الحدث العراقي وطغيان الحكام

خالد بهلوي- ألمانيا 
لست من دعاة الرأسمالية والاستغلال لأنها لا تحقق العدالة والمساواة بين الشعوب والطبقات وأن الحل الوحيد لمشاكل البشرية هو بالقضاء على الطبقات الظالمة التي تمتص، وتنهب قوت الشعوب والتي من حقها تقرير مصيرها ومستقبلها بنفسها. وأصبح حلف الأطلسي والولايات المتحدة سيدة العالم بلا منازع لتملكها القوة العسكرية والاقتصادية، فصارت تصدّر النظريات والمفاهيم الجديدة مثل العولمة- القطب الواحد – محاربة الارهاب- نشر الحريات والديموقراطية على طريقتها- وشرعت باحتلال أراضي الغير لنهب خيراتها.  
وبدأت بإتباع سياسة جديدة بحجة القضاء على الحكومات الدكتاتورية والأنظمة الشمولية  بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول فدخلت العراق بالقبضة العسكرية وقضت على النظام الدموي الصدامي، وفُتح المجال واسعا أمام قوى المعارضة بان تدخل العراك السياسي وترتاح من التهجير والقمع والإعدامات لتتنافس على ادارة البلاد بشكل سلمي ديموقراطي فتشكلت حكومات على أسس طائفية وحزبية من خلال صناديق الانتخابات بمشاركة  جميع قومياته وأديانه ومذاهبه، وتوزعت المراكز السيادية فنال الشيعة رئاسة مجلس الوزراء والكورد رئاسة الجمهورية، ولأول مرة في تاريخ العراق وفي البلاد العربية يتوج كردي لهذا المنصب السيادي، واعتبرت اللغة الكردية  لغة رسمية بعد اللغة العربية، والتأكيد بضرورة نيل كل قومية واقلية حقوقها المشروعة، وان يكون لها دور في بناء دولة عراقية ديموقراطية لإعادة الثقة بين أفراد المجتمع بعد أن كان يخاف  الجار من جاره والأخ من أخيه.
وجاء انتخاب  ممثل الكورد رئيسا للجمهورية صفعة كبرى لكثير من الحاقدين الذين  أدّعوا أن الكورد جنس غريب في قلب الأمة العربية، وحاربوهم بشتى الطرق والوسائل من تهجير وقتل وبطش إلى حرمان من ابسط الحقوق الإنسانية . 
إن تتويج رئيس جمهورية كردي في البلاد العربية يعتبر انتصاراً لكل الوطنيين المخلصين الغيورين على مستقبل بلادهم ونصراً لدماء الشهداء الذين سقوا بدمائهم الطاهرة كل شبر من ارض العراق . لهذا اعترف كل قادة الأحزاب بحق الكردي وأحقيته بشغل هذا المنصب الرفيع وشاركت جميع الاقليات والمذاهب في كتابة الدستور والمشاركة بالسلطة بعد أن كانوا يتشاركون أقبية السجون والإعدامات أيام صدام المقبور.
بعد ست عشرة سنة تغيرت كل هذه المفاهيم والتصورات وهيمنة الطائفة المدعومة من إيران على زمام الأمور بالتعاون مع نفس المعارضة أيام زمان، وساد الفساد ونهب الشعب وتهريب خيرات البلد، ولم تهدأ الأمور، واستمر القتل والتشريد والفقر والجوع من قبل نفس المجموعات التي كانت تدّعي ان مهمتهم القضاء على صدام حسين وبناء دولة حديثة ديموقراطية يجد فيها كل العراقيين حقوقهم وحريتهم وكرامتهم.  للأسف لم تستطع ان توفر الأمان والتقدم الاقتصادي او محاربه الإرهاب ولا تحسين الوضع المعيشي للشعب لكل ذلك خرج الشعب العراق بكل أطيافه وأديانه وقومياته الى التظاهر في الشارع. 
ان الشعوب التي تقدم تضحيات جسام من اجل نيل حرياتها، وتسعى لبناء اوطانها لتكون أكثر أمنا وأمانا لمستقبل أولادها لا يمكنها قبول الضيم. وان ما يحدث في العراق الان هو ثورة ضد التدخلات الأجنبية في مؤسسات العراق ومفاصل الدولة وضد كل الذين أصبحوا اجندات هذه الدول المارقة على حساب شعب العراق ولقمة عيشه. وان الأيام القادمة ستكون مفتاح الحل ليس فقط في العراق بل لكل شعوب المنطقة للخلاص من التدخلات الخارجية في دول المنطقة والهيمنة على خيراتها وثرواتها

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…