المخيمات و مساكن النزوح مدارس و بروردات ثورية نضالية مشبعة بفكر و فلسفة القائد آبو، تهيىء جيل فكر الثورة و المقاومة و التحرير بدءاً من الأطفال مرورا بالشباب وصولا الى العجائز ، كما أرسلتم الكثير من اطفالنا كبعثات دراسية و تدريبية و قتال حي الى جبال قنديل و كهوفها الثورية ، حيث حاخامات النضال العظام .
في المقابل أيضاً حرصتم على أن لا تتركوا المجال للعدو التركي و مرتزقته في أن ينعموا بعفرين و خيراتها ، بل زرعتم الرعب في نفوسهم من حين لآخر و أطلقتم عليهم قذائفكم التي و إن أودت بحياة الكثيرين من أهلنا إلا أنها أفزعت الأعداء أيضا ، فبالنتيجة لا غنى و لا مناص لنا و أمامنا من تقديم التضحيات ، فالتحرّر و ثمن الحرية دائماً باهظٌ و مكلف .
أما الأجمل و الأروع و الأبعد من كل ذلك يا أحبائي يا كورد تركيا فإن سيل كرمكم علينا بلغ لأن لا تكتفوا بإرسال المقاتلين و الخبراء و البعثات التبشيرية الينا فقط ، و إنما لأن تحملوا همنا و همومنا حتى البعيدون منكم عنا و من هم خارج الحدود في كهوف المقاومة و على أعلى المستويات ، حينما يخرج من الكهف مهددا متوعداً تركيا بأقسى العبارات و يجعلها ترتعد فزعاً و ارتباكا و خشية و ليبعث فينا حماساً بلا نظير .
بقدر فضلكم الكبير اللامحدود علينا و بقدر عطائكم هذا ، كنا و للأسف بذات القدر ناكرين جاحدين ، حيث نصرخ بين الحين و الآخر بما معناه و بالعامية :
يا أخي كرمال الله و الملائكة و الأنبياء و كل شي بتعبدوه كفو بلاكون عنا و حلوا عن سما ربنا و ف ط و نحن بألف خير .
ألمانيا ١٢/١/٢٠٢٠