هل سيمهد التدخل التركي في ليبيا في خلق موقف أوربي-عربي لدعم المسألة الكردية في سوريا

عبد العزيز قاسم
من المعلوم أن تركيا، بلد فقير بالموارد الهيدروكربونية وأيضا لايمتلك تكنولوجيا متقدمة كتلك الموجودة في بعض الدول الأوربية لاستخدام الطاقة البديلة وتخفيف استيراد الوقود وبخاصة النفط والغاز، إذ تستورد أكثر من 95% من حاجاتها الاستهلاكية من الغاز والبترول من إيران وشمال أفريقيا (نيجيريا والجزائر)، وأنفقت تركيا وحسب تقارير اقتصادية في عام 2018 حوالي 42 مليار دولار أمريكي على واردات الطاقة ومن المتوقع ان هذا الرقم زاد الى 45 مليار دولار لعام 2019، ومن جهة أخرى أن أغلب اتفاقياتها مع روسيا لاستيراد الغاز من روسيا والمعروفة بـ(خط البلقان) لم تأتِ بالنتائج المرجوة وستنتهي هذه الاتفاقية بحلول  2022، ما يجعل تركيا في حاجة إلى مصادر بديلة، خاصة مع تزايد التغييرات في المشهد السياسي للمنطقة وتورطها في صراعات المنطقة وبخاصة في الأزمة السورية،
 ولتأمين الطاقة البديلة ازداد الاصرار التركي في الاشهر الاخيرة من العام المنصرم في التنقيب عن النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط، بعد الفشل التركي القطري من مد خط الغاز القطري عبر سوريا الى تركيا ومن ثم إلى أوربا وكذلك بعد الحديث عن وجود احتياطي ضخم من الغاز الطبيعي في السواحل السورية واللبنانية والإسرائيلية والمصرية وعلى الرغم من أن الاتفاقيات الدولية تقف عائقا أمام الطموح التركي إلا أنها أرسلت في النصف الثاني من 2019 عدة سفن مسحية لعمليات الحفر والتنقيب في شرق البحر المتوسط قبالة السواحل القبرصية ولكن هذه العملية اصطدمت برفض يوناني ومصري وقبرصي وبإدانة أمريكية وبسلسلة من القرارات الاوربية بفرض عقوبات وتدابير اقتصادية على تركيا وقرر وزراء الخارجية الأوربيين اقتطاع 145 مليون يورو من المنح المقدمة لصناديق أوربية لعام 2020.
وكان هدف الحكومة التركية واضحا من خلال غزو المنطقة الشرقية لكردستان سوريا أولا لضرب المشروع القومي الكوردي وثانيا للسيطرة على حقول نفط حسكة وديرالزور في 9 أكتوبر 2019م ولكن هذا الطموح التركي اصطدم بقرار أمريكي لحماية حقول النفط وعدم السماح للقوات التركية من الاقتراب من حقول النفط هذه.
وجاء اتفاق ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة السراج في ليبيا في مسعى تركي للقيام بدور القرصان في البحر الأبيض المتوسط وثانيا للسيطرة على أغنى الحقول النفطية في الشمال الأفريقي مستغلة أوضاع ليبيا وهذه الاتفاقية التي وقعت في 27 نوفمبر أثارت الكثير من الردود الأوربية والعربية الرافضة.
ولنقف عند الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة إلى الكورد والقضية الكودية والتي يمكن استثمارها كورديا لكسب دعم للمشروع القومي الكوردي في سوريا من الدول العربية والأوربية الرافضة للغزو التركي في ليبيا، وهي موضوع علاقة تركيا وقطر بالجماعات المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين المتشددة في العالم العربي ومنها الجماعات المرتزقة في عفرين وسريكانية واستخدام نفس المليشيات المرتزقة المرتبطة مع الائتلاف السوري المعارض، التي غزت بها واحتلت مناطق في كوردستان سوريا، في غزو ليبيا ودعم حكومة السراج ذات الميول الإخوانجية وربما يصل الأمر إلى التنسيق مع الجماعات الإرهابية في أفريقيا كخلايا تنظيم داعش والقاعدة وبوكو حرام في تنفيذ مهام معينة… وكما رأينا أن مصر أول دولة عربية وفيما بعد السعودية والإمارات سارعت بإدانة الغزو التركي لمنطقة سريكانية وكري سبي في كوردستان في 9 أكتوبر 2019 ودعت إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية، كما إن دولا أوربية عديدة وهامة وبخاصة فرنسا قدمت مشروعا أوربيا مشتركا للتنديد بالاحتلال التركي من خلال المجلس الأمن الدولي والتي قوبلت بفيتو ثلاثي أمريكي-روسي-صيني لصالح الاحتلال التركي…
هناك مساعي عربية من دول عربية هامة لفرض المزيد من العزلة العربية على تركيا وكذلك على دولة قطر وفي ضم جماعة الإخوان المسلمين إلى قائمة الجماعات الإرهابية وهناك توجه أمريكي أيضا بهذا الخصوص وهذا يبدو واضحا من خلال التحرك السعودي لتقليص دور الائتلاف في هيئة التفاوض السورية من خلال دعم شخصيات مستقلة في مؤتمر الرياض الاخير ويمكن كورديا استغلال هذه التوجهات في توحيد البيت الكوردي (الشبه المستحيل) وكذلك في كسب دعم سياسي عربي أوربي للقضية الكوردية، ويبقى المجلس الوطني الكوردي حتى من دون وجود موقف كوردي موحد الطرف الأكثر تأهيلاً لأن يلعب دورا في هذا الملف ولكن وجوده في الائتلاف بالتأكيد قد يقف حجرة عثرة أمامه للقيام بالتحرك في هذا الاتجاه.
 ولهذا ينبغي على المجلس الوطني الكوردي، التفكير بشكل جديّ وإيجابي، لوضع الانسحاب من الائتلاف أحد الخيارات الممكنة في الفترة القادمة، من خلال وضع المصلحة القومية الكوردية العليا معياراً لأي خطوة، وذلك لضرورة قومية وأخلاقية، وبخاصة أن الائتلاف أصبح مظلة للمليشيات الإرهابية المناطق الكوردية المحتلة بارتكاب جرائم حرب وابادة بحق شعبنا الكوردي، وكذلك لم يعد الجسم السياسي الذي يمثّل كل الطيف السياسي، ولم يعد يحظى بالدعم الدولي والعربي، كما كان، ماعدا الدعم التركي القطري وحتى لم يعد يحظى بشعبية بعد أحداث إدلب الأخيرة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…